صبحة بغورة تكتب: السعادة الواقعية.. وطبيعة العلاقة الزوجية

ليس دائمًا ما يكون الواقع مرادفًا للمعاناة والألم، ولا يعني مجرد الحديث عن الواقع أنَّ جوانب حياتنا كلها مظلمة، وليس معنى الحديث عن مفهوم السعادة الواقعية أن نبحث عنها وسط ركام الأحزان في الزوايا المظلمة، ولكننا نسعى لاكتشاف ما يخلق السعادة في نفوسنا؛ انطلاقًا من قدرتنا على التكيف مع معطيات الواقع المتغير؛ وإيجاد الحب في قلوبنا، وتحقيق الوئام والانسجام مع الآخرين، مهما كانت الظروف.

كثيرًا ما يرتبط الحديث عن السعادة في الحياة بطبيعة العلاقة الزوجية ؛ أي بحجم المشاعر التي تقرب بين الزوجين، وما بينهما من مؤثرات تنمي الرغبة في زيادة التقرب من بعضهما؛ فالبحث عن السعادة في الواقع يختلف عن البحث عنها من الواقع؛ لأن الواقع الذي يعيشه المرء هو من شكَّله وأكسبه الحيوية ليستفيد منه؛ فالماء مثلًا أنزله الله سبحانه وتعالى وليس للإنسان دخلٌ فيه، ولكنه استغل تدفقه في توليد الكهرباء؛ أي استغل نعمة الله بعقله؛ ليجعل حياته أكثر راحة؛ بمعنى أن المرء بحث عن سعادته من واقعه؛ انطلاقًا من ذاته الملهِمة؛ أي إنَّ بحثه جاء في إطار التعامل مع وقائع لا دخل لإرادته فيها.

أما   في الواقع فقد ارتبط بما يستطيع الإنسان إيجاده في الواقع من مقدرات تؤثر في توجهاته وآرائه ونمط حياته لتحقيق سعادته؛ أي إنَّ الأمر يتعلق بحجم ما استطاع إضافته للحياة من اختراعات قفزت بحضارته؛ ما يعني أنَّ موقفه من الواقع جاء في إطار تصرفاته الإرادية الناضجة؛ انطلاقًا من تعامله الواعي تجاهها.

الحياة الزوجية

عند إسقاط ما سبق على الحياة الزوجية، نجد أن ما يعتريها من مشاكل وخلافات يمكن تداركها وحلها؛ أمَّا أن تمس الخلافات ثوابت الحياة الزوجية كالخيانة، والبخل، وعدم الاحترام المتبادل، وفقدان المودة والرحمة؛ فذلك يعني وضع السعادة الزوجية في مهب الريح.

في مثل هذه الحال، يكون البحث عن السعادة في الواقع، وليس من الواقع؛ لأنه أصبح منهارًا؛ فالبحث يعني النظر فيما كان ينبغي الاتفاق عليه مسبقًا بشأن علاقتهما، وبما أن شؤون الحياة متقلبة فالأجدر ارتقاء الزوجين بفكرهما ليسهل عليهما التعامل مع منطقها، والتعايش مع عصرهما؛ أي يتكيفان مع المرحلة ويتجاوبان مع متطلباتها.

معطيات الحياة

وبما أن معطيات الحياة متغيرة؛ فالواجب أن يراجع الزوجان مضمون ما اتفقا عليه من قبل؛ من أجل تعديله وفق المواقف أو تغير الظروف، فإن كان عمل الزوجة مثلًا محل تحفظ الزوج في بداية حياتهما؛ فستفرض بعض الظروف كمرضه مثلًا وملازمته الفراش أو إصابته بإعاقة جسدية تقعده بالبيت، أو توقفه عن العمل لأي سبب قهري، أن يراجع موقفه، ويقبل عمل زوجته؛ فذلك يصب في النهاية في سعادتهما.

العشرة الطيبة

ترتبط السعادة بما يثير في النفس من نشوة، وتَقرُّ به العين، ويطمئن به القلب، وينشرح له الصدر؛ فالإنسان دائمًا ما يُنشِد ما يحقق له السعادة؛ لحاجته إليها؛ فالتوافق أساسه المرونة، والمودة أساسها الليونة، والمحبة أساسها الرقة، والعشرة الطيبة أساسها الاحترام، والحب أساسه الرضا العاطفي، والإشباع الجسدي أساسه العلاقة الجنسية؛ فتحقيق الانسجام بين الزوجين قد يكون مرحليًا، أو جزئيًا؛ وذلك أهون من عدمه.

إنَّ مفهوم السعادة الحقيقية، ليس محل إجماع بين الفلاسفة وعلماء النفس والمفكرين؛ فيكفي أن يلتقي الزوجان حول مبدأ الاحترام المتبادل كقيمة، ويجعلا الرحمة والمودة سببًا لسعادتهما.