في اليوم العالمي للمرأة.. "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ"

بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، الذي يوافق 8 مارس من كل عام، نسلط الضوء على العلاقة بين الزوجين، كما وردت في كتاب الله عز وجل.

في كتابه العزيز، يُشبِّه الله تعالى للناس الأشياء والأعمال، فيُقرِّب المعنى لذهن العلماء والجُهّال، وعندما يُشبِّه العلاقة بين الزوجين، يختار اللباس ليكون لهم خيرَ مثال.

فمن المعلوم أنَّ اللباس هو ما يرتديه الإنسان على جسده، فلماذا شبَّه الله -سبحانه وتعالى- العلاقة بين الزوجين بالعلاقة بين المرء وثوبه؟

لا ريب أن الله أعلمُ بحكمته، ولكننا إذا تفكرنا في هذا الأمر، وجدنا أن العلاقتين متشابهتان إلى حَدٍ كبير، بل إنهما تكادان تنطبقان. فتعالوا نعرف أهم أهداف اللباس وصفاته وخصائصه، وما يجب أن يكون للتعامل معه، ونقارن ذلك بما يجب أن يكون بين الزوجين.

أولًا- الأهداف:

1ـ الحفظ والوقاية:

يحرص الإنسان على ألا يبقى عاريًا، وأن يحفظ نفسه من الطقس: البرودة أو الحرارة، أو أشعة الشمس، كما يحفظ جسده- أيضًا- مما قد يخدشه، أو يصيبه بأذى، وكذلك من القاذورات والميكروبات التي قد تصيبه بأمراض قد تقضي عليه.

وكذلك، يحرص الإنسان على حفظ نوعه من الاندثار، فيتزوج ويُنجب، ويكبُر أولادُه ويتزوجون وينجبون- بإذن الله تعالى- ويتحقق قول الله -عز وجل-: " وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً.. ". [من الآية 72:النحل].

وهذا ما أمرنا به- أيضًا- رسولنا ﷺ، حفظًا للنوع من الاندثار، فعن أنسِ بن مالك رضي الله عنه، قال: كان رسول الله ﷺ يأمرنا بالباءة، وينهى عن التبتل نهيًا شديدًا، ويقول: " تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلودَ، فإني مُكَاثِرٌ بكم الأنبياءَ يومَ القيامةِ". [رواه أحمد، وصححه ابن حِبَّان. والتَبَتُّل هنا معناه: ترك الزواج زهدًا فيه. (المعجم الوسيط)، والباءة: هي بيئة الزواج؛ أي المسكن، أو ما يُقال عنه: عُش الزوجية].

وبالزواج يحفظ الإنسان نفسه- كذلك- من الوقوع في المعاصي، التي تسبب له الأمراض، والتي عُرفت أخيرًا أنها يمكن أن تؤدي إلى الموت؛ مثل مرض نقص المناعة (الإيدز)؛ وذلك عن طريق حفظ فرجه؛ إذ يرشدنا الله -عز وجلَّ- إلى أحد السبل لحفظ الفرج؛ وهو غض البصر، فيقول تعالى: " قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ.. ". [الآية 30، ومن الآية 31: النور].

وإذا كان غض البصر هو أحد السبل لحفظ الفرج- كما ذكرنا- فإن الزواج هو أحد السبل لغض البصر، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال لنا رسول الله -ﷺ-: " يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ؛ فإنَّه له وِجَاءٌ".[متفق عليه. و"وِجاء"، أي قاطع للشهوة].

2ـ الستر:

فالإنسان السَوِّي يحرص على إخفاء عورته عن الناس؛ وذلك عن طريق ارتداء الثياب؛ لأنه إنسان مُكرَّم ميَّزه الله بالحياء، ويحرص- أيضًا- على إخفاء ما بجسده من أمراض أو أمور غير طبيعية، فهو لا يُظهر شيئًا من ذلك أمام أقرب الناس. وكذلك في الزواج يكون الزوجان سترًا وغطاءً، كل منهما للآخر. وإذا كنا نشير في قول الله تعالي: " هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" [من الآية 187: البقرة]، إلى أن اللباس كناية عن الستر الذي يجب أن يكون بين الزوجين، فهذه الكناية يؤكدها قول الله تعالى: " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا" [من الآية 47: الفرقان]، وقوله تعالي: " وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا "[الآية رقم 10: النبأ]... أي إن الليل يستر الناس والأشياء بظلمته، فقد ساوى الله -سبحانه وتعالى- بين الليل للناس، والزوج لزوجته، بأن استخدم كلمة اللباس التي تدل على الستر والغطاء. واستخدم كلمة اللباس- أيضًا- صريحة في ستر العورات، فقال تعالى: " يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا.. ". [من الآية 26: الأعراف].

3ـ الزينة:

والزينة هي ما يُتزين به. وهي في الحقيقة ما لا يشين الإنسان في شيء من أحواله. والإنسان يحب أن يكون لباسه حسنًا، ولا غضاضة في ذلك، فيقول الله -عزوجل-: " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِۚ ". [من الآية 32: الأعراف].

وفي صحيح مسلم، عن ابن مسعود عن النبي -ﷺ-، قال: " لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ، قالَ رَجُلٌ: إنّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمْطُ النّاسِ".

وهذا فيما يتعلق باللباس في أمر الزينة. وكذلك فيما يتعلق بالأزواج، فالإنسان يحب أن يزينه زوجه ولا يشينه، فمن الناس من يحب أن تكون امرأته جميلة، ومنهم من يحب أن تكون امرأته غنية، وذات ثروة، أو ذات حسبٍ، أو ذات دين. ويؤكد هذا مارواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -ﷺ- قال: " تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" [متفق عليه].

فإذا كان المرء يتسم بالحسن والوسامة والجمال ولَبِسَ ثوبًا حسنًا، فإنه يزداد حُسنًا بالثوب ويزداد الثوب حسنًا به، وكذلك يزداد كلٌ من الزوجين حُسنًا بالآخر، إذا كان كل منهما حسنًا، أو يتسم بالصفات الحسنة. يقول الأحوص الأنصاري:

وَإِذا الدُّرُّ زانَ حُسـنَ وُجـوهٍ كانَ لِلـدُّرِّ حُسنُ وَجهكِ زَينا وَتَزِيدينَ أَطيَبَ الطِّيبِ طِيبًـا أَن تَـمَـسِّـيـهِ أَيـنَ مِثـلُـكِ أَينـا

4 ـ العون على الحياة:

والإنسان منَّا يلبس الثوب الذي يساعده على تأدية عمله، ولا يعيقه في ذلك، فنجد الذي يلبس "البنطلون" ولا يلبس الجلباب بزعم أنه يعيقه في حركته، ونجد الذي يُفَضِّل الجلباب؛ لأنه يعطيه مجالًا أوسع في الحركة، ولا يسبب له ضيقًا. وهناك من يلبس ملابس لا تداري إلا عورته فقط، كالفانلة فوق شورت مثلًا، ومن يلبس الـ"تي شيرت" فوق بنطال قصير، ومن يلبس الثياب التي تتحمل مادتها الحرارة أو البرودة، أو الضغط الجوي، أو الماء. كلٌ يختار ما يناسب طبيعة جسده، أو طبيعة عمله، أوطبيعة بيئته، وهكذا.

والإنسان- كذلك- يختار في زواجه من تعاونه على أمور حياته، فقد يختار الغنية ذات المال، أو الموظفة ذات الدخل الشهري، أو ربة البيت التي تقوم بشئون بيتها وزوجها وأولادها، ولا تحتاج إلى خادمة، أو المتعلمة أو المتخصصة في علم معين؛ وذلك لتعاونه في أداء عمله أو نشاطه، أو يختار قوية البنيان؛ لتساعده في أمور حياته، وهكذا.

فإذا كان المرء يختار من اللباس ما يعاونه على تسيير حياته بشكل أفضل، فإنَّ عليه أن يختار مِنْ بني جنسه من يعاونه على ذلك. يقول تعالي: " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ" [من اِلآية 2: المائدة]. وأجدر من يفعل ذلك هما الزوجان، يعاون كلٌ منهما الآخر على المعيشة أو الحياة المشتركة.

[caption id="attachment_215254" align="aligncenter" width="300"]في اليوم العالمي للمرأة يحيى عبدالمجيد[/caption]

ثانيًاـ الصفات:

1ـ المُناسَبة:

يختار الإنسان ثوبه أو يحيكه (يُفَصّله)؛ بحيث يحقق ما يبغيه منه. وفي الوقت نفسه لا يكون طويلًا جدًا، ولا قصيرًا جدًا، ولا واسعًا جدًا، ولا ضيقًا جدًا؛ أي يكون مناسبًا، فيستريح له، ويستريح به. وكذلك الإنسان، فليدرك الرجل أنه لن يحصل على أجمل النساء، ولا أكثرهن علمًا أو جاهًا.وكذلك لن تحصل المرأة على أكثر الرجال مالًا، أو أكثرهم وسامة، أو أشدهم قوة. ولكن يختار كل منهما ما يناسبه ويحقق له ما يريده من زواجه، وذلك بعقلانية وواقعية؛ حتى لا يتعرض لمعاناة ومشكلات إن لم يختر ما يناسبه بتلكما العقلانية والواقعية.

وقد ورد في "العقد الفريد" أنَّ جارية لأمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد، ذات ظُرف وجمال، مرت برجل من بني سعد، وكان شجاعًا فارسًا، فلما رآها قال: طوبي لمن كانت له امرأة مثلك. ثم أتبعها رسولًا يسألها: ألها زوج؟ ويذكره لها، فقالت للرسول: ما حرفته؟ فأبلغه الرسول قولها. فقال: ارجع إليها، فقل لها: وسائلة ما حـِـرفـتي قلـت حِرفـتي مقارعةُ الأبطالِ في كـل شـارقٍ إذاعَرضتْ ليَ الخيلُ يومًا رأيتِني أمام رعيل الخيل أحمي حقائقي وأُصَبِّر نفسي حين لا حُـرَّ صـابر على ألمِ البيضِ الرقاقِ البـوارقِ

فأنشدها الرسول ما قال. فقالت له: ارجع إليه وقل له: أنت أسد؛ فاطلب لنفسك لبؤة، فلستُ من نسائك، وأنشدت أبياتًا منها: ألا إنَّـمـا أبـغـي جــوادًا مــالـه كريمـًا محياهُ قلــيل الصدائــقِ فتىً هَمـُّه مُـذْ كان خود كريمة يعــانقها بالليـلِ فوقَ النـمـارقِ

2ـ النوع والأصل:

من الناس من يختار الثياب القطنية، ومنهم من يفضل الحريرية، ومنهم من ينتقي الصوفية. لكلٌ منهم مبرراته، حسب شخصيته أو علمه أو دينه، ولكنَّ الكلَّ يبحث عن أفضل ما يستطيعه ويناسبه، وأجود ما يستطيعه ويناسبه. وكذلك في الزواج، فالكلُ يبحث ويسأل ذوي العلم والخبرة عن أفضل الأزواج. وقد سأل رجل الحسين بن علي -رضي الله عنهما-: إنَّ لي بُنيَّة فمن أزوجها؟ قال: زوِّجها ممن يتقي الله، فإن أحبَّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها. ومن أكــرمُ نوعًا أو أصلًا من التقي الذي قـــال الله -عز وجــل- فـيه: " إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ..". [من الآية 13: الحجرات].

وإلى جانب أمر الرسول -ﷺ- بالزواج من ذات الدين- كما ورد في الحديث سابقًا- فقد سُئل أعرابي ذو تجربة وعلمٍ بالنساء عنهن. فقال:"أفضل النساء أطولهن إذا قامت، وأعظمهن إذا قعدت، وأصدقهن إذا قالت، التي إذا غضبت حلمت، وإذا ضحكت تبسمت، وإذا صنعت شيئًا جوَّدت، التي تطيع زوجها، وتلزم بيتها، العزيزة في قومها، الذليلة في نفسها، الودود الولود، وكل أمرها محمود".

3ـ الشكل واللون:

يختار الإنسان من ألوان ثيابه وأشكالها ما يرضى عنه ويريحه، مادام غير مخالف للشرع، وفي الوقت نفسه لا يجلب له اللوم من الناس؛ فلا يلبس ثيابًا ذات ألوان متنافرة، أو لا تتفق مع شكله أو سِنِّه، أو لا تتناسب مع وضعه الأسري أو الاجتماعي. وكذلك الزوج، يجب أن يختار ما يناسبه ويريحه في شكل زوجته، أو في لونها؛ حتي لا يلفت الأنظار، وحتى لا يكون معرضًا للانتقاد أو اللوم.

وقد أمرنا رسول الله -ﷺ- بالتأكد من الرضا بشكل الزوجة قبل الزواج منها؛ فعن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -ﷺ-: " إذا أراد أحدُكم أن يتزوَّجَ المرأةَ، فإن استطاع أن ينظُرَ منها إلى ما يدعوه إلى نِكاحِها فليفعَلْ، قال: فخطبتُ جاريةً من الأنصارِ فجعلتُ أتخبَّأُ لها تحت الكرْمِ حتَّى نظرتُ منها إلى ما دعاني إلى نِكاحِها فتزوَّجتُها". [رواه أحمد، وأبو داود، ورجاله ثقات، وصححه الحاكم]. وعن المغيرة بن شعبة، قال: خَطَبتُ امرأةً، فقال لي رسولُ اللهِ -ﷺ-: أنَظَرتَ إليها؟، قُلتُ: لا. قال: فانظُرْ إليها، فإنّه أحْرى أنْ يُؤدَمَ بينكما. [أخرجه الترمذي مختصرًا، وابن ماجة باختلاف يسير، وأحمد واللفظ له].

4ـ الكماليات:

بعد أن يختار الإنسان نوع ثيابه ولونها، ثم يحيكها، فإنه يأتي لها بأشياء تزينها؛ مثل وضع "دبوس" بدلًا من الـ"زر". أو يرتدي رابطة عنق، أو يضع وردة أو منديلًا، يزين به رداءه. وكذلك الزوج بعد أن يختار ما يريده، يحب أن تكون زوجته حاصلة على مؤهلٍ أعلى، أو تتقن لغةً أو لغاتٍ، أو تحفظ القرآن، أو تدرس العلوم الشرعية أو التربوية. أو تجيد استخدام الكمبيوتر، أو تجيد أعمال الديكور، أو تعمل في مهنة ما، وهكذا.

ثالثًاـ الخصائص:

1ـ الملاصقة:

عندما يلبس الإنسان ثوبه، فإنه يكون ملتصقًا به، وكذلك يجب أن تضيق المسافة بين الزوجين إلى أقصى درجة، فيحِس كل منهما بالآخر، ويفهمه ويلاطفه. فأصل اللباس في الثياب، ثم سُمْيَّ امتزاج كل واحد من الزوجين بصاحبه لباسًا، لانضمام جسديهما وامتزاجهما، وتلازمهما تشبيهًا بالثوب. قال النابغة الجعدي: إذا ما الضجيعُ ثنى جِيدَها تداعتْ فكانتْ عليه لباسًا

2 ـ المصاحبة:

إذا انتقل الإنسان بعيدًا أو قريبًا، انتقل معه ثوبه لا يفارقه. وكذلك يجب ألا يفترق الزوجان إلا في حالات الاضطرار؛ فالرجل إذا سافر، يحتاج إلى السكينة والمودة والرحمة؛ وهو ما لا يتوافر بشكل كامل إلا عندما تكون زوجتُه معه؛ إذ يقول تعالي: " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ". [21: الروم].

وقد كان رسول الله (ﷺ) يصطحب معه زوجاته في السفر والغزوات، فعن عائشة- رضي الله عنها-، قالت: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا أرادَ سَفَرًا أقْرَعَ بَينَ نِسائِه، فأيَّتُهنَّ ما خرَجَ سَهمُها خرَجَ بها". [متفق عليه].

رابعًا- كيفية الحفظ:

يحافظ الإنسان على ثوبه، ويحاول أن يُجَنِبَه أمورًا كثيرة منها:

1ـ الاتساخ:

يحرص المرء على ألا يقع على ثوبه ما يدنسه، أو يصيبه باتساخ، فيصبح لونه مُنَفِرًا، أو تصبح رائحته سيئة. وكذلك يجب أن يحافظ الزوجان على العلاقة بينهما؛ لتستمر جميلة الشكل، حلوة المذاق، ذكيه الرائحة، كلٌ يعرف فضلَ الآخر، ويقدره ويحترمه، ويزيل بلطف ما يمكن أن ينغص الحياة بينهما.

وقد كان رسول الله (ﷺ) يتحمل من نسائه بعض الأذى، ويلاطفهن، ويزيــل ما يغضبهن. وقد قــــال لعائـــشة -رضي الله عنها-: إنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ ورِضَاكِ قالَتْ: قُلتُ: وكيفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: إنَّكِ إذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْرَاهِيمَ، قالَتْ: قُلتُ: أجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إلَّا اسْمَكَ".[ متفق عليه].

وهذا يبين الحرص الشديد على إزالة أية شائبة من علاقة الزوجين أولًا بأول، بعد تحديد هذه الشائبة، سواء أكانت ملموسة أو محسوسة، والتعامل في إزالتها بلطف، فتبقى العلاقة جميلة، ناصعة البياض. فقد نظر عمران بن حطَّان إلى امرأته، وكانت من أجمل النساء، وكان هو من أقبح الرجال. فقال: إني وإياكِ في الجنة إنْ شاءَ اللهُ، قالتْ كيف ذاك؟ قال إني أعطيتُ مثلكِ فشكرتُ، وأُعطِيتِ مثلي فصبرتِ". فهذا رجل يحافظ على علاقته مع زوجته؛ بالاعتراف لها بفضلها عليه، وشكره لله على ذلك، فتعي أنه يعرف قدرها، فتزداد هي صبرًا عليه، ويزداد هذا الصبر والرضى بتبشيره إياها بأن جزاءها سيكون الجنة بإذن الله تعالى.

2ـ الانكماش:

قد يكون ثوب الرجل نظيفًا، ولكن قد يصيبه الانكماش نتيجة غسله وتنظيفه، فيحرص على أن يزيل عنه الانكماش بالكَيِّ. وفي تحقيق السعادة للزوجين، وأسرتهما، قد يعترضهما خلاف على أشياء صغيرة؛ فيصيب علاقتهما التعرج والانكماش، فعليهما الحرص على بسط علاقتهما؛ لتكون في أفضل صورها؛ وذلك بالتفاهم، وإنكار الذات، والتغاضي عن بعض الأخطاء، فيزول ما يحدث من انكماش أو تعرج في علاقتهما، ويظهران في أبهى شـكـــل. ومن أجل ذلك، قال رجل لزوجته: خُذي العَفوَ مِنّي تَستَديمي مَوَدَّتي وَلا تَنطقي في سَورَتي حينَ أَغضَبُ ولا تُكثري الشكوى فتذهب بالهوى ويـأبـاكِ قــلبــي والـقــلـوبُ تُـقَـلـَّــبُ فَإِنّي وَجَدتُ الحُبَّ في الصَدرِ وَالأَذى إِذا اجتَمَعا لَم يَلبثْ الحُبُّ يَذهَبُ

3- القطع:

قد يصابُ ثوب الإنسان بقطع، فيسارع فيرفأه أو يخيطه، فيبقى الثوب سليمًا؛ أما إذا لم يسارع بذلك، فسوف تزداد مساحة القطع؛ حتى يصل إلى الحد الذي لا يصلح فيه الثوب للبقاء.

وكذلك بالنسبة للزوجين، فقد تعترضهما مشكلة كبيرة، أو خلاف كبير، تصاب فيه علاقتهما بخدش أو قطع، فإذا سارعا لحل هذا الخلاف، سارت حياتهما في مجراها العادي، وإلا وصلا إلى الانفصال.

وسبحان الله، فإن كلمة "رفأ" تستعمل في الثياب، وتستعمل- أيضًا- في الزواج، ففي المعجم الوسيط: رفأ الثوب ونحوه: لَأَمَ خَرقه بالخياطة، وضم بعضه إلى بعض، وأصلح ما بَلِيَ منه. و"رفَأه" قال له: بالرفاء والبنين، وهو دعاء للمتزوج بالالتئام، والاتفاق، وجمع الشمل، واستيلاد البنين. وقد جاءت هذه الكلمة في الحديث الشريف فيما يتعلق بالزواج؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -ﷺ- كان إذا رفأ إنسانًا إذا تزوج قال:" باركَ اللهُ لكَ وباركَ عليْكَ وجمع بينَكما في الخيرِ". [رواه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبَّان. والشاهد هنا لفظ أبي هريرة: "رفأ"].

4- الاستغناء:

إذا دقق الإنسان وتفحَّص، ثم اختار ثوبًا جميلًا لا عيب فيه، ثم فجأة ألقى به قائلًا: لا حاجة لي به، سأظل عاريًا هكذا، أو ربما قال: سأختار ثوبًا آخر، فلعل في عقله شكًا؛ إذ أتى أمرًا بغيضًا، لا يصدر من عاقل، إلا إذا كان بالثوب شيء لا يستطيع تَحَمُّلَه، وحينها يُسأل: - ألمْ تحسن الاختيار؟ - ألمْ تنفق على الثوب من مالك؟ - ألا تستطيع تَحَمُّلَه إنْ كان به عيب؟ - أحاولتَ إصلاحَ العيب؟

وتكون النتيجة الحكم عليه بأنه مفترٍ متبطرٍ. وكذلك الزوج. إذا وصل به الأمر إلى حد الاستغناء عن زوجته، فسوف يُسأل الأسئلة نفسها، وقد ينال الحُكم نفسَه، إلا إذا وصل الأمر إلى ما لا بد منه لسبب قاهر، وهو أبغض شيء له حقُ فِعْلِه، وهو الانفصال.

لا يسعنا بعد ذلك، إلا أن نقول: لقد مَثَّلْتَ يارب، فاخترت خير مثال للعلاقة بين الزوجين، وتكلمت فقلت أصدق وأحكم مقال: " هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ"... فاللهم اجعل تدبرنا لكلامك في ميزان حسناتنا.

يحيى عبدالمجيد باحث إسلامي

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: اليوم الدولي للعدالة الاجتماعية.. وشعار 2023