صبحة بغورة تكتب: بعد الارتباط هل تتحقق أحلام الزوجين؟

بين عالم الأحلام الوردية ومعايشة حقيقة الواقع، تتأرجح آمال المحبين على مدى سنوات من الحب والعشق في يوم الارتباط؛ إنها الفرحة الكبرى، يوم اللقاء دون عيون ترصدهما وموعد الالتقاء دون قيود تحكمهما ليستمتعا وهما يدخلان أجمل مرحلة في الحياة.

يدخل الزوجان الشابان المحبان بعد انقضاء فترة "شهر العسل" مرحلة جديدة في عمرهما، وسرعان ما تتغير بعدها نظرتهما للحياة عندما تتجسد أمامهما المسؤوليات المنزلية، ثم تسيطر على ذهنهما الطلبات المادية وتحكمهما الاعتبارات المالية، وعادة سيتمتع كلاهما بمستوى رشادة فكرية أكبر وبنضوج عاطفي أكثر مما كانا عليه من قبل. إنه تغير يطرأ على النفس دون أن يدركه صاحبه، الزوجة تستشعر واجب أن تكون على قدر مسؤولية الزواج وتحمل مهام وأعباء بناء وإعمار البيت لتثبت جدارتها، والزوج يريد أن يبرهن على أهليته لدخول الصراع مع الحياة لتأمين طلبات المنزل وتلبية رغبات الزوجة، وهكذا تتلاشى أحلام وتحل أخرى محلها تكشف أن الأحلام الجميلة السابقة في فترة ما قبل الزواج لم تمت بعضها بأية علاقة لحقيقة الواقع.

والأكيد أن لا أحد يتمنى أن تتلاشى هذه الأحلام من الذاكرة وكأنها نسيا منسيا، بل عليه أن يتقبل فكرة تجدد الأحلام، واستمرار تطورها كي تستمر بها ومعها الحياة الزوجية بدون الإصابة بمشاعر الشديد من طبيعة مفاجآت الواقع التي قد لا تكون في مستوى الآمال المرجوة. وخاصة الزوجة التي حتما ككل امرأة ترسم في مخيلتها حياة فاخرة هنيئة وفي الغالب والأعم لا تتحقق برمتها وبكل تفاصيلها.

الحقيقة التي ستتكشف للزوجين الشابين أن الحياة هي تجربة وواقع لا يفقهها ويكشف أسرارها إلا من يعيشها، ودور المرأة يتلخص في التأقلم الواعي مع طبيعة الواقع للاستمتاع بلحظاته مهما كانت. قد تخشي بعض الزوجات من روايات المسنات أن ينتاب الزوج اضطراب في سلوكه أو تغير في طباعه كأن يميل إلى العنف والعناد، لكن التجربة تثبت أن الارتباط المبني على الحب والاحترام والتفاهم لن يغير من طبيعة شخصية الزوجين أو أحدهما بعد الزواج بل الأقرب إلى الفهم أن يزيد علاقتهما قوة وترابطا؛ فقد تبادلا العواطف النبيلة وتشاركا الأحاسيس الجميلة وتقاسما أعباء حياتهما الزوجية ليتجاوزا معا ما يعترضهما من مشاكل.

مسايرة عصبية الزوج أمر مهم على اعتبار أن المرأة تكون أكثر هدوءًا ونضجًا واتزانًا من الرجل المعرض طوال اليوم لصعوبة العيش وضغوط الحياة ومشاكل العمل، وهو مع ذلك دائم الخوف من احتمال عدم قدرته على التأقلم مع حياته الجيدة ومع المسؤولية الغريبة التي اقتحمت حياته وفرضت عليه القيام بمهام توفير حاجات البيت لكي يكون رجلا بأتم معنى الكلمة.

حقا إن شغل البيت صداع في رؤوس الأزواج، وخاصة منذ أن نالت المرأة حظها من التعليم وتولت أرفع المناصب وأدق المهام، وأصبحت الرجل السعي من أجل العيش الكريم؛ حينها ارتفعت أصوات النساء للمطالبة بالمساواة مع ارتفع سقف المطالبات بضرورة أن يتحمل الرجل نصيبه من كل الأعباء المنزلية بما فيها "شغل البيت"، وتستطيع الزوجة الذكية المحبة لزوجها أن تشجعه عند الحاجة على مساعدتها فتطلب منه ذلك برقة ورجاء، وتقدم له الثناء والشكر على ذلك بين الحين والآخر وتسمعه كلمات ترضيه.

إن أي زوجين حديثي الارتباط ومهما كانت قوة الحب الذي يجمعهما فإن علاقتهما الزوجية تختلف كثيرًا عن سابق علاقتهما الغرامية، واحتمال أن تتعرض روابطها لاهتزازات قائمة خاصة في بداية حياتهما الزوجية، ولكي يتجاوزا هذه المرحلة عليهما أن يمرا على هذا الظرف مرور الكرام، ولا يسمحا أن تترك في نفسيهما أي أثر أو تحدث أي ترسبات؛ إذ يخشى أن تمثل في حد ذاتها سابقة قد تتخذ أساسا تدفع إلى التأويل الخاطئ مستقبلا لتصرفات كل طرف. والأهم أن يدركا بأنهما أصبحا زوجين، بمعنى أنه لا يجوز لأي منهما أن يفكر بمعزل عن الآخر أو أن يفسر الوضع بمفرده؛ لأن التفسير الانفرادي يخضع لطبيعة التنشئة الأولى والتي ستكون مخالفة لتنشئة الطرف الآخر، وهذا يعني اختلاف المنطلقات وتباين السلوكيات التي لم تكن محل اختبار أو بادية من قبل، ولكنها تجسدت لما وجدت مبررها فحفزها في صورة رأي وسلوك وموقف.

الثنائي الزوجي الناجح هو المؤمن بأن الحياة الزوجية المشتركة في كل شيء هي التي تدفعهما للتمسك ببعضهما، والمدرك بأن كلاهما يصعب عليه كثيرًا الاستغناء عن الآخر، بالرغم من أن تفكير الرجل القريب من الواقع يختلف عن تفكير المرأة المحلق في الرومانسية؛ لذلك يصعب عليها التأقلم في الحياة الجديدة وتفهم واقعها وإدراك خلفية ما يطرأ على الرجل من تغير بعد الزواج الذي غالبا لا يكون متوقعًا خاصة من الناحية العاطفية؛ إذ يبدو مقلا في إظهار عواطفه وحديثه مع زوجته. كما أن المرأة ستكون في حيرة من تغير حديثه وأن كلامه أصبح جافًا ومباشرًا؛ لذا فليس أمام الزوجين إلا محاولة التأقلم والتماس الأعذار ليعيشا حياة طبيعية في بيت الزوجية؛ إذ تنبعث منه رائحة الدفء الأسري والحنان والشعور الرائع بالحب والعاطفة الأسرية المميزة.

ما أسهل أن تصل المرأة إلى قلب زوجها ، إنها قادرة على أن تأسر روحه ونفسه وعقله بالحب عن طريق معدته، ويؤكد بعض الأخصائيون النفسيون أن الطلاق يبدأ من المطبخ، وأن عدم معرفة الزوجة أصول الطبخ يهدد الحياة الزوجية، وفي ذلك يحضرني قول الشاعر الإماراتي على الخوار مخاطبا حبيبته: إذا بغيتي توصلين لفؤادي أرجوكي لا تنسين معدة حبيبك وإذا وصلتي لمعدتي يا مرادي محال أن أهجر دنيتك أو أسيبك

أبيات جميلة يدعو بها الشاعر محبوبته لحبه، ويشترط وصولها لفؤاده بعدم نسيان معدته، وهو ليس الوحيد الذي يفكر بهذه الطريقة، وفكرة ربط القلب بالمعدة تعكس بعض الأنانية التي يعيشها الرجل الشرقي. وعلى الزوجة الحصيفة تفهم الأمر لتبقي على بيتها، وكذلك الزوج لابد أن يعي حاجة زوجته للتقدير والمودة والاحترام، وللحب الذي يمثل عندها أكثر أهمية من الطعام والهواء.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرا أيضًا: صبحة بغورة تكتب: الطلاق العرفي