صبحة بغورة تكتب: اليوم الدولي للعدالة الاجتماعية.. وشعار 2023

يترادف الحديث عن أهمية إحياء مفهوم العدالة الاجتماعية مع الجهود الدولية الدؤوبة لتعزيز حقوق الأفراد، خاصة أنه يتزامن مع النتائج الكارثية للأوضاع الصحية والبيئية الاستثنائية التي تعيشها معظم دول العالم والتي لم تمثل ظروفا عابرة بقدر ما أصبحت ظواهر دامت عدة سنوات حتى تعمّقت معاني التضامن العالمي وامتدت أبعاده كرد فعل تجاه الأزمات المتلاحقة التي أصابت الإنسانية وأحاطت بها، وبسبب خطورة تهديداتها التي تمس وجودها.

إحياء مفهوم العدالة الاجتماعية

وفي 26 نوفمبر 2007 ، أعلنت الجمعية العامة أنه اعتباراً من الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، سيُحتفل بيوم 20 فبراير من كل عام باعتباره اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية.

يشير شعار عام 2023، إلى التغلب على العوائق وإطلاق العنان لفرص العدالة الاجتماعية، غير أن ثمة ما يتوجب فعله من أجل تفعيل توصيات سبق تقديمها في إطار خطة أممية مشتركة ترمي إلى تعزيز التضامن العالمي وإعادة بناء الثقة بين الحكومات المتأثرة بتداعيات ظاهرة العولمة وانعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في معظم الدول الفقيرة والنامية.

بمعنى أن هناك ضرورة ملحة وحاجة قوية لفرض بعد اجتماعي للعولمة يمكن من خلاله تحقيق أفضل النتائج العادلة على مستوى تقديم الخدمات الأساسية وتوفير فرص العمل اللائق وحماية الفقراء والمهمشين.

العدالة الاجتماعية لم تعد مجرد ضرورة أخلاقية بقدر ما أصبحت أساس الاستقرار الوطني والازدهار العالمي، فالسلام الاجتماعي لا يتحقق مع افتقار 80 % من سكان العالم للخدمات الاجتماعية الأساسية، ولعدم التكافؤ سوى من خلال عدالة اجتماعية حقيقية تضمن تكافؤ الفرص في العمل وتوسيع مجالات التضامن، واحترام حقوق الإنسان، وكلها تساهم في تعزيز الاستقرار الوطني وزيادة القدرات الانتاجية للأمم وتحقيق رفاهية الشعوب.

الأزمات الافتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية

لقد أثبتت انتفاضات الشعوب الأخيرة، أن الحق في العمل والعدلة والخبز والكرامة والحماية والديمقراطية والأمن القومي والدولي ليست مطالب منفصلة. وأن ما يمكن أن يشهده العالم من تقلبات مزعجة في الأوضاع وتغيرات طارئة في الظروف وتطورات غير مواتية في الأحداث، هو نتيجة تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية، ونتيجة مباشرة لعدم تحقيق هذه المطالب، وهو ما يجعل من تحقيق العدالة الاجتماعية أمرا بالغ الأهمية.

فأفضل السبل لمحاربة الفقر، هو تحسين سبل الحماية الاجتماعية من خلال المبادرة بأفكار حديثة مبتكرة لضمان حصول المواطنين على حقوقهم من الخدمات الاجتماعية الأساسية، وتحقيق العدالة الاجتماعية هي واحدة من أقوى الأدوات في أي مجتمع لمحاربة الفقر، وتدعيم الفرص الاستثمارية في التنمية الاقتصادية. يكتسي السعي لتحقيق العدالة الاجتماعية بعدًا أمنيًا هامًا، ويكتسب أهميته الخاصة لكونه قوة دفع كبيرة للنمو الاقتصادي، وبالتالي التقليل إلى أقصى حد ممكن من مخاطر وقوع اضطرابات اجتماعية يمكن أن تهدد الأمن والسلام الاجتماعيين.

تحقيق الحماية الاجتماعية

والعدالة الحقة هي في حد ذاتها وسيلة فضلى لتحقيق الحماية الاجتماعية بما فيها الأمن الغذائي والرعاية الصحية وضمان المعاشات اللائقة للحياة الكريمة، والضرورة تحتم وضع استراتيجيات طويلة المدى للضمان الاجتماعي تحقق بفعالية وإلى أبعد مدى الاستقرار المستقبلي.

يبدو مقدار فعالية العدالة الاجتماعية في طبيعة وحجم تأثيرها الظروف الصعبة؛ حيث تتسم إجراءاتها بمحاولة احتواء حدة الأزمة والتخفيف من شدة وطأتها على المجتمعات بمعالجة مسبباتها، ثم بالتوزيع العادل للأعباء في ظل قلة الموارد لمحاولة لتلبية ما أمكن من الحاجات الأساسية للمجتمع، وصولًا إلى التعاون بين القطاع الحكومي والمدني والخاص في ميدان التطبيق العملي.

وسيكون من أفضل الطرق لتحقيق هذا الهدف الجليل، تفعيل صناديق الزكاة، والتوسع في اعتماد الجمعيات الأهلية للتضامن والعمل الخيري ونشر فضائل التكافل الاجتماعي ومفاهيم العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين في الخطاب الديني بالمساجد، وفي محتوى المناهج الدراسية لدعم الفئات الأكثر احتياجا تحت شعار تكافل وكرامة، بمعنى اصباغ الواجب الديني والبعد الإنساني النبيل على هذه المساعي لتضييق الفجوة الاجتماعية ومحاصرة التعاملات الطبقية.

بالإضافة إلى سن التشريعات لمحاربة الرشوة والمحسوبية، وظواهر التنمر والتحرش الجنسي والتمييز الطائفي التي تفرغ مفهوم العدالة من جوهره ومعناه وتفقده جدواه.

العولمة

إذا كانت العلاقة الجدلية القائمة بين أن إقامة العدالة أولا تخلق المناخ المشجع للاستتباب الأمني، وبعث الطمأنينة والسلام، وبين أن السلام هو أولا ما يفسح المجال واسعا لتطبيق العدالة في أحسن الأجواء وأفضل الظروف، فإنه بذلك تتأكد فرضية أن هذه العلاقة تعتبر فرضية حقيقة تعكس قوة الترابط الوثيق بين المفهومين، أي تؤكد حتمية وجود أحدها ضروري لتجسيد وجود الآخر.

إذا كانت ظاهرة العولمة وسبل الاعتماد المتبادل بين اقتصاديات دول العالم والكيانات ذات النفوذ المالي الهائل، تفتح فرصًا جديدة من خلال التجارة والاستثمار وتدفقات رأس المال والتقدم التكنولوجي، بما في ذلك تكنولوجيا المعلومات لتحقيق النمو الاقتصاد العالمي وتطوير وتحسين مستويات المعيشة في جميع أنحاء العالم، فإنه في نفس الوقت هناك تحديات خطيرة لا تزال قائمة وتتمثل في تلك الأزمات المالية الخطيرة المتعاقبة، وانعدام الأمن، وانتشار الفقر والخطاب المتطرف العنيف، والاستبعاد القسري على التقاعد وعدم المساواة داخل المجتمعات وفيما بينها.

بالإضافة إلى وجود العقبات الكبيرة التي تحول دون زيادة الاندماج والمشاركة الكاملة في الاقتصاد العالمي خاصة في البلدان النامية، وكذلك بعض البلدان التي تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقالية حرجة.

وهذا يدل على أن قفزات التقدم الاقتصادي لم ترافقها خطوات التقدم الاجتماعي لتعليم العدل والسلام، فظلت الرفاهية خالية من الأبعاد الإنسانية وهو ما لا ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة، وأن تطور الفكر الاقتصادي لم يحقق الآمال في تجسيد واقع اجتماعي متطور ومعيشي مزدهر.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: تأثير التكنولوجيا الحديثة في التنشئة الأسرية

.