روز العودة تكتب: فن التَّغافُل

التغافل فن من فنون الحياة؛ فمن الحكمة ترك بعض الزلات تمر مرور الكرام وكأننا لم نرَ شيئًا، مع غض الطرفَ عن الهفواتِ، وعدم إحصاء السيئات، والترفع عن الصغائر.

"اللبيبُ مَن تَغَافَلَ لا مَن غَفَل"، حكمة بليغة في السلوك التربوي؛ تعني أنه يجب على أولياء الأمور ألا يقفوا طويلًا أمام بعض المواقف والسلوكيات التربوية البسيطة التي تصدر عن أولادهم وأتباعهم، وما عليهم إلا غض الطرف عنها وتغافلها، تغافلًا مقصودًا.

هذا السلوك التربوي لا يعني مطلقًا الغفلة عن المشكلات التربوية الصغيرة؛ لأن الغفلة عنها وعدم الاهتمام بها، وعدم علاجها مبكرًا، قد يؤدي إلى استفحالها وتشعبها؛ وبالتالي تجذّرها؛ وبالتالي يتطلب جهودًا مضاعفة لعلاجها.

وهناك فرق بين التغافل والتجاهل؛ فالتغافل رسالة سامية تحمل معاني الود والاحترام للآخر؛ أما التجاهل فهو رسالة احتقار وإهمال.

التغافل أداة ورسالة للشخص بأنه يهمك ويعني لك الكثير، وتحرص على بقاء علاقة الود معه، بعكس التجاهل الذي غالبًا ما يكون مع شخص عابر لا يعني شيئًا.

وعلى الآباء والأمهات التحلي بخُلقِ التغافل، فأولادنا يختبرون الحياة، ويجربون قدراتهم، ويقلدون أصحابهم، وينقلون للمنزل ما يتعلمونه خارجه. وهنا تكثر الزلات والسيئات؛ فلو وقف أولياء الأمور موقف المُحصي المتصيد للزلات والأخطاء، لزادت المشكلات.

أيها الآباءُ، تغافلوا عن هَفَواتِ أبنائكم وأزواجكم؛ لدوام الألفة، فقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: "الكَيِّس العاقل؛ هو الفطن المتغافل"، وقال الخطيب البغدادي رحمه الله: قيل لأعرابي: من الأريب العاقل؟ قال: الفَطِن المتغافل، وقال أحد الحكماء: "وجدت أكثر أمور الدنيا لا تجوز إلا بالتغافل".

روز العودة رئيس التحرير