روز العودة تكتب: الصدق أعظم مقامات الإيمان

خلق الله الإنسان بصفات ومزايا فطرية تسمو بمكانته بين المخلوقات الأخرى، ولكنَّ الإنسان يتخلَّى أحيانًا عن بعض هذه الصفات مُجبرًا أو متعمِدًا أو ناسيًا، فيفقد جزءًا من مكانته ووضعه ومركزه؛ لأنه اختار أن يكون مختلفًا عن طبيعته البشرية، وسمح لصفة مُكتَسَبة أن تطغى على صفة خلقية.

يولد الإنسان وهو مكتسب لصفة الصدق، ومرحلة الطفولة خير دليل، ثم يفقد أحيانًا هذه الصفة، بعد أن يتقدم في العمر؛ أي يكتسب صفة جديدة باسم جديد أقل مكانة مما خلق بها، وقد تحط من قدره وتَحول بينه وبين الفضيلة ومكارم الأخلاق.

إنَّ الصدق صفة عظيمة، وقيمة سامية، تؤدي إلى قيام مجتمع مُعَافى، وأسرة مستقرة، وعلاقات اجتماعية سوية، إذا كان هو السلوك الطبيعي لكل أفراد المجتمع، بل يجب أن يكون هو أسلوب حياتنا كمسلمين؛ لأن الله- سبحانه وتعالى- أمرنا به وجوبًا، ورفع درجات الصادقين في الدنيا والآخرة إلى أرفع المقامات، فقال في كتابه الكريم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ"(التوبة- 119).

ودرجة الصِدِّيق عند الله عالية، بل من أعظم درجات الأخلاق التي أمرنا بها الإسلام لدرجة أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام نفى صفة الإيمان عن غير الصادقين وربط إيمان المؤمن الكامل بعدم الكذب.

والصدق في حقيقة الأمر احترام للإنسان والإنسانية، فليس هناك أفضل من أن يكون إيمانك وعقيدتك بلا ريب ولا رياء، وأن تكون نفسك بلا بدع ونفاق، وعملك بلا عيب أو نواقص، وأن يكون سلوكك محكومًا بمكارم الأخلاق والصدق؛ انطلاقًا من وصية النبي صلى الله عليه وسلم لنا بالصدق الذي يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة.

وطالما ظل الإنسان يسعى ويطلب ويبحث عن عافية الجسد؛ فلزامًا عليه البحث عن عافية الروح التي أساسها الصدق، وعندما تتعافى الأرواح يتعافى الجسد، وأولى خطوات تصفية وتهذيب النفوس هي الصدق، والوضع الطبيعي أن يكون الفرد صادقا مع ربه في عبادته وأداء الشعائر وصادقا مع نفسه في نقده ومدحه لذاته، وصادقا مع الآخرين من اجل رفع قيمة الحياة حتي إن من شرف الصدق أن تكون صادقا مع عدوك فالتاريخ يشهد لكفار قريش أنهم مع عداوتهم للإسلام رغم كفرهم البائن إلا أنهم كانوا صادقين في مناسبات كثيرة، فالصدق قيمة من قيم المروءة والرجولة والإنسانية وهو السلاح القادر على القضاء على مجتمعات الكذب ونقض العهود والمواثيق وفي نفس الوقت أداة لبناء مجتمع الفضيلة والأسرة السليمة والدولة المحترمة.

وفي حياتنا الحالية فقد تكون حاجتنا إلى غرس بذور الصدق بيننا وتسييده على أسلوب حياتنا وطرق معيشتنا وتربية أطفالنا تفوق حاجتنا إلى الأكل والشرب والترفيه إذا كنا نرغب في تأسيس مجتمعات تعتمد على الدين الحقيقي وليس النفاق، إذا كنا نرغب في طرق حياة محترمة في المعاملات وعمليات البيع والشراء والعقود والعهود والمواثيق وقبل كل ذلك في حياتنا الاجتماعية داخل أسرنا وفي مؤسساتنا ومناطق عملنا في كل زمان ومكان.

صدقا الصدق أعظم مقامات الإيمان. الصدق أفضل وأجمل قيمة للإنسان والإنسانية.

روز العودة رئيس التحرير

اقرأ أيضًا: روز العودة تكتب: ممارسة الهوايات.. وضغوط الحياة