صبحة بغورة تكتب: ضوابط الحياء والخوف في تربية الأطفال

من شروط العمل الأخلاقي، ترك القبيح من القول والفعل والعمل، ومنع التقصير في حق ذي الحق، وعدم فعل المعاصي، ويتفق الأولون أنه عادة ما تعتري وجه الإنسان رقة عند فعل ما يتوقع كراهيته، أو ما يكون تركه خيرًا من فعله، وقد دعا أئمة السلوك إلى أهمية الحياء الذي ينشأ لدى المسلم الذي يتقي الله تعالى.

يقال أن الحياء انقباض النفس من شيء وتركه حذرًا من تلقي اللوم، وأن فيه نوعان: الأول؛ حياء نفساني، خلقه الله تعالى في النفوس كلها كالحياء من كشف العورة، والثاني؛ حياء إيماني يمنع المؤمن من فعل المعاصي خوفا من الله تعالى.

ويتضح أن الحياء هو ما كان فيه من اعتدال الشمائل الأخلاقية وما كان قائمًا على انقباض النفس عن القبائح، وهو من سمات الإنسان القائم على الفطرة والتوحيد جعله الله تعالى لأنه من أصل الإيمان الذي يحمل الخير والبر ليمنع الفواحش، وليرتدع الإنسان بالأخلاق عن ما تنزع إليه شهوته من شرور ومآثم.

لذا، كان الحياء شرطًا من شروط الخلق الحميد والسلوك الطيب، والحياء ليس مركبا من قوة إيجابية مع قوة سلبية، أي لا يجتمع فيه مثلا الجبن والعفة معا، فالشجاع يستحي من الفرار ومن الجبن، لذا، من الخطأ القول أن الشجاع قلما يكون مستحيا.

إن خوف الإنسان في الحياء ليس كخوفه في الجبن والفرار، لأن خوفه في الحياء خوف من التصاق النقيصة به وإلحاق العار بسمعته، وأما الخوف في الجبن فخوف من مواجهة الأهوال أو التعرض للخطر وهو دأب من يحرص على الحياة، والمعنى أن الحياء يخيف صاحبه من خسارة الفضيلة، والجبن يخيف صاحبه من فقدان الفضيلة والحياة، وعلى هذا فليس الحياء جبنا ولكنه شرطا للشجاعة التي هي نقيض الجبن كما هو شرطا لغيرها من الفضائل، والشجاع هو في الحقيقة أحرص الناس على الحياء من الجبان.

قيمة الحياء في مفهوم الدين، أن الدين هو أقوى قاعدة لاستقامة الدنيا وانتظامها وسلامتها، والإيمان الصحيح يبدو أثره في تهذيب نفس الفرد وتطهيره من الميل إلى الفحش أو الفسق، ومن تمسكه بالفضيلة والبر والاستزادة من أعمال الخير.

والمؤمن الحق، يسمو بنفسه عن اقتراف الدنايا والآثام في السر كما يكون في العلانية، والحياء يمنع من المعاصي كما يمنع من التقاعس عن أداء الواجبات.

وإذا كانت أوامر الشريعة تتعلق بأقوال وأفعال ظاهرة كالصلاة والصوم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسعي في مصالح العباد، فإنها كذلك تتعلق بالنفس والقلب كالإخلاص في العبادة والحب في الله والبغض فيه، والخوف من وعيد الله تعالى وتقواه، والأمل في مثوبته عز وجل ورضوانه، وكذلك النواهي تنقسم في جملتها أيضا إلى ما يتعلق بظاهر الأقوال والأفعال كالنهي عن القتل بغير حق والسرقة والغيبة والنميمة، وإلى ما يتعلق بأعماق النفس الإنسانية أو القلب، كالنهي عن الكبر والعجب والحقد والحسد والتعلق بزخارف الدنيا وأهواء النفس وحب الشهوات.. ومن هنا دعا أئمة السلوك إلى التأكيد على أهمية الحياء وأنه ينشأ لدى المسلم الذي يتقي ربه عن طريقين:

الأول: رؤية آيات وآلاء ربنا ونعمه تبارك وتعالى التي أسبغها على الإنسان ظاهره وباطنه. الثاني: إدراك أبعاد وأوجه التقصير، بمعنى تأكد المرء من أنه لا يستطيع أن يوف هذه النعم حقها من الشكر كما ينبغي أن يكون.

وعلى هذا، يكون الخجل ليس مرادفا للحياء بل هو إفراط في الحياء إلى حد الاضطراب والحيرة، ولذا كان الخجل مذموما خاصة بالنسبة لرجال لما فيه من تجاوز للحد الأدنى المعقول لإقامة العلاقات والتواصل بين الناس، ولأن الخجل ضعف وصفة رجل يستر ما ابتلي به من المعاصي أو يمتنع عن كشف ما يخصه من صميم الأمور الشخصية.

أما الحياء فتغير وانكسار عند الخوف من ما يعاب به الإنسان، لذا كان من سماته أنه يردع المرء عن ارتكاب الشرور واقتراف الآثام، فأول ما يمكن أن يتفرس في الصبي ويستدل به على طبيعة نفسه ومستوى عقله هو الحياء، لأنه يدل على أنه قد أحس بالقبيح من الأمور ومع احساسه به فهو يحذره ويتجنبه ويخاف أن يظهر منه، وإذا نظرت إلى الطفل فوجدته مستحيًا فهذا أول دليل على نجاته، والشاهد على نفسه خوفا من قبح يظهر منه، ويعكس هذا ميله إلى كل ما هو جميل وحرصه على الهروب من القبيح وذلك بالتمييز والعقل.

يمكننا أن نجد نقطة التقاء الحياء والعقل عندما يكون سلوك الحياء أثرًا من آثار العقل في الإنسان، أو عندما يكون مظهرًا من مظاهره الكبرى، ويقول كبار المختصين في مسائل الأخلاق في القرآن الكريم إن "الحياء هو القيمة المركزية في الأخلاق الإسلامية وليس مجرد مانع أو حافظ أو باعث على الخلق والسلوك".

إن سمة الحياء دلالة على اعتدال النفس وإشارة صفاء الضمير ونقاء السريرة، وإذا كان الحياء من الناس حسنا، فإن الأحسن أن يكون الحياء من الله تعالى لأنه يمنع الإنسان من المعاصي، وإذا كان من المفروض تنشئة الطفل على المراقبة الذاتية في نظافة جسده وملبسه، فإن من المحمود أن نكرس في سلوكه أن يستحي من نفسه، ويفر من توبيخ النفس وتأنيب الضمير حتى يصبح الحياء عادة له تضفي عليه هالة أخلاقية وسلوكية محترمة.

وينبغي التأكيد عليه دوما أن الحياء ضرورة في حياة كل إنسان، لأنه سيكون سترًا لصاحبه، وكما قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء"، ومن هنا جعل الإسلام قيمة الحياة سمة من السمات المقومة للإيمان والمتممة له؛ حيث يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم "الحياء شعبة من الإيمان" وقد ربط الإسلام بين الحياء وبين طرق الخير كلها وجعله مصدر من مصادر السعادة والرضوان، وهذا مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "الحياء كله خير"، ونلمس هذا المعنى في موضع آخر؛ حيث يقرر المصطفى صلى الله عليه وسلم "الحياء لا يأتي إلا بالخير".

إن للخير والشر معانٍ كامنة في النفوس بالفطرة، وهي منح ربانية وما على الإنسان إلا أن يخرج ما أودعه الله تعالى فيه من سجايا حميدة بالفعل الصالح والقول السديد من خلال التحكم في سلوكه بالإرادة، ومنها تتشكل جملة الآداب التي منبعها السجايا الصالحة والمنح الإلهية.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: أخطاء الرجل بين النزعة الذكورية والكبرياء الزائف