صبحة بغورة تكتب: الجنس الإلكتروني!

انحرفت العديد من المواقع الإلكترونية عن رسالتها الثقافية والعلمية التي أوجدت من أجلها لنشر العلم وكافة ألوان المعرفة وتوفير كافة المعلومات لأغراض البحث والتحليل. فتحولت من منابر لنشر الفضيلة وقيم الحق إلى مواقع إباحية لنشر الجنس في أرخص صوره وتسويق المتعة الزائفة؛ لإشباع الفضول القاتل لدى الشباب من الجنسين بأساليب عصرية مبتكرة مشوقة، وإخراج مميز مع الاستفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي، لإحداث الإبهار البصري والإثارة الجنسية للتربح بعد كسب أكبر عدد من المشاهدات.

ولا يهم بعدها ما يترتب عن تهيج غرائز الشباب ولا أين وكيف سيطفئ جوعه الجنسي.

الكارثة هي ما حلت بنا من تفشي ظاهر التحرش على كل المستويات وخدش الحياء في الأماكن العامة وعمليات الاختطاف، وتزايد ظاهرة الاغتصاب والمساس بشرف العائلات، وضرب أمن المجتمعات في صميم تماسكها. من السذاجة، أن يظل التساؤل السخيف مطروحا، لماذا يبحث شبابنا عن هذه المواقع؟!. بديهي أن المحتوى أللا أخلاقي لهذه المواقع ليس بالضرورة موجه للشباب العربي المسلم. فهذه المواقع لا تفرض نفسها على أحد، لأنها تبث برامجها فضائيا لكل دول العالم ويقع الوزر على من تعمد توجيه جهاز استقباله لالتقاطها ويكون كافيا ضغطة زر واحدة لمشاهدة العشرات من القنوات الاباحية والمواقع الجنسية عبر الانترنت. لقد تعرض المجتمع العربي لهزة حضارية غربية عنيفة اختلت فيها الموازين وضاعت القيم أمام الفرص السهلة والمتاحة لتفريغ الغرائز الجنسية المكبوتة، وإدمان المشاهد الإباحية عبر مواقع الإنترنت التي تعتبر منابر لتدني الأخلاق وللترويج الصريح للدعارة.

النتيجة أن الكثير من الشباب والفتيات ينحرفون بسبب تعلقهم بمثل هذه المشاهد غير الطبيعية.

لذا، فالمتعة الجنسية عبر الانترنت تعتبر إرادية لأن الشخص يبحث عنها بمحض إرادته وبدون فرض إعلامي أو ضغط خارجي عليه، فهي خدمة مغرية موجودة ولها راغبوها!!. تتعدد أسباب الانجذاب نحو السوق الجنسية الموجودة، وتعكس طبيعتها اختلاف وجهات نظر أصحابها إليها، ومن ذلك ما يلي: أن الخوف من سطوة الأسرة أوجد الخجل القاتل لدى الشباب من مجرد التحدث عن الجنس وجها لوجه. ثم تطور إلى كبت نفسي كئيب دفع الشاب والفتاة ليبحث عن المتعة الجنسية بطرق " سرية "، ولكن بجرأة أكبر غير مشروعة عبر الدردشة الإلكترونية الصريحة جدًا. يرجع البعض السبب في انحراف الشباب إلى إسراف خروج الفتيات عن المألوف في تصرفاتهن وعريّهن وثيابهن الفاضحة المحرضة للغرائز،. فيفضل الشباب بدلا من ارتكاب المعاصي وإثارة المشاكل العائلية اللجوء إلى الإنترنت أو الأقراص المضغوطة لتفريغ الرغبات المكبوتة أو الفضول من باب التسلية. انقسام المجتمع العربي على نفسه بخصوص العلاقة بين الشاب والفتاة، جعل بعضهم يبحث عن الماديات والمتعة الحسية ونمط الحياة الغربية. ومنهم من بقي متمسكا بالعادات والتقاليد العربية والإسلامية محافظا عليها، وبين الفريقين فقدت شريحة أخرى من الشباب انتماءها وضلت عن عقيدتها الدينية واحتل الجنس الالكتروني مساحة الفراغ في حياتهم، فاستسلم لها الشباب كرد فعل منهم تجاه عجزهم عن مجاراة التحولات الاجتماعية المفاجئة، وعدم مقاومتهم للتغيرات الأخلاقية الحادة التي تجاوزت قدرتهم على الاستيعاب الواعي لتقلبات جوانب الحياة بصفة عامة.

ليست المشكلة في الانترنت وما يعرض به، بل في أسلوب التربية الحافل بالممنوعات التي لا يطيقها الشباب دون إفادة الأبناء بمبرر المنع فيضيقون بها. وهو ما شكل في نفوسهم كبتا نفسيا تجاه ما لم يفهموه، فينمو لديهم الفضول المتزايد للتعرف على المتعة الجنسية والبحث عن أي مشاهد تعوض ما لا يستطيعون القيام به. لا تخلو النظرة الجنسية البحتة للمرأة في عيون المجتمع العربي الذكوري من الشهوة، حتى أصبحت العلاقات العاطفية رخيصة وغير موثوقة. والمرأة في مجتمعاتنا بدون وجود الانترنت صارت جسدًا يبحث عنه الشباب في كل مكان بسبب ما يعانيه الشباب العربي من الصغر من ضغط اجتماعي وكبت نفسي وجنسي أعمى القلوب بعيدا عن تعاليم الدين والقيم، فساقهم الشيطان للمتعة الجنسية عبر المشاهد الإباحية تحت شعار أهون الشرين فلا زنا ولا ضرر. لا توجد في المجتمع العربي علاقات طبيعية بين الشاب والفتاة لكي تؤثر عليها مشاهدة الجنس الإلكتروني عبر الإنترنت. والشاب العربي لا يتزوج في الغالب من يحب وكذلك الفتاة، لذلك، تكون الغاية من المواقع الإباحية محصورة في تخريب العقل العربي. المشاهد الإباحية من خلال المواقع في الإنترنت هي ترويج صريح للدعارة، وتفريغ شحنات جنسية مكبوتة بشكل خاطئ، والتعلق بمثل هذه المشاهد يؤدي غالبا إلى الانحراف. أدى ارتفاع المهور إلى تأخر سن الزواج، فانصرف الشباب نحو متع الانترنت العابرة، والجهل بالحياة الجنسية الطبيعية السليمة في إطارها الشرعي جعل ما كان ممنوعا في الماضي أمرًا طبيعيًا ومقبولًا بدعوى أننا بشر في النهاية وغرائزنا موجودة . المتفق عليه أن الكبت والفضول هما أهم أسباب ظاهرة التعليق بالمواقع الإباحية وإدمان الجنس الإلكتروني. وهي ظاهرة ذات أبعاد متعددة طبية، نفسية، اجتماعية، تربوية، شرعية تحتاج إلى متابعة الاخصائيين الاجتماعيين وإلى دراسات مستفيضة من مختلف الجهات؛ لمعرفة كيفية التعامل معها بأفضل السبل، حتى يمكن جعلها ظاهرة صحية تخدم مناهج تربوية صحيحة لرفع مستوى الثقافة الجنسية وجعل حياتنا أكثر سعادة، بعيدًا عن المخاطر الجسيمة التي تستنزف قدرات الشباب الجسدية والنفسية، وحتى تقي المجتمع المخاطر الاجتماعية المتعلقة بالانحراف السلوكي، وما يتبعها من عواقب المتابعة القانونية التي تهدد مستقبل الشباب المنحرف. سلوك شبابنا الجنسي هبط إلى مستوى بدائي طابعه المجون الذي يزيد شعورهم بالعزلة والشك وليس الانفتاح والثقة. وهذا يدخلهم في فراغ عاطفي يفقد الجنس معناه الإنساني.

فالجنس الشائع في المواقع الإلكترونية والمركز على المتعة وحدها هو لا محالة يؤدي إلى السأم.

فإذا كان الجنس عند كل الكائنات الحيوانية يخضع لحاجة فيزيولوجية، فهو عند الإنسان حاجة إلى الاتصال والحب.

والرغبة عند الإنسان دائمة ليست مرتبطة بفترة الذروة كما عند الحيوان، وهي لذلك تتجاوز مجرد إشباع غريزة بيولوجية، لأن الرغبة الجنسية عند الإنسان هي طلب علاقة عاطفية وحاجة إلى الحوار وتبادل المشاعر، والسعي إلى اللذة من أجل ذاتها كما شأن مواقع الجنس الإلكتروني يصبح شذوذا.

والحب ليس ناتجا عن علاقات جنسية ناجحة، ولكن السعادة الجنسية ناتجة عن الحب، وهو ما لا توفره المواقع الإباحية.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: الطفل بين الانطوائية والعدوانية