صبحة بغورة تكتب: أهمية القصص التمثيلية لنمو الأطفال

تُعد القصة في نشأتها الأولى بصفة عامة مصدر المعرفة بالنسبة للطفل، ووسيلة تربوية للتأثيرعلى تكوينه العقلي والأخلاقي؛ بهدف تقويم سلوكه؛ من خلال تقديم النماذج المُثلى لآداب السلوك. 

والقصة التمثيلية من أحدث الطرق وأنجحها في ضوء خصائصها ومناسبتها للطفل، كما أنها في حقيقتها دعوة لانغماس الطفل في التأمل برقي المعاملات، والتعلم بقوة الأشياء.

القصص التمثيلية، أو ما يطلق عليها- بتحفظ – "القصص الحركية" وسيلة تربوية مهمة تدعم الهدف الأصلي للأسلوب القصصي التقليدي؛ حيث يجد فيها الطفل نماذج واقعية مجسدة يمكن أن يقتدي بها ويحاكيها في سلوكه اليومي، كما سيعايش مواقف تحمل مظاهر تعكس كيفية تطبيق السلوك القويم في تعامله مع الغير.

إنها بذلك تحثه على الاهتداء بها، بعد جذب انتباهه إليها بملاحظة أساليب التعبيرات الحركية، وتشجيعه على التركيز في معانيها؛ فهي ليست رسومًا متحركة يقلدها الطفل، وإنما هي مجال متروك لخيال الطفل في التعبير عن المعاني بالحركة التي يراها مناسبة للموقف.

تأكيد القيم العليا

ويحرص الأسلوب القصصي غالبًا على تأكيد القيم العليا، وترسيخ السلوكيات القويمة، وتثبيت الأخلاقيات الفاضلة؛ لذا يُعد من المرتكزات الأساسية لعرض المهارات، وتقديم المعلومات والتوجيهات الضرورية؛ لإكساب الطفل السلوكيات القويمة، وتهيئته للمرحلة الدراسية اللاحقة لتعلم القراءة والكتابة، متسلحًا بالقدوة الحسنة ومتحليًا بفضائل الأمل المتجدد وجميل الصبر وجهد المثابرة؛ إذ يُعدُّ التعبير التمثيلي عن معاني القصة، الإطار الفني الإنساني لتجسيد أنماط المثل العليا، ونماذج السلوك القويم.

والتمثيلية هي أحدث طرق إعطاء التمرينات الحركية الموجهة للأطفال؛ فهي عبارة عن جملة حركات طبيعية أساسية كالمشي والجري والوثب والحجل والقفز والدفع والشد والتسلق، بالإضافة إلى محاولة تقليد حركات الحيوانات والطيور بصورة بسيطة غير عنيفة ولا معقدة.

البعد التربوي

ولهذه الحركات بُعدٌ تربويٌ متسقٌ مع أحداث القصة، ومجسدٌ لمعانيها؛ فهي تناسب طبيعتهم الطفولية، وميولهم للعب واللهو، ورغباتهم الحركية الجامحة؛ فالتعبير التمثيلي عن معاني القصة الملقاة على مسامعهم بالنسبة لهم، مرحٌ يمكن التأكد من خلاله من مدى تأثر تكوينهم العقلي والأخلاقي، وكذا مستوى أذواقهم وأخيلتهم؛ وبالتالي طبيعة ومستوى تجاوب سلوكهم بمحتوى القصة وأحداثها المشوقة وبمضامينها التربوية وأهدافها الإيجابية.

تثير القصص التمثيلية في نفوس الأطفال تشويقًا كبيرًا لمتابعتها والمطالبة بها؛ لأنها تستفز فيهم النزوع للتخيل، والإدراك، وحب التقليد والمحاكاة، فضلًا عن إرضاء شغفهم بمعرفة المزيد من المعلومات، خاصة غير المعقدة التي لاتتطلب جهدًا أو تركيزًا كبيرين.

اختيار مواضيع القصص

لذا ننبه إلى أن يكون اختيار مواضيع القصص التمثيلية وفق حاجات نمو الطفل وبأبسط الأدوات، ويكون عرضها على شكل أجزاء مرتبطة ببعضها، وتُقدَّم في إطار قصصي عبر مواقف مختلفة تمكنه من القدرة على التخيل والتفكير؛ وبالتالي تمنحه القدرة على التعبير التمثيلي عن المعاني؛ ما يكسبه روح المبادأة والمغامرة؛ بالتعبير الحر عما يشعر به مهما كان مستوى التعبير.

كذلك، تمنحه الثقة بالنفس، ومهارات جذب الانتباه، والتشويق، وإثارة الخيال، والتقليد، وتمثيل الأدوار؛ ما يساهم مباشرةً في اكتساب الطفل مهارة نسج الأحداث التي يؤديها بنفسه من خلال إتقان تقمص مشاعر أبطالها وتجسيدها حركيًا؛ فتترسخ في وجدانه معانيها، وتتكرس في نفوسه سلوكياتها.

شخصية الطفل

ويؤدي كل هذا إلى جملة فوائد تعود مباشرةً على تكوين شخصية الطفل؛ بتنمية روح الإبداع لديه، وتوسيع نطاق الخيال ومجال الاستكشاف أمامه؛ إذ ينصرف الاستثمار الحقيقي إلى استغلال القابلية الطبيعية للطفل التي يمتاز بها؛ وهي طلاقة خياله وميله للتشكيل، واستعداده الفطري للاندماج وتمثيل الأدوار، والتقمص الهزلي للشخصيات، والتجاوب الفوري مع المثيرات حوله، خاصة إذا كانت القصص من مصادر البيئة الاجتماعية المحيطة به والتي يعرفها جيدًا.

وبذلك تكون القصص التمثيلية مجالًا لمعرفة احتياجات الطفل، ومطالب تحقيق نموه الجسدي وتطوره النفسي؛ لأنه يعيش بكل كيانه أحداث القصة، معايشة تمثيلية يستخلص منها العبرة بسهولة، ويستوعب الدرس، ويدرك طبيعة السلوك القويم المرغوب فيه بطريقة بعيدة عن ضغوط الأوامر وقيود النواهي.

المعلومات المشوقة

ولا تخلو القصص التمثيلية من خليط محبب للطفل يجمع بين إيقاع الحركة والغناء والتصفيق مع الموسيقى؛ فما يجذب الطفل أكثر نحو هذا النوع من القصص، أن يجد فيها معلومات جديدة ومشوقة تضيف له المزيد من الخبرات الحياتية التي تشبع حاجته لتنمية خياله، وقدرته على التطوير، وإثراء لغته بالمفردات والتراكيب والعبارات اللغوية الجميلة التي تنمي ذوقه الفني والحسي.

يمكن أن يجد الطفل نفسه قادرًا على ترجمة ما يسمعه وما يراه من مواقف إلى حركات أقرب إلى التمرينات الرياضية؛ وذلك بمثابة تعبير ذاتي من الطفل يجب متابعته وملاحظته وتصحيح الأوضاع الخاطئة؛ ما يعني إطلاق الحرية للطفل في ترجمة ما يسمعه إلى حركات ذاتية غير مفروضة عليه؛ بمعنى لا يُفرض عليه التعبير بحركة معينة وبطريقة محددة، بل بمنحه الفرصة للتخيل ال والتفكير والتوصل إلى الحركات المناسبة مع أحدث القصة، والتي تعبر في الوقت نفسه عن ذاته، وفي حدود قدراته الجسمية.

وسيكون الأمر أسهل بالنسبة للطفل، إذا كانت القصة ملائمة لبيئته وانعكاسًا لواقعه، ويحتوي موضوعها على أنشطة سائدة، وغير خطيرة، وفي حدود إدراكه؛ حتى لا يسأم منها أو ينصرف عنها.

توجيه دوافع الطفل

وكثيرًا ما تُوجَّه أحداث القصة إلى نوعية الحركة التي يمكن تمثيلها؛ أي بمثابة توجيه دوافع الطفل وطاقاته نحو الإبداع في أداء الحركات التي يتطلبها مضمون القصة؛ وهو توجيه قد يطابقه الطفل من خلال نشاط لعبه مع كلمات القصة؛ وهنا تفرض عوامل الأمن والسلامة نفسها؛ لضمان عدم إصابته بأي مكروه جسماني أو نفسي.

ومن الفضائل الثابتة للقصص التمثيلية، معالجة حالة الجفاف التي قد تصيب أسلوب التعليم بالتلقين؛ وذلك بإضفاء المرح إلى التعلم ونشر متعة النشاط والحركة بدلًا من ملل التلقي الجاف والجمود في حالات السمع مع السكون؛ ما يعني أن تشجيع القصص التمثيلية داخل الأسرة وفي المدرسة هو في حقيقته دعوة ملحة؛ لأنها ضرورية لبناء الشخصية السوية التي تجمع بين الأخلاق العالية، والأقوال الفاضلة، والمعاملات الراقية.