صبحة بغورة تكتب: خوف الطفل من الوقوع في الخطأ.. أسبابه وطريقة معالجته

الخطأ.. حقيقة مرتبطة بطبيعة سلوك البشر، وتعتبر نتيجة سلبية لطريقة تصرفاتهم في مختلف المواقف. أما طريقة التعامل مع وقوع الخطأ أو قبله وبعده فهي تختلف من شخص لآخر، هذه الحقيقة الثابتة تضعنا أمام واجب الاستفادة من مضمونها في سياق مهمة وضع أسلوب تربوي مناسب في التعامل الواعي مع أخطاء الأبناء.

خطورة ما يحدث الآن في تعامل معظم الأسر والعائلات مع أخطاء أبنائهم هو مبعث قلق التربويين، وهو أيضا المبرر في حد ذاته لتناول هذا الموضوع؛ فالواقع أن الوالدين يجعلان الخطأ في معظم الحالات سببًا مباشرًا لإحباط الطفل المخطئ، ودافعًا قويًا لتحطيم معنوياته، والمبالغة في التقليل من قدرته والانتقاص من اعتداده بنفسه بسحب الثقة منه، والنتيجة هي ما نراها اليوم، انتشار الخوف في حياة الأطفال من احتمال الوقوع في الخطأ والضعف والتردد في المبادرة بالفعل خشية الزلل والتراجع عن البوح أو القول خوفا من السخرية.

الخطأ مثل الصواب كلاهما نتيجة طبيعية للاجتهاد والعمل، ويتوقف أي منهما على مقدار الجهد المبذول أثناء أداء العمل المطلوب، فبذل الجهد في اتجاه آخر غير العمل المقصود أي في غير موضعه خسارة للطاقة والقوة والمقدرة، وعدم توفر العمل رغم إمكانية أداء الجهد المطلوب يصبح لا جدوى منه، وفي الحالتين احتمالية حدوث الخطأ كبيرة جدا، وعلى خلاف ذلك فالعكس صحيح حيث تزيد نسبة الصواب إلى درجة التفاؤل بالنجاح.

غالبا ما يرافق شعور الطفل بالخوف من وقوع الخطأ إدراكه بطبيعة عواقبه، فهو عادة يربطه مباشرة بما اعتاد عليه في المنزل من مختلف أنواع العقاب والحرمان من كل ما يرغب فيه وإسماعه عبارات ثقيلة المعنى عليه، أما في المدرسة فالأمر لا يختلف بل يزيد بتهديد ات المعلم بخصم الدرجات واستدعاء ولي الأمر لاطلاعه على ما صنع ابنه، وهذه المواقف ترتسم في ذهنه مشاهد مجسمة صوت وصورة بالألوان ثم تترسخ في عقله الباطن أي في اللاوعي وتأبى أن تزول من مخيلته وتبقى تشعره دائما بالعجز وضعف الكفاءة وعدم أهليته لتحمل المسؤولية، ويكون من أثر ذلك اهتزاز اعتزازه بنفسه وتراجع إيمانه بقدراته الذاتية فيؤدي كل هذا إلى اضطراب ميله للإبداع واهتزاز مهاراته وكبح انطلاقته في الحياة بسبب اقتناعه بعدم جدارته لكسب ثقة الآخرين، وفي أغلب الحالات تطرأ على الطفل أعراض غريبة كالتلعثم في الكلام والتّأتأة في النطق، وعصبية اليدين والقدمين، والتراجع السريع عن المواقف، وعدم الرغبة في الحديث المطول مع الغير والميل الشديد للعزلة.

وتكمن مسؤولية هذا الحال صراحة على المربين أولًا الذين ينحرف تدخل معظمهم عن طبيعة التعامل التربوي السليم مع خطأ الطفل حيث لا يستهدف هذا التدخل بالأساس الخطأ ذاته لحصر طبيعته وتحديد أبعاده ثم محاولة تصحيحه بناء على ذلك، إنما للأسف يكون تدخلهم من خلال انتقاد لاذع وتجريح مسيء لشخصية الطفل التي توضع في ميزان الأخلاق والتقييم الشامل مقابل الخطأ الذي ارتكبه ويتعرض بسببه للإهانة وإلصاق عديد الصفات المشينة به كالفوضوي والمهمل والقذر واللص.. والغبي، والمفارقة أنه غالبًا ما قد يكون الخطأ غير مقصود تماما ولا يعدو أن يكون سلوكا عابرا فقط وليس مسبوقا ،بمعنى أنه ليس من أصيل عادته أو المشهور من أخلاقه فيكون التدخل غير الحكيم من الأهل سببا في ترك بصمات أليمة وغائرة في نفسيته قد لا يمكنه التخلص من عذاب آثارها طول عمره. الخوف من الفشل لا يولد مع الطفل ولكنه يتعلمه، يتعلم الطفل الخوف من الفشل من والديه، فالطفل لا يخاف من الوقوع مرة ومرتين وعشرات المرات في بداية تعلمه المشي ولا يمنعه ذلك من المحاولة مرة أخرى بل ومرات عديدة فهو يستمر في محاولة الوقوف على قدميه مرة أخرى على الرغم من فشله في تحقيق ذلك من المرة الأولى ، فالطفل بالفطرة لا يخاف من الفشل بل والأهم من ذلك لا يفهم معنى الخجل من الفشل، لأنه يولد شجاعًا، جريئًا، مثابرًا وإيجابيًا لا يعرف الخوف ولا التردد، ولكن صراخ الأهل من حوله وملاحقتهم له وتأنيبه في كل شاردة وواردة يولد في نفسه الخوف الذي يكبر معه ويشكل له عائقاً نفسياً يحد من قدرته على الخوض في تجارب الحياة وتقبل النتائج مهما كانت ولا بد أن يتذكر الوالدان أن الطفل يولد جاهلاً تماماً لما يحيط به فهو لا يعرف شيئاً عن الحياة من حوله ولا عن محيطه ولا عن نفسه، وكل ما سيعرفه أو يتعلمه سيكون مصدره الأول والديه وعائلته، وهذا التعلم وهذه المعرفة هي المكون الأساسي لشخصيته وطريقة تفكيره وأسلوبه.

ويقتضي الواجب التربوي الصحيح الاهتمام بجعل خطأ الطفل وسيلة لتعلم نهج الصواب وأداة لمعرفة اتباع خطوات الإبداع وقبل ذلك العمل على إعادة ثقته بنفسه بعد ارتكاب الخطأ فالثقة تمنع تكرار الخطأ، وبالثقة يمكن تعويده على تحمل مسؤولية عمله وبها يكتسب مهارة التحكم في الذات، ومن المفيد إشعاره بالعواقب الوخيمة للخطأ فذلك يولد لديه الرغبة في تغيير السلوك والبحث عن الأفضل له، ومن أجل ضمان التوجيه الإيجابي السليم عن قرب يحبذ أن يكون الأهل دائما بجانب الطفل يشاركونه اهتمامه وأحاسيسه، ويحاولون فصل الخطأ عن شخصه خاصة أمام الغير، ومحاولة إثراء الطفل بالمعايير السليمة لتجنب الوقوع في الخطأ أو التعرف على الخطأ حين حدوثه، والأهم عدم المغالاة في إخافة الطفل من الفشل، وتعويده على تجديد العزم والإصرار والصلابة وعدم الاستسلام للفشل أو لمشاعر الإحباط بل محاولة الاستفادة من أسبابه لعدم تكرارها، أي الاستفادة من الخبرات الإيجابية من ذات الفشل، ثم مساعدته على أن يتلمس بنفسه قدراته الذاتية وملكاته والتعرف على مواهبه التي يمكن أن تؤهله لتحقيق النجاح، أي تعليمه الاعتماد على نفسه لتجاوز خطأه وأن لا يجري التدخل إلا معد تهدئته وسماع تعليقه لفهم أصل الخطأ.

وهذه ليست دعوة لتجاهل الخطأ، بل للتأكيد على أن بالحب والتسامح والابتسام يمكن إقامة علاقة صداقة بين الوالدين وطفلهما لتدعيم ثقته بنفسه في كل الأحوال، فيكون مستعدًا لتقبل وقوع الخطأ للاستفادة من الخطأ بنفسه، ويكون مؤهلًا للنهوض بمسؤولياته وتحمل نتائج أفعاله.

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: الشخصية المبدعة عند الطفل