بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، الذي يوافق 8 مارس من كل عام، نسلط الضوء على العلاقة بين الزوجين، كما وردت في كتاب الله عز وجل.
في كتابه العزيز، يُشبِّه الله تعالى للناس الأشياء والأعمال، فيُقرِّب المعنى لذهن العلماء والجُهّال، وعندما يُشبِّه العلاقة بين الزوجين، يختار اللباس ليكون لهم خيرَ مثال.
فمن المعلوم أنَّ اللباس هو ما يرتديه الإنسان على جسده، فلماذا شبَّه الله -سبحانه وتعالى- العلاقة بين الزوجين بالعلاقة بين المرء وثوبه؟
لا ريب أن الله أعلمُ بحكمته، ولكننا إذا تفكرنا في هذا الأمر، وجدنا أن العلاقتين متشابهتان إلى حَدٍ كبير، بل إنهما تكادان تنطبقان. فتعالوا نعرف أهم أهداف اللباس وصفاته وخصائصه، وما يجب أن يكون للتعامل معه، ونقارن ذلك بما يجب أن يكون بين الزوجين.
وكذلك، يحرص الإنسان على حفظ نوعه من الاندثار، فيتزوج ويُنجب، ويكبُر أولادُه ويتزوجون وينجبون- بإذن الله تعالى- ويتحقق قول الله -عز وجل-: " وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً.. ". [من الآية 72:النحل].
وهذا ما أمرنا به- أيضًا- رسولنا ﷺ، حفظًا للنوع من الاندثار، فعن أنسِ بن مالك رضي الله عنه، قال: كان رسول الله ﷺ يأمرنا بالباءة، وينهى عن التبتل نهيًا شديدًا، ويقول: " تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلودَ، فإني مُكَاثِرٌ بكم الأنبياءَ يومَ القيامةِ". [رواه أحمد، وصححه ابن حِبَّان. والتَبَتُّل هنا معناه: ترك الزواج زهدًا فيه. (المعجم الوسيط)، والباءة: هي بيئة الزواج؛ أي المسكن، أو ما يُقال عنه: عُش الزوجية].
وبالزواج يحفظ الإنسان نفسه- كذلك- من الوقوع في المعاصي، التي تسبب له الأمراض، والتي عُرفت أخيرًا أنها يمكن أن تؤدي إلى الموت؛ مثل مرض نقص المناعة (الإيدز)؛ وذلك عن طريق حفظ فرجه؛ إذ يرشدنا الله -عز وجلَّ- إلى أحد السبل لحفظ الفرج؛ وهو غض البصر، فيقول تعالى: " قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ.. ". [الآية 30، ومن الآية 31: النور].
وإذا كان غض البصر هو أحد السبل لحفظ الفرج- كما ذكرنا- فإن الزواج هو أحد السبل لغض البصر، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله -ﷺ-: " يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ؛ فإنَّه له وِجَاءٌ".[متفق عليه. و"وِجاء"، أي قاطع للشهوة].
وفي صحيح مسلم، عن ابن مسعود عن النبي -ﷺ-، قال: " لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ، قالَ رَجُلٌ: إنّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النّاسِ".
وهذا فيما يتعلق باللباس في أمر الزينة. وكذلك فيما يتعلق بالأزواج، فالإنسان يحب أن يزينه زوجه ولا يشينه، فمن الناس من يحب أن تكون امرأته جميلة، ومنهم من يحب أن تكون امرأته غنية، وذات ثروة، أو ذات حسبٍ، أو ذات دين. ويؤكد هذا مارواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -ﷺ- قال: " تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" [متفق عليه].
فإذا كان المرء يتسم بالحسن والوسامة والجمال ولَبِسَ ثوبًا حسنًا، فإنه يزداد حُسنًا بالثوب ويزداد الثوب حسنًا به، وكذلك يزداد كلٌ من الزوجين حُسنًا بالآخر، إذا كان كل منهما حسنًا، أو يتسم بالصفات الحسنة. يقول الأحوص الأنصاري:
وَإِذا الدُّرُّ زانَ حُسـنَ وُجـوهٍ كانَ لِلـدُّرِّ حُسنُ وَجهكِ زَينا وَتَزِيدينَ أَطيَبَ الطِّيبِ طِيبًـا أَن تَـمَـسِّـيـهِ أَيـنَ مِثـلُـكِ أَينـا
والإنسان- كذلك- يختار في زواجه من تعاونه على أمور حياته، فقد يختار الغنية ذات المال، أو الموظفة ذات الدخل الشهري، أو ربة البيت التي تقوم بشئون بيتها وزوجها وأولادها، ولا تحتاج إلى خادمة، أو المتعلمة أو المتخصصة في علم معين؛ وذلك لتعاونه في أداء عمله أو نشاطه، أو يختار قوية البنيان؛ لتساعده في أمور حياته، وهكذا.
فإذا كان المرء يختار من اللباس ما يعاونه على تسيير حياته بشكل أفضل، فإنَّ عليه أن يختار مِنْ بني جنسه من يعاونه على ذلك. يقول تعالي: " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [من اِلآية 2: المائدة]. وأجدر من يفعل ذلك هما الزوجان، يعاون كلٌ منهما الآخر على المعيشة أو الحياة المشتركة.
[caption id="attachment_215254" align="aligncenter" width="300"] يحيى عبدالمجيد[/caption]
وقد ورد في "العقد الفريد" أنَّ جارية لأمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد، ذات ظُرف وجمال، مرت برجل من بني سعد، وكان شجاعًا فارسًا، فلما رآها قال: طوبي لمن كانت له امرأة مثلك. ثم أتبعها رسولًا يسألها: ألها زوج؟ ويذكره لها، فقالت للرسول: ما حرفته؟ فأبلغه الرسول قولها. فقال: ارجع إليها، فقل لها: وسائلة ما حـِـرفـتي قلـت حِرفـتي مقارعةُ الأبطالِ في كـل شـارقٍ إذاعَرضتْ ليَ الخيلُ يومًا رأيتِني أمام رعيل الخيل أحمي حقائقي وأُصَبِّر نفسي حين لا حُـرَّ صـابر على ألمِ البيضِ الرقاقِ البـوارقِ
فأنشدها الرسول ما قال. فقالت له: ارجع إليه وقل له: أنت أسد؛ فاطلب لنفسك لبؤة، فلستُ من نسائك، وأنشدت أبياتًا منها: ألا إنَّـمـا أبـغـي جــوادًا مــالـه كريمـًا محياهُ قلــيل الصدائــقِ فتىً هَمـُّه مُـذْ كان خود كريمة يعــانقها بالليـلِ فوقَ النـمـارقِ
وإلى جانب أمر الرسول -ﷺ- بالزواج من ذات الدين- كما ورد في الحديث سابقًا- فقد سُئل أعرابي ذو تجربة وعلمٍ بالنساء عنهن. فقال:"أفضل النساء أطولهن إذا قامت، وأعظمهن إذا قعدت، وأصدقهن إذا قالت، التي إذا غضبت حلمت، وإذا ضحكت تبسمت، وإذا صنعت شيئًا جوَّدت، التي تطيع زوجها، وتلزم بيتها، العزيزة في قومها، الذليلة في نفسها، الودود الولود، وكل أمرها محمود".
وقد أمرنا رسول الله -ﷺ- بالتأكد من الرضا بشكل الزوجة قبل الزواج منها؛ فعن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -ﷺ-: " إذا أراد أحدُكم أن يتزوَّجَ المرأةَ، فإن استطاع أن ينظُرَ منها إلى ما يدعوه إلى نِكاحِها فليفعَلْ، قال: فخطبتُ جاريةً من الأنصارِ فجعلتُ أتخبَّأُ لها تحت الكرْمِ حتَّى نظرتُ منها إلى ما دعاني إلى نِكاحِها فتزوَّجتُها". [رواه أحمد، وأبو داود، ورجاله ثقات، وصححه الحاكم]. وعن المغيرة بن شعبة، قال: خَطَبتُ امرأةً، فقال لي رسولُ اللهِ -ﷺ-: أنَظَرتَ إليها؟، قُلتُ: لا. قال: فانظُرْ إليها، فإنّه أحْرى أنْ يُؤدَمَ بينكما. [أخرجه الترمذي مختصرًا، وابن ماجة باختلاف يسير، وأحمد واللفظ له].
وقد كان رسول الله (ﷺ) يصطحب معه زوجاته في السفر والغزوات، فعن عائشة- رضي الله عنها-، قالت: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا أرادَ سَفَرًا أقْرَعَ بَينَ نِسائِه، فأيَّتُهنَّ ما خرَجَ سَهمُها خرَجَ بها". [متفق عليه].
وقد كان رسول الله (ﷺ) يتحمل من نسائه بعض الأذى، ويلاطفهن، ويزيــل ما يغضبهن. وقد قــــال لعائـــشة -رضي الله عنها-: إنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ ورِضَاكِ قالَتْ: قُلتُ: وكيفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: إنَّكِ إذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْرَاهِيمَ، قالَتْ: قُلتُ: أجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إلَّا اسْمَكَ".[ متفق عليه].
وهذا يبين الحرص الشديد على إزالة أية شائبة من علاقة الزوجين أولًا بأول، بعد تحديد هذه الشائبة، سواء أكانت ملموسة أو محسوسة، والتعامل في إزالتها بلطف، فتبقى العلاقة جميلة، ناصعة البياض. فقد نظر عمران بن حطَّان إلى امرأته، وكانت من أجمل النساء، وكان هو من أقبح الرجال. فقال: إني وإياكِ في الجنة إنْ شاءَ اللهُ، قالتْ كيف ذاك؟ قال إني أعطيتُ مثلكِ فشكرتُ، وأُعطِيتِ مثلي فصبرتِ". فهذا رجل يحافظ على علاقته مع زوجته؛ بالاعتراف لها بفضلها عليه، وشكره لله على ذلك، فتعي أنه يعرف قدرها، فتزداد هي صبرًا عليه، ويزداد هذا الصبر والرضى بتبشيره إياها بأن جزاءها سيكون الجنة بإذن الله تعالى.
وكذلك بالنسبة للزوجين، فقد تعترضهما مشكلة كبيرة، أو خلاف كبير، تصاب فيه علاقتهما بخدش أو قطع، فإذا سارعا لحل هذا الخلاف، سارت حياتهما في مجراها العادي، وإلا وصلا إلى الانفصال.
وسبحان الله، فإن كلمة "رفأ" تستعمل في الثياب، وتستعمل- أيضًا- في الزواج، ففي المعجم الوسيط: رفأ الثوب ونحوه: لَأَمَ خَرقه بالخياطة، وضم بعضه إلى بعض، وأصلح ما بَلِيَ منه. و"رفَأه" قال له: بالرفاء والبنين، وهو دعاء للمتزوج بالالتئام، والاتفاق، وجمع الشمل، واستيلاد البنين. وقد جاءت هذه الكلمة في الحديث الشريف فيما يتعلق بالزواج؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -ﷺ- كان إذا رفأ إنسانًا إذا تزوج قال:" باركَ اللهُ لكَ وباركَ عليْكَ وجمع بينَكما في الخيرِ". [رواه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبَّان. والشاهد هنا لفظ أبي هريرة: "رفأ"].
وتكون النتيجة الحكم عليه بأنه مفترٍ متبطرٍ. وكذلك الزوج. إذا وصل به الأمر إلى حد الاستغناء عن زوجته، فسوف يُسأل الأسئلة نفسها، وقد ينال الحُكم نفسَه، إلا إذا وصل الأمر إلى ما لا بد منه لسبب قاهر، وهو أبغض شيء له حقُ فِعْلِه، وهو الانفصال.
لا يسعنا بعد ذلك، إلا أن نقول: لقد مَثَّلْتَ يارب، فاخترت خير مثال للعلاقة بين الزوجين، وتكلمت فقلت أصدق وأحكم مقال: " هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ"... فاللهم اجعل تدبرنا لكلامك في ميزان حسناتنا.
يحيى عبدالمجيد باحث إسلامي
اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: اليوم الدولي للعدالة الاجتماعية.. وشعار 2023