إمام مسجد سارسيل عن الصيام في باريس: أطالب بدعم عربي لمسلمي فرنسا والاستثمار فيهم

باريس - خالد سعد زغلول

تكتسي باريس «مدينة النور» وعاصمة الفن والجمال والثقافة في شهر رمضان الفضيل بطابع خاص. حيث يعتبر الإسلام هو الدين الرسمي الثاني في الدولة الفرنسية بعد الكاثوليكية، وقبل اليهودية وفق آخر تعدادها عند‏600‏ ألف نسمة‏.

وتعد الجالية العربية والإسلامية في فرنسا، أكبر الجاليات في أوروبا، وهي مميزة في أسلوب حياتها؛ فرغم أنها تعيش في أحد أكثر مجتمعات الغرب تسهيلًا للبعد عن التدين بسبب كون فرنسا رائدة العلمانية في العالم، إلا أن الجالية الاسلامية لا تزال متمسكة بتقاليدها وعاداتها‏ وتتألف في أجمل صورها في رمضان.

مساجد فرنسا ممتلئة والعشر الأواخر أكثر ازدحامًا

هذا وقد امتلأت مساجد باريس وضواحيها ومدن فرنسا الكبرى كمرسيليا وليون وبوردو ونانت بالمصلين، وكأن كل صلاة هي صلاة الجمعة‏. إذ يحرص المسلمون على الصلاة في المساجد حتى إن بعضهم يأخذ إجازته السنوية في هذا الشهر للتفرغ للصلاة والصيام‏.

‏واللافت للنظر أن هناك زحام كبير في صلاة التراويح ولاسيما من العنصر النسائي حيث تحرص فتيات فرنسا المسلمات على أداء قيام الليل في المساجد رغم رخصة صلاتهم في المنازل. ولهذا تمتلئ طوابق المساجد بالمصليين من الجنسين. وقد زاد الإقبال في العشر الأواخر من رمضان لحضور ليلة القدر والاقتباس من أنوارها وبركاتها ونفحاتها الروحانية.

وقامت «الجوهرة» بجولة للتعرف على بعض النماذج الإسلامية الراقية؛ والغوص في جوانب من تفكيرهم وحياتهم. وحرصت على الالتقاء بالصور العربية المشرفة، التي حققت نجاحات في مجالات العمل المختلفة أو اكتسبت حب الفرنسيين في المجتمع كطاقات إيجابية مؤثرة.

2000 مسجد

وقد استهللت الجولة بلقاء العالم المصري فضيلة الشيخ عبد الحميد عامر؛ وهو من كبار علماء الأزهر الشريف؛ وأحد طلبة العلامة الشيخ محمد متولي الشعراوي، والذي أوفده الرئيس السادات في السبعينيات الى فرنسا ليقوم بتعليم الجالية الإسلامية شعائر دينهم فعمل مفتياً للمسلمين، لأكثر من ربع قرن ثم حاليا هو إمام مسجد سارسيل بضواحي العاصمة.

وقال العالم المصري: "لقد أكرمني الله بالدعوة في هذه البلاد الطيبة؛ صاحبة الشعب الطيب وأستطيع القول بأن الإسلام في فرنسا والمسلمون بخير، لكونهم يشتهرون بالعقلانية. كما أن رؤساء فرنسا يحرصون على راحة المسلمين، ومادامت هناك دولة تحترم الدين الإسلامي، ولا تضيِّق على المسلمين في تطبيق شرائعهم؛ وقد حرصت فرنسا منذ القدم على بحث شؤون المسلمين بإيجاد عدة آليات لإدارة شؤونهم، وتعمل على رعاية مصالحهم وألفت العديد من المجالس التمثيلية؛ التي من شأنها تسوية المشاكل المحلية. وتتولى اللجان المختلفة المنبثقة منها هذه المهمة في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية والمجالس الإقليمية للديانة الإسلامية، التي أنشأها رؤساء فرنسا؛ حيث يعمل القائمون عليها على الدفاع عن رفعة الإسلام ومصالحه المشروعة. لكني أطالب بدعم عربي لمسلمي فرنسا والاستثمار فيهم، فذلك هو الجسر الذي يربط الضفتين، وهم خير سفراء للدول العربية والإسلامية، ويجب أن يتعلموا الإسلام الحقيقي العقلاني كما نتمنى أن تقام المدارس العربية والاسلامية حتى نحافظ على الهوية الاسلامية، دون أن يؤدي ذلك إلى الاصطدام بالدولة الفرنسية؛ فمعظم ابناء المهاجرين من الجيل الثالث لا يفقه العربية، وبالتالي لا يفقه تعاليم دينه. ورغم ان الدولة الفرنسية سمحت لنا ببناء نحو ألفي مسجد على أرضها ولكننا في حاجة الى مؤسسات كبيرة وعقلانية، ذات مصداقية للحفاظ على مستقبل الاسلام وجوهره في أبنائنا في الخارج".

ويتوقف فضيلة الشيخ عبدالحميد عامر؛ قليلاً؛ ثم يواصل حواره معنا بابتسامته المعهودة وبسماحته الطيبة، قائلاً: "إن دخول الإسلام أوروبا كان له أعظم الأثر علميًّا وحضاريًّا وأخلاقيًّا، ولهذا العقلاء في فرنسا يعرفون هذه الحقيقة ولا ينزلقون خلف بعض الدعوات الغربية التي تحارب الاسلام".

رئيس المركز الإسلامي والثقافي بفرنسا: الإقبال النسائي لحضور صلوات التراويح في ازدياد بهيج

وعن الصيام في فرنسا يقول: "المسلمون هنا مؤمنون ويقدسون الصيام، ولهذا يشيد الفرنسيون بأخلاق المسلمين في هذا الشهر. حيث يرتقون بأرواحهم واخلاقهم الى مرتبة عالية، ونحن نعمل على ان يلتزموا بعد رمضان. كما يلتزمون أيام الصيام، فهو أعظم ما يعينهم على محاربة الهوى، وقمع الشهوات، وتزكية النفس وإيقافها عند حدود الله تعالى".

وأضاف أن الصائم يحبس لسانه عن اللغو والسباب والانزلاق في أعراض الناس، والسعي بينهم بالغيبة والنميمة المفسدة. إذ يمنع الصوم صاحبه من الغش، والخداع، والتطفيف، والمكر، وارتكاب الفواحش، والربا، والرشوة، وأكل أموال الناس بالباطل بأي نوع من أنواع الاحتيال.

وأكد أن الصوم يجعل المسلم يسارع في فعل الخيرات من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة على وجهها الصحيح وجهاتها المشروعة. ويجتهد في بذل الصدقات، وفعل المشاريع النافعة، فيجتمع له البعد عن الشر، وفعل الخير، في آن واحد، فيكون شعاعا مضيئا بين الآخرين، والصوم يحمل صاحبه على تحصيل لقمة العيش على الوجه الحلال والبعد عن اقتراف الإثم والفواحش.

اقرأ أيضًا: رئيس المركز الإسلامي والثقافي بفرنسا: الإقبال النسائي لحضور صلوات التراويح في ازدياد بهيج