صبحة بغورة تكتب: الطلاق العرفي

ارتفع عدد حالات الطلاق في مجتمعاتنا العربية إلى عشرات الآلاف سنويا، وتعددت الأسباب باختلاف الدوافع التي بدت وكأنها تم اختلاقها لبلوغ غايات معينة منها ما كان محددًا مسبقًا ومنها ما استحدث خلال سنوات الحياة الزوجية، ولكن الظاهرة التي طرأت نتيجة انفصال الزوجين هي ما استوقفت المسؤولين في مختلف الأوساط الدينية والاجتماعية، إنها حالات الطلاق العرفي "غير المعلنة" التي يتكتم عليها البعض وقد أصبحت أقرب إلى الظاهرة التي تزحف في صمت.

كثيرة هي حالات الطلاق لنساء مثقفات في عقدهن الرابع أو الخامس، عاملات مكافحات في مجال عملهن، والسبب رغبة الزوج في الزواج بامرأة ثانية أو بسبب طمعه في مال الزوجة سواء من راتبها الشهري أو من ميراثها من والديها، أو بسبب الصراع على المال والأملاك المشتركة. كل سنوات العشرة ومشاق مسار حياة طويل تشاركا فيه كل مشاريع عيشهما وتقاسمهما أعباءها لم تشفع لهما لمنع لنشوب الخلافات؛ فتفاقمت حدة المشاكل بين الزوجين وباتت الدنيا لا استقرار فيها، وأنها مجرد رحلة شقاء طويلة وعرض مستمر للكآبة بفصول مختلفة.

أما وإن وقع الطلاق "أبغض الحلال" فإن لتبعاته الدور الأكبر سواء لتخفيف أثره المعنوي الثقيل على النفس والعقل والروح، أو لتعميق وطأته على الزوجين وعلى حاضر ومستقبل أولادهم، وعلى سمعة الأسرة التي ستواجه إحراجًا كبيرًا؛ لذلك يجدون صعوبة في مواجهة المجتمع والتواصل معهم.

وإن أولى التبعات التي ستبرز على سطح الخلافات؛ فهي مسألتا النفقة والمنزل، بيت الزوجية ومحل الإقامة، وفي ظل أزمة السكن المقترنة بغلاء المعيشة تحدثت أوساط دينية وحقوقية عن وجود حالات بقاء بعض الزوجات في مسكن الزوجية بعد الطلاق، وأن المؤشرات الحالية تؤكد أن هذه الحالات قابلة للتوسع، وأنها قد تتحول إلى ظاهرة، يمكن أن تجد مبررها في أن المرأة المحترمة تخشى الخروج من بيت زوجها وتفضل البقاء مستورة مع أبنائها حتى بعد تمام الطلاق على أن تظل متشردة في الشوارع.

كما تسوق بعض الجمعيات التضامنية المدنية انتقادات لمحتوى التشريعات كقانون الأسرة التي تراها مجحفة، بل وتتهمها بأنها السبب فيما آلت إليه أوضاع الأسر؛ لأنها لا تعالج المشاكل بصفة جذرية بل جاءت كلها تحمل حلولا ترقيعية ليس لها صدى على أرض الواقع، وتستشهد بظاهرة وجود الكثير من المطلقات يفترشن الأرض مع أبنائهن في الشوارع.

وفي ذلك حذر بعض الأئمة من تفشي ظاهرة الطلاق؛ الذي أصبح بشكل غير مسبوق هو نتيجة غياب التوجيه الصحيح والتأهيل المناسب قبل الزواج، فيما حمّل بعضهم المحامين المسؤولية على هذا الوضع بعدما جعلوا تهديم الأسر مصدرًا للكسب بتسابقهم في قضايا التطليق والخلع وتلقين ضحاياهم الحيل والطرق الملتوية للتخلص من رباط الزوجية المقدس في أفضل الظروف وأسرع الأوقات. وأكدوا أن بقاء المطلقة في بيت الزوجية مستحب مع تجنب الخلوة؛ فقد يكون في ذلك سبيلا لأهل الخير من الوسطاء للعودة.

وأكد مسؤولون أعضاء بالجمعيات الحقوقية أن القانون يفرض على الزوج توفير مسكن للزوجة الحاضن بعد الطلاق وهو ما لا يحدث في أغلب الأحوال؛ بسبب أزمة السكن. كما اعتبروا أن تقاسم منزل الزوجية بعد الطلاق من الناحية القانونية ممكن ولا إشكال، والأفضل حينها لتفادي المشاكل استقلال كل منهما في غرفة.

هذا على خلاف بعض الأخصائيين النفسيين الذين يرون أن المطلقة تمر بظروف نفسية قوية بعد الانفصال خاصة في حالات الطلاق بعد فترة طويلة من الزواج، وستكون أصعب إذا بقيت في منزلها، وأن الطلاق المتأخر يلقي بالمرأة في وضع يسوده الشعور بالقسوة والضياع؛ إذ تشتد عيها الضغوط النفسية خاصة إذا اقتربت من سن اليأس، إذ تصبح الفرص أمامها لبدء حياة جيدة تقريبا منعدمة، وعليه ستفضل المكوث ببيتها واستمرارية حياتها السابقة فيه بشكل صوري، يسكنان نفس المنزل ويقيمان كالجيران. وهنا المعاناة ستكون أشد؛ إذ ستهاجمها الأفكار السلبية السوداء بأنها فشلت في الحفاظ على زوجها وعلى تماسك أسرتها وخاصة إذا كان كل ما حققته الأسرة كانت هي طرفًا مهما فيه، حينها ستصبح شديدة الحساسية وفريسة سهلة لمشاعر الاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية.

الاعتقاد السائد أن السبب وراء عدم الإفصاح عن وقوع حالة الطلاق، هو الحفاظ على المكانة الاجتماعية للأسرة وتجنيب الأطفال حرج الموقف والجرح النفسي، وبرغم الخوف من أن يكون في الأمر حرمة شرعية إلا أن عيش المطلقة وسط أبنائها وحيث نادرا ما تلتقي بمطلقها يمكن أن يرفع الحرج عنها، وحينها سيبدو الشكل الاجتماعي محفوظًا في سرية؛ لأن لا وجود لوثيقة رسمية تثبت وقوع الطلاق، ولكن الأكيد أن المجتمع لن يتقبل مثل هذه الفكرة.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: الطفل بين الانطوائية والعدوانية