صبحة بغورة تكتب: التعامل مع عصبية الزوج في رمضان

لا يقوى بعض المسلمين في رمضان على التحلي بالصبر الكافي، أو الاحتفاظ بالهدوء المطلوب؛ لنيل ثواب صيام كاملًا؛ إذ سرعان ما يتخلون عن كثير مما يستوجب التحلي به تعظيمًا للشهر الفضيل.

يتسم بعض الرجال بشخصيات انفعالية؛ فتجدهم لا يملكون السيطرة على انفعالاتهم، أو تمالك أنفسهم؛ فغالبًا ما يكونون ذوي مزاج حاد وطبع متقلب، ويصعب التعايش معهم؛ إذ لا يمكن توقع تصرفاته أو ردود أفعالهم. وهي طبيعة عصبية تجعل صاحبها يُخِل بواجب التحفظ والتزام الهدوء والميل إلى التفاهم الودي الذي يحفظ للروح تساميها أثناء الصيام.

والرجل العصبي يستشعر ثقل أداء الأمر الرباني، بل ويضيق صدره أثناء الصيام، بالرغم من ترحيبه بمقدم الشهر الفضيل، وحبه لإحياء عادات هذا الشهر، ومسارعته إلى جلب ما يسعد أسرته في الإفطار والسحور مهما غلا ثمنه، ولا يقبل صدور فعل من أسرته يعكس ضعف تحمله مشاق الصيام.

ويخطئ من يعتقد أن هذه العصبية مرض يجيز له الإفطار؛ وبالتالي ينطبق عليه قوله تعالى:" وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ.."، بل المقصود بالآية كبار السن والمرضى ممن يشق عليهم الصيام؛ إذ أجاز لهم المولى عز وجلّ الإفطار مع تقديم فدية طعام مسكين عن كل يوم يفطره.

وطبيعي أن تكون الزوجة هي أقرب الناس إلى زوجها؛ وبالتالي هي أول من يعاني من عصبيته، وهي أيضًا أدرى الناس بعدم قدرته على السيطرة على انفعالاته خلال رمضان؛ إذ ينفعل بسرعة دون تفكير في العواقب، ولكن المؤكد لديها أن ما يُقدِم عليه، ليس بقصد إيذاء زوجته وأسرته، وإنما رغمًا عنه؛ لآنه لا يتمالك نفسه، أو أن حرمانه من تناول القهوة والشاي، وتدخين السجائر- ممن يدخنون- قد أثرت على اتزانه وهدوئه، وهو غالبًا القاسم المشترك بين معظم الأزواج في رمضان؛ لأنهم رهنوا حضورهم الذهني بتناول مؤثرات ومنبهات خارجية خاصة المدخنين؛ وهو ما يشكل محور الخلاف في أوساط العديد من العائلات.

احتواء ثورة الزوج

من هنا يتضح أن احتواء ثورة الزوج وعصبيته في رمضان بيد الزوجة الحكيمة؛ لمعرفتها بطبيعة زوجها وأنها تستطيع التعرف على ذلك من ملامح وجهه أو طبيعة تصرفاته. وعلى الزوجة الحصيفة أن تتجنب الحديث معه، وتتجنب إثارة غضبه بفعل ما يكره؛ كأن توجه له عبارات المعاتبة والانتقاد، وأن تختار الوقت المناسب بعد تناول الإفطار لمناقشة أمر يخالف ما يريد، خاصة إذا كان متعبًا.

كثير من الحنان

ليس سهلًا على الزوجة الصائمة والمرهقة طوال النهار، أن تضيف إلى تعبها مهمة تحمّل مرارة زوج عصبي، وأن تتجرع إساءته لها، ثم تجتهد في إخفاء انفعالاتها تجاه تهوره ومحاولة إغضابها، والانسحاب على مضض من ظلم المشادات الكلامية والمناوشات، ولكنه قدرها، وما عليها سوى أن تعامله بشيء من اللطف، وبكثير من الحنان؛ فذلك يزيد من ثواب صيامها بإذن الله تعالى، كما يخف- حتمًا- من توتره، وحبذا لو ذكرته بهدوء بأن الصيام ليس الامتناع عن الأكل والشرب والجماع فقط ، بل الامتناع أيضًا عن اللغو في الحديث، وإثارة المشاجرات.

من طبيعة الزوج أنه يحب أن يكون محل اهتمام زوجته؛ وهو مفتاح سحري بيدها لتعديل سلوكه؛ بالحرص على استشارته عما يحبه لإعداده في الإفطار، ويحب ذلك أكثر باتصالها به في العمل لتسأله عما يرغب في تناوله؛ فذلك ييكون محل تقديره وخطوة إلى قلبه؛ حتى لو كانت خطوة قصيرة، لكنها قفزة كبيرة تتجاوز كثير من المشاكل، سواء في رمضان أو غيره.

الزوجة الحكيمة

وتدرك الزوجة الحكيمة أن الزوج يفضّل الزوجة الذكية بصفة عامة، والتي تتفهم أن ما يصدر عنه من عصبية هو أمر خارج عن إرادته، وتلتمس له ما يبرر عصبيته، وتنصت لكلامه، وتهدئ غضبه مهما حصل، وتعلم أيضًا أن زوجها يقدّر حجم مسؤوليها ومدى تعبها بين إعداد أشهى أصناف الطعام، وبين الاعتناء بأسرتها، وبين تنظيم وتنظيف المنزل، بل وتحرص على عدم إظهار علامات الإرهاق، أو انعكاساتها على أفراد العائلة، وإنما تحاول رسم ابتسامة خفيفة لطيفة عند استقبال زوجها العائد متعبًا من العمل، وتوفر له أجواء هادئة مع إلزام الأطفال الصغار بالهدوء؛ للتسامي الروحي في رمضان؛ ليتمتع بقسط من الراحة.