صبحة بغورة تكتب: الطفل الاجتماعي

الروح الاجتماعية أصيلة في النفس البشرية؛ فلا يمكن للإنسان أن يقبل العيش بمعزل عن الجماعة؛ لأنه لا يتحمل مشقة الحياة بعيدًا عن مجتمعه، ومن ناحية أخرى فإن الاندماج في الجماعة يتطلب إعدادًا جيدًا ليكون الفرد فاعلًا، مستفيدًا ومفيدًا؛ وهو مالا يتحقق إلا بالتربية في الصغر ؛ حتى يكون سلوكه راسخًا.

ولكي يكون الطفل اجتماعيًا، لابد أن يؤدي الوالدان دورهما التربوي؛ لتشجيعه على الاندماج مع أترابه من الأقارب والجيران، والزملاء في الروضة، والأصدقاء في النادي؛ وهو ما يتطلب خطوات سهلة؛ بمرافقته إلى الروضة أو النادي، وتشجيعه على اللعب مع أترابه، وترغيبه في ممارسة رياضة جماعية؛ حيث سيختلط معهم في إطار قوانين اللع؛ ما يكسبه مهارات اجتماعية في إطار الروح الرياضية التي تحقق له الاستقرار النفسي والتميز في التحصيل الدراسي.

وستكون الفرصة سانحة للأم لمشاركة طفلها اللهو والمرح والتجاوب مع أفكاره ومع الآخرين؛ حينها سيدرك أن أمه شريك جيد؛ فيكتسب قدرة أكبر على التعامل الإيجابي مع الآخرين.

العلاقات الاجتماعية

إن الحديث المتواصل مع الطفل عن مفهوم العلاقات الاجتماعية، وطبيعة القيم التي تحكمها، ودورها في ضبط العلاقات في مجتمعنا، تمنحه الشعور بأهميته، ويعلمه أسس النقاش، وآداب تبادل الرأي؛ وبالتالي يتوصل إلى أفضل الطرق لحل المسائل والمشاكل؛ ما يستلزم تركه يحل مشاكله البسيطة بنفسه، مع توجيهه إلى طرق التفكير السليم؛ بإرشاده إلى أهمية النظر إلى الموضوع الواحد من عدة جوانب لتتضح له الحقيقة كاملة.

مساعدة المحتاجين

وهناك قاعدة يجب أن يتعلمها الطفل؛ وهي:" ما ينطبق عليه، ينطبق أيضًا على الناس"؛ ليتعود على الرحمة والعطف والتعاون والمشاركة، مع تشجيعه دومًا على مساعدة المحتاجين، وتدريبه على تجنب الخوض في المنافسة غير العادلة لتنمية روح الفريق في نفسه وتفضيل اللعب المشترك مع الأصدقاء.

إذا كان الطفل غير اجتماعي؛ بميله إلى الانطواء وحبه للعزلة؛ فيجب عدم تجاهل حالته، التي قد تكون لاعتقاده أنه ليس ظريفًا ولا محبوبًا، أو ليس بشوشًا أو لا يجيد الكلام، أو لايتمتع بسرعة البديهة أو ليس فكاهيًا؛ وهو ما يتطلب من الوالدين اكتشاف السبب الفعلي؛ حتى يمكن تخفيف حدة ردود الفعل التي تنتابه كالغضب والعصبية ومواقف الرفض؛ وذلك بإدماجه في أعمال بسيطة في إطار الأسرة يحقق فيها نجاحات متعددة وبشكل متتالٍ؛ فهذا سيسعده، ثم تنتعش نفسه تدريجيًا، ويقبل على المشاركة بشكل إيجابي وفعّال في أعمال أخرى.

حينها، لا ينبغي أن يكون تدخل الوالدين مزعجًا له؛ فمن الأفضل ترك هامش حرية واسع أمامه، ولكن في حدود معينة، مع دفعه نحو التفاعل مع أقرانه، ومساعدته في تطوير مهاراته الاجتماعية؛ حتى يستعيد ثقته بنفسه، ويدرك أن بمقدوره أن يكون شخصية قوية وبنّاءة.

يكتسب الطفل مهاراته الاجتماعية من محيطه الأسري القريب أولًا؛ أي إنها مهارات مكتسبة من الوالدين؛ بنصحهما له، وبسلوكهما القويم، ونجاحهما الوظيفي والاجتماعي؛ حيث يدرك الطفل أن ما يحيط به من مظاهر الحب والسعادة والنجاح هو نتيجة الجهد والعلاقات الإنسانية السوية؛ ما يعني أن الوالدين يمثلان له القدوة.

أهمية غرس الثقة

وينعكس طبع الوالدين على ابنهما، وعلى تربيته، وعلى حجم الثقة التي غرساها في نفسه في الصغر؛ وبالتالي يحصدان ثمار تربيتهما، لا سيما إذا كان الحوار معه قائمًا في الطفولة- ووصولًا إلى مرحلة المراهقة- على الصداقة والثقة المتبادلة؛ حيث سيبقى الأهل مصدر السلطة والتحاور؛ ما يمكنهما من الاستمرار في حث ابنهما على الكلام، والتعبير عما يريد.

وهذا الأمر ضروري جدًا؛ حتى تبقى الجسور ممدودة؛ فلا يشعر في سن المراهقة أنه أصبح قادرًا على فهم كل شيء بمعزل عن والديه، وحتى يتجنبا أن تنتاب ابنهما ما يمر به المراهقون بين فترة وأخرى؛ كالانكفاء، والتزام الصمت، والتقوقع على عالمه وعلى نفسه، وعدم السماح لأحد باختراق حاجز الصمت، أو اقتحام الخصوصية.

الأبوة الحقيقية

ليس من السهل أن يكون المرء أبًا ناجحًا؛ فالأبوة الحقيقية شعور نبيل يتمتع به من يتحلى بالصبر والشجاعة والثقة بالنفس؛ حتى يتحمل عبء التضحيات لصالح ابنه وقضاياه الأساسية، خاصةً الصحة النفسية، واحترام الذات، واحترام الآخرين؛ فحينها سيتمتع بمشاهدة معجزة النمو والتطور في ظل الدفء العائلي، الذي لا يجب أن يحجب اتباع المبادئ الأساسية للسلوك الأبوي الجيد، الذي يقي بدوره من السلبيات المؤثرة على أداء الوظيفة الأبوية؛ ومنها :

- تقبل التغيرات التي قد تحدث للطفل؛ كإساءة السلوك قولًا أو فعلًا، ثم تشجيعه على تحسين ذاته، وعدم تقييد الدور الأبوي بالتفكير في اتجاه واحد؛ حتى لو تعارض مع الطريقة التي رسمها لنفسه.

- أن الانضباط الناجح هو الذي يعتمد على العلاقة القوية بين الأهل وابنهم، والمبنية على الغرس المتواصل لتنمية الشعور بالسعادة؛ وبالتالي تأهيله لاتخاذ الاختيار الأمثل، وتمكينه من تحديد السلوك المناسب، وتشجيع الطفل على التأدب في الطلب مثلًا.

- إجادة استخدام الكلام والحكمة، وتعليمه التحكم في الذات، وحسن اختيار المفردات التي يفهمها في تعليمه السلوك القويم، وإثراء معارفة؛ من خلال القصص التربوية التي تعطي دروسًا في الحياة عن القيم والإرشادات الإيجابية والسلبية.

- العلم بأن الاحتياجات والطلبات والعواطف توجه السلوكيات؛ فهناك فرق بين إساءة السلوك المعبر عن عدم التأدب، وبين إساءة التصرف المعبر عن وقوع خطأ في معالجة الأمر بطريقة غير صحيحة.

- من المفيد تعليم الأطفال التحكم في النفس، وتطبيق السلوك القويم، وتعريفهم بما يتمناه الأهل؛ فالأطفال يصدقون ما يخبرهم به الوالدان؛ لذلك يجب تدريبهم على طرق ينجحون من خلالها، ورؤيتهم لثقة والديهم فيهم تساعدهم على مواجهة المشاكل بمرونة، ومجابهة الصعاب بثقة.

- على الوالد أن يكون حازمًا؛ بضع حدود لكل أمر، ونظام ثابت، مع التحلي بالإيجابية، وتعليم أطفاله أن ذلك جزء من حب الأهل لهم واهتمامهم بهم. ولا بأس من استخدام العقاب في تعليمه، مع تجنب العقاب في حالات الغضب ، مع تعليمهم ضرورة الربط بين التبعات والخيارات؛ لتدريبهم على تقبّل تحمّل المسؤولية تدريجيًا، ومواجهة الواجبات بشجاعة.

إرشادات هامة

من أهم الإرشادات للأبوين ألا يكون المصروف الشخصي اليومي للطفل وسيلة ضغط عليه، يعاقب بالحرمان منه إذا ارتكب خطأ، وعدم اعتبار المصروف اليومي تفضلًا منهما، بل هو حق من حقوق الابن؛ لذا يجب أن يكون وسيلة لتقويم السلوك؛ كأن يتم منع المصروف، إلا إذا تحسن سلوكه الاجتماعي.

ويُراعَى في المصروف اليومي للطفل ألا يكون كبيرًا؛ حتى لا يتعالى على زملائه فيجرح إحساسهم؛ ما قد يسئ إلى علاقاته معهم. وليعلم الوالد أن المصروف الزائد عن الحد، يجعل الطفل اندفاعيًا؛ ما قد يؤدي به إلى الانحراف في كبره إذا توفر له المال اللازم لتحقيق رغباته.

ومن جهة أخرى، لا يجب حرمانه من المصروف؛ لأن ذلك سينعكس على سلوكه الاجتماعي؛ فيصبح شكاكًا وحساسًا تجاه أفعال والديه، وتصرفات زملائه؛ كونه يحاول الظهور بمظهر العظمة والتعالي على الآخرين؛ ما قد يجعل الطفل عرضة للاكتئاب .