صبحة بغورة تكتب: مشاكل الطفولة.. وطرق العلاج

تُعدُّ فترة الطفولة من أهم مراحل النمو النفسي للطفل؛ إذ من الطبيعي أن يواجه خلال يومياته مواقف مختلفة قد لا يجد حيلة لتجاوز تعقيدها. وعادة ما تقع بشكل مفاجئ؛ فلا يدري غالبًا سببها، ولا طريقة التعامل معها.

معلوم أن الطفل ليس مسؤولًا عن وقوع المشكلة، ولا يعي حتى مراحل تطورها، أو عواقبها؛ كونها تفاعلات أوقعته أسير حيرته في تفسيرها وعجزه عن توقع نتائجها؛ لذا من المفيد تركه يتأمل ما يراه ويلاحظ ما يصادفه، مع مراقبة تصرفاته وردود أفعاله ومحاولاته في التعامل مع تلك المواقف؛ لمعرفة مدى استعداده للتعلم وعدم تكرار الأخطاء؛ ما يمثل بداية لتكوين شخصيته بصورة سليمة.

الإفراط في التدليل

ليس هينًا على الوالدين تلبية رغبة طفلهما في شراء كل ما يحتاج إليه؛ حتى لو كان تافهًا، بل قد يجعلان طلباته أولويات؛ فيفرطان في تدليله إلى أن يعتاد الحصول على ما يريد وبلا شروط أو ضوابط؛ فيكتسب مع الأيام سلوكًا أنانيًا؛ ما يعيق تنشئته على قيم العطاء، والكرم، ومشاركة أقرانه في بعض ما يملك. لذا ينبغي بدء تقويم سلوك الأنانية مبكرًا؛ أي منذ ملاحظة اهتمامه بشخصه أكثر ممن حوله، ولو كان على حساب مصالحهم.

الحسم الهادئ

قد يكون الأمر طبيعيًا، ولكن دون أن يصل إلى حد إعلان الرفض الصريح، والابتذال في القول؛ للتعبير عن غضبه تجاه محاولة تعويده على الاهتمام بشؤون الآخرين أو رفضه التعاون معهم. لذا على الوالدين التصحيح الفوري لموقفه بالحسم الهادئ؛ لأن الأمر يتعلق باحتمال تزايد اهتمامه بسعادته الشخصية فقط. وبالتالي احتفاظه بهذا الشعور إلى الكبر.

لابد من قيام الوالدين بتقويم سلوكه بالنصح، وإعطاء المثل والقدوة من سلوكهما، وجعله بالتدريج شريكًا فعليًا لما يقدمانه من أفعال الخير، وإظهار كرمهما وإحسانهما للآخرين، وأن يجعلاه قناة لتوصيل صدقة إلى محتاج، أو إيصال مساعدة، أو أداة عمل يحتاجها أحد الجيران.

متابعة السلوكيات السيئة

وأهم ما يمكن تناوله أيضًا في هذا المقام متابعة السلوكيات السيئة؛ مثل السرقة؛ كون مفهومها غير واضح لدى الطفل، وأنها في اعتقاده محاولة تملُّك شيء لم يكن يملكه، أو لإثبات غلبته وقوته أمام أقرانه ورفاقه، خاصة الجنس الناعم وإخوته؛ فذلك يُرضي غروره كثيرًا. كما يمكن أن تكون السرقة تعويضًا عن حالة النقص التي يعاني منها نتيجة الفقر والحرمان، أو معاقبةً للوالدين لعدم تلبية طلبه. أو أن تكون على سبيل التنفيس عن ضغط معين؛ فيقوم بالسرقة للشعور بالراحة.

احترام ملكية الآخرين

ويمكن معالجة السرقة بسهولة؛ بإقناعه أنها عادة سيئة حرمتها الشرائع السماوية، وتعليمه احترام ملكية الآخرين، وعدم التعدي على متاعهم ولو كان تافها، مع تخصيص مصروف يومي أو أسبوعي مناسب لعمره ليشتري بعض متطلباته، مع مراقبة أثر المناقشة في تعديل سلوكه. والتأكد عن بُعد من استجابته للنصح، مع الاستمرار في تعديل تصرفاته. وتذكيره دائمًا بفضائل السلوك الطيب. وعلى الوالدين معرفة أن الطفل عادةً ما يقلد نفس أسلوبهم؛ وهو ما يظهر بوضوح إذا كان ممن لا يحتك كثيرا بأقرانه من أقربائه والجيران.

الكلمات غير اللائقة

ومعظم الأطفال في بداية حياتهم المدرسية، وخطواتهم الأولى نحو الخروج إلى الشارع، لا يجيدون التفرقة بين الكلمات المناسبة ومثيلتها غير اللائقة؛ لجهلهم بمعانيها التي لم يكن لها يومًا محل في حديث الطفل وسط أسرته؛ فبعضهم يردد عبارات بذيئة ويوجه كلمات سيئة لإخوته، سمعها في الشارع من أطفال الحي أو المدرسة؛ ما يسبب حرجًا كبيرًا للآباء أمام العائلة والجيران والأصدقاء.

والواجب في مثل هذه الحالة، تصحيح لغة الطفل أولًا بأول، وإفهامه سوء ما تلفظ به، وأنها غير محببة لطفل مهذب وجميل مثله، وتلقينه البدائل من الكلمات المهذبة في حديثه. والأهم من ذلك، ألا يتفوه أحد الوالدين بألفاظ بذيئة، سواء في حضور الطفل أو أثناء غيابه؛ فقد يعمد الطفل إلى ترديد كلمات معينة غير لائقة بالمنزل؛ فإن حدث فلابد من معاقبته بحرمانه من مشاهدة برامج يحبها بالتلفزيون أو حرمانه من اللعب مع أصدقائه.

القدوة الحسنة

كثيرًا ما يلجأ الطفل إلى الكذب، دون أن يفهم جيدًا معنى الصدق، بل قد يرى أن الكذب ليس بالتصرف السيء. وإنما يراه منقذًا من العقاب. وغالبًا ما يكون الكذب عند الطفل تعبيرًا عن رفضه رأيًا ما أو اختيارًا معينًا مفروضًا عليه. أو أن يكون على سبيل الإنكار لتجنب المسؤولية. أو تقليدًا لاكتساب شيء لا يمكنه الحصول عليه إلا بادعاء الكذب. ولمعالجة هذه الحالة، على الآباء إعطاء المثل الصالح والقدوة الحسنة بقول الصدق. وتوخيه في كل الظروف، والتمسك بالحق ولو كان مُرًّا.

وينبغي عدم توجيه عتاب قاسٍ للطفل أو معاقبته عندما يصارح بالحقيقة ويتأسف ويبدي ندمه. ولكن يكون العقاب إذا أصرَّ على الكذب، فهنا يجب معاقبته مع مراعاة أن يكون العقاب مناسبًا للجُرم. فالهدف ليس إلحاق الأذى الجسدي به، بل ليدرك أن الكذب محرَّم شرعًا، وأنه سلوك سيء، وخلق قبيح، وصاحبه غير محبوب عند رب العالمين، وعند الناس وأن القول الحق أفضل طريقة لتقليل العقاب.

ترسيخ القيم الأساسية

ويجب على الوالدين تلقين الطفل أمثالًا تعبر عن القيم الأساسية في حياة الإنسان؛ كالمحبة، والتعاون، والصدق... إلخ. مع ترسيخها جيدًا كثقافة في عقله قولًا وفعلًا، وفي وجدانه عملًا وسيرةً ثابتةً وسلوكًا، وإقناعه بأنها ستجعله محترمًا ومحبوبًا في عائلته ومجتمعه، ومتوازنًا في شخصيته وعلاقاته الاجتماعية والمهنية.

قضم الأظافر

هناك عادات سيئة أخرى؛ كقضم الأظافر، ومص الإبهام، نراها في السلوك اليومي لكثير من الأطفال؛ وهي العادات العصبية الأكثر شيوعًا. وكذلك العبث في الأنف، والتي تستمر لدى بعض الأطفال إلى ما بعد سن المراهقة. وكلها تعبير عن حالة التوتر والقلق والخوف والملل، إلا أنها تشكل نوعًا من الأمان والراحة للطفل. إذ ينشغل بها وقت مشاهدة التلفزيون أو عند سماع الدروس.

ولعلاج هذه السلوكيات ينبغي إبعاد الطفل عن مصادر القلق، وأجواء التوتر الناتجة عن خلافات الأبوين، والنزاعات العنيفة بينهما. والخلافات العائلية، ومراعاة قص أظافر الطفل تجنبًا لقضمها، وعدم تركه وحده أمام التلفزيون. مع عمل مواقف ترفيهية داخل المنزل بين أعضاء الأسرة. تلك بعض مشاكل الأطفال، بين الأسباب والحلول؛ لعلها تكون نبراسًا لكل أسرة.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: الطفل بين الانطوائية والعدوانية