صبحة بغورة تكتب: مسؤولية الرجل عن العنف الاجتماعي ضد المرأة

العنف ظاهرة عالمية لا يختص بها مجتمع معين، خاصة العنف المنزلي الممث في العنف الزوجي، والذي تؤكد دراسات منظمة الصحة العالمية أن الرجل هو المسؤول الأول عنها؛ إذ يقف وراء حالات العنف ضد المرأة 91 % من الرجال.

يُعدُّ السلوك العنيف ضد المرأة من الظواهر التي انتشرت سريعًا في معظم المجتمعات؛ لانخفاض مستويات المعيشة وانتشار الفقر بعد موجة الغلاء الفاحش التي أصابت أسعار كل السلع، علاوة على تفشي الأمراض الوبائية المُعيقة لاستمرار وتيرة العمل والإنتاج، والمآسي الناجمة عن الكوارث الطبيعية، والنزاعات المسلحة، والحروب؛ حيث يضيق الصبر، وتقل الحيلة، وتضعف قوة التحمل؛ فلا يطيق الرجل في أزمته المادية سماع المزيد من اللوم، أو تلقي عبارات العتاب الذي يمس رجولته؛ بسبب ما قد يبدو أنه بسبب تقصيره في ضمان كفالة أسرته ماديًا ومعنويًا.

العالم البرتقالي

في اليوم العالمي للقضاء على ظاهرة العنف ضد المرأة الذي أقرته الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في 25 نوفمبر من كل عام وجعلت شعاره " العالم البرتقالي، ضعوا حدًا لمواجهة العنف ضد المرأة "، أكدت منظمات حقوق الإنسان واليونيسيف أن الظاهرة ما تزال قائمة، بل وفي تفاقم مستمر، وأن كثيرًا من دول العالم تعتبر الرجل المسؤول الأول عن العنف ضد المرأة، أو العنف الجنسي تجاهها، أو الإضرار الجسدي لها، وقهرها نفسيًا وغيرها من أشكال التهديد.

وكثيرًا ما يكون الرجل ضحية للظروف الاقتصادية، أو التنشئة الذكورية غير السليمة، وغلبة سوء القيم الاجتماعية والمفاهيم الدينية المغلوطة في الأسرة ، والتي تغذي في نفسه روح التسلط والهيمنة.

تعزيز جهود التوعية

ومن هنا تبدو أهمية العمل على كل المستويات:

 أولًا: لوضع استراتيجيات تحد من هذه الظاهرة، بعد تعدد مسبباتها؛ إذ لم يشفع تطبيق مبدأ المساواة بين المرأة والرجل المكرس دستوريًا أمام عنف الرجل وتسلطه.

 ثانيًا: تكريس القناعة بضرورة تعزيز جهود التوعية للتصدي لكل أشكال العنف الاجتماعي التي تتعرض لها المرأة، وفي مقدمتها عنف الزوج؛ كسلوك شائع بحكم المعاشرة غير السوية التي تتسبب في وقوع أزمات مختلفة تُفضي إلى سلوكيات السيطرة وفرض الرأي، ثم حدوث ضرر جنسي انتقامي، أو اعتداء جسدي، أو إيذاء نفسي مهين.

ويبلغ الأمر أقصاه عند المساس بقواعد الصحة العامة، وظهور مشاكل صحية إنجابية وخيمة؛ كزيادة احتمال وقوع الإجهاض وانخفاض وزن الطفل عند مولده، والانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان.

ويكون الغرض الرئيس غالبًا؛ هو إشاعة الشعور بالأمان الضروري لدى المرأة في عصرنا المضطرب للتفرغ بمحبة ورغبة وإخلاص إلى رعاية أسرتها والاعتناء ببيتها وتربية أبنائها.

سوء فهم الواقع

من العوامل التي تؤدي بالفرد إلى اقتراف السلوك العنيف ضد المرأة- خاصة ضد التي أحبها- تدني مستوى تعليم الرجل، وضحالة زاده الثقافي والمعرفي؛ وهو السبب وراء ضيق الأفق ومحدودية التفكير وضعف الإدراك؛ وكلها عوامل لسوء فهم الواقع، أو عدم تقدير الأمور وتبصر طبيعة العواقب، تغذي بدورها غرور الرجل للتغطية على جهله.

وهناك عوامل أخرى تعود إلى طفولته؛ كتعرضه للأذى، أو مشاهدته حالات عنف منزلي، أو سماع مشاجرات للفظية خاصة أثناء النوم بالليل، كما يعود الأمر إلى تعاطي الخمور والمخدرات، والانصياع لسلوكيات تميل إلى ممارسة العنف لإثبات الرجولة.

أشكال العنف

تتعدد أشكال العنف الرجالي في مجتمعاتنا وتتنوع ما بين التحرش والتنمر السلوكي، والعنف اللفظي الذي يستضعف المرأة أو يمس بشرفها وكرامتها ويقلل من مكانتها في المجتمع بألفاظ نابية وعبارات مسيئة وكلمات دنيئة من مسنين وشباب طائش، تبلغ حد نشر الإشاعات الجارحة والأباطيل والاتهامات التي تلامس قذف المحصنات على مسمع ومرأى الناس في الشوارع والأماكن العامة، وكلها ناتجة عن اعتقادات متخلفة، وأعراف سلبية ترسخت في الفكر المحدود تجاه المرأة الذي ورثه الأولاد، ثم تحكم في نمو وتطور الفكر الاجتماعي، فشاعت في أوساط البسطاء المهاجرين غير المؤهلين للاندماج مع تطور وتعقيد سبل العيش في المدن الكبرى أوالتكيف مع طبيعة صعوبات الحياة فيها.

عنف مواقع التواصل الاجتماعي

وقد شاع مؤخرًا عنفٌ آخر وأكثر تطورًا؛ وهو عنف مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث شاع التهديد من خلالها بنشر الصور الشخصية المحرجة، ونشر الأخبار الفاضحة، والمكالمات الحرجة المسجلة عبر "الشات"، والتي تسببت في انتحار نساء وفتيات بعد أن وثقن عن جهالة في رجال عديمي الذمة والضمير، مارسوا أساليب الابتزاز والمساومات الرخيصة.

إن المطالبة بمناهضة العنف ضد المرأة يعني مباشرة حماية الطفولة أيضًا؛ وهو ما يتطلب اتخاذ إجراءات تحمي الفئات الهشة في المجتمع من أشكال العنف؛ ومنها التوعية الشاملة بأهمية السلم الاجتماعي بالموازاة مع الردع، وتعزيز المعارف لدى أفراد فرق متخصصة محترفة في ميدان الحفاظ على الأمن المجتمعي، والقيام بأعمال المراقبة الميدانية لمدى انضباط سلوك الأفراد في الأماكن العامة بحزم وشدة.

حقوق المرأة في الإسلام

لقد أعطى الإسلام المرأة حقوقًا خاصة رفع بها مكانتها؛ فأعلى قدرها؛ فيرفض العنف بمختلف أشكاله، خاصة ضد المرأة؛ إذ يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: " استوصوا بالنساء خيرًا "، كما تؤكد الأوساط الطبية النفسية أن أهم أسباب العنف ضد المرأة في الأسرة هو سوء اختيار الرجل والمرأة؛ فمنه يتشكل عدم التوافق والانسجام بين الطرفين، والذي يؤدي فيما بعد إلى استعمال العنف اللفظي الذي يحدث هوة واسعة في نفسية الزوجة، تنعكس سلبًا في تجاوبها الحميمي مع زوجها؛ لأنها تترك آثارًا عميقة ومؤلمة في نفسيتها، وغالبًا ما تكون مسببة لرد فعل يُعد الشرارة الأولى للعنف الجسدي.

وإذا لم يتمكن الرجل من تقديرالأوضاع الخاصة للمرأة، وتلمس حساسيتها المرهفة، وإذا لم تتوصل المرأة لفهم عقلية الرجل وتفهم عصبيته؛ فلا يمكن للطرفين تحقيق التكامل والتفاهم في حياتهما؛ ما يفتح الباب لتصرفات عنيفة؛ ما يحتم التوعية بثقافة تعرف كل منهما على شخصية الآخر.

يوم المرأة العالمي

ولا شك في أن إعادة التطرق لهذا الموضوع يجد مبرره في اقتراب الاحتفال السنوي بيوم المرأة العالمي في 8 مارس الذي تم إقراره بعد بروز أولى مراحل الاحتفال بيوم للمرأة في 19 مارس 1911، والذي خرجت فيه مسيرات تطالب بحق المرأة في العمل والتدرب المهني، ووضع حد للتمييز ضدها؛ ما يجعل الاحتفال بيوم المرأة العالمي تأكيدًا للمجتمع الدولي على ضرورة تقديرها والاعتراف بدورها في تنمية المجتمع.