يحدث أن يقع الطلاق بين زوجين شابين وهما في بداية حياتهما الزوجية، ويمكن أن يكون هناك ما يبرره، كما نسمع عن حالات زواج استمرت أكثر من 25 عامًا ثم انهارت ولا يرغب أحد من الزوجين الكشف عن أسباب انفصالهما الذي سيبدو للكثيرين مفاجئ، إنها أزمة منتصف العمر بين الزوجين.
أزمة منتصف العمر مرحلة حرجة وفاصلة عند الرجال ويقدرها البعض بسن الأربعين من العمر، وهو سن اليأس تقريبا عند النساء وهو ظاهرة طبيعية عندما تتوقف الدورة الطمثية بشكل كامل منهية قدرة المرأة على الإنجاب، وهذه المرحلة النهائية لعملية حيوية تتجلى بنقص إفراز الهرمونات الأنثوية من المبيض.
فعندما يكبر الأبناء وتهدأ عاصفة المشاعر وتبرد حرارة الشوق تأخذ لقاءات الزوجين الحميمية تتباعد كثيرًا ويقل مستوى الاهتمام بالعلاقات الخاصة ويميلان لتضخيم اهتماماتهم بأشياء أخرى، ويكون للرجال سلوكيات مغايرة وفكر معين بعد سن الربعين يمثل في طبيعته "أزمة"، كما تمر المرأة أيضا في العمر نفسه بعملية نفسية بحتة لا علاقة لها بالجانب الفسيولوجي والغريزي ولكنها قد تكون محاولة لتغذية الشعور الرومانسي والنظرة الخيالية بعيدًا عن واقع الحال والجانب الجنسي.
المفارقة أن المرأة في هذا السن تكون في الغالب قد ارتاحت من مسؤولية تربية الأولاد، وتبدأ في تأكيد ذاتها وممارسة حياتها كما يحلو لها، وقد تظهر بشكل مبالغ فيه اهتمامها بالأناقة والعناية بالبشرة والمكياج وعمليات شد الجلد وعلاج التجاعيد وغرس الأسنان، وفي ذلك يبدو أن الاعتدال يظل مطلبًا أساسيًا برغم أن تجمل الزوجة لزوجها واجب لكن عندما يكون في سن متأخرة نسبيًا ومبالغًا فيه يفوق تحديات الزمن وبشكل طارئ لا ينسجم مع السلوك التجميلي السابق للزوجة فإن الأمر يحتاج إلى فهم جوانبه النفسية.
فالسلوك دون إعمال الفكر محاولة يائسة لا تجدي في جذب الشريك، بينما السلوك المبني على الفكر والإدراك المعرفي سيكون مؤثرا ودقيق النتائج، بمعنى أن الإنسان يحيا بأبعاد ثلاثة وهي الفكر والعاطفة والسلوك، وإذا لم تتوازن وطغى أحد هذه الأبعاد على الآخر فإن ذلك سيخل بالنتائج، لذا يجب على المرأة التركيز على الإدراك الواعي الناضج للمشكلة وفهم جوانبها الفسيولوجية والنفسية والتغيرات التي تحدث خلال تعاقب السنين، وإلا يقتصر الأمر على عمل المحسنات كسلوك أحادي.
وتتمثل الشكوى الرجالية في أغلبها على عزوف المرأة وزهدها بعد سن معينة تبدأ من 40 عامًا بل أن هناك من تمتنع عن زوجها بدعوى أنها أصبحت جدة، أو تهمل نفسها ولا يمكن أن تعتني بمظهرها أو تتزين لزوجها أبدا بدعوى "العيب"، وأخرى تسوق حججا تتعلق بالعمل داخل وخارج المنزل وتتعب في العمل وليس لديها وقت أو جهد لذلك.
وتبقى هذه المسألة على حساسيتها البالغة محل تبادل الآراء وإلقاء المسؤولية من كل طرف على الآخر، فيرى الزوج أن الحل الأمثل لمشاكل الحياة الزوجية كلها بيد الزوجة، لأنها المسؤولة المسؤولية الكاملة عن سعادة زوجها واستقرار البيت، وأن الرجل لا تشغله المشاكل او السن عن الأحاسيس والمشاعر، عكس المرأة التي تشغلها مشاكلها كثيرًا عن نفسها وزوجها، في حين تتساءل الزوجة عن سبب دفع الرجل زوجته للابتعاد عنه، ولماذا المرأة دائمًا مطالبة أن تتزين للرجل وأن تجذبه لها؟ لماذا لا يتزين الرجل لزوجته ويحاول بشتى الطرق أن يجذبها إليه؟ لماذا يتهم الزوج زوجته بالبرود ولا يحاسب نفسه على فتور عواطفه وعدم إجهاد نفسه في إعادة العلاقة إلى سابق عهدها.
تفهم الزوجين معنى الشراكة والاحترام المتبادل والتخطيط للحظات سعيدة والاستمتاع بكل مرحلة من مراحل العمر بما يصلح لها؛ يضفي على حياتهما رونقا خاصا وجمالا يتناسب مع طبيعتهما ويجعلهما أكثر إمتاعا وأناقة وجمالا وإحساسا، لذا يجب أن يكون لدى الزوجين القدرة على التحليل المنطقي والاستنباط الصحيح والسلوك المتوافق مع الظروف التي لا تعتمد على ردود الفعل بل على الاحتياج الفعلي والواقعي.
ما تعرفه العلاقات الزوجية في مرحلة ما بعد سن الأربعين هو حصاد ما زرعته المرأة في سنوات عمرها السابقة من علم ينفعها وعمل يدعمها وتربية صالحة لأولادها يساندونها ويملأون عليها حياتها أما من فشلت في هذه الأمور لأي ظرف من الظروف فهذه المرأة هي التي يمكن أن تعاني من الحرمان من الجو الأسري السليم ومن العزلة الاجتماعية والوحدة، وكل هذه الأمور تسبب لها ما يسمى أزمة منتصف العمر رغم أن المرأة يمكنها بيولوجيا أن تعطي عاطفيًا وجسمانيًا حتى سن الستين من العمر عكس ما يتحدثون حول سن اليأس.
وتشكل التربية الخاطئة التي ينشأ عليها المجتمع النظرة إلى سن المرأة بعد الأربعين بأنها امرأة متقدمة في العمر في حين أنه سن النضوج والعقل والحيوية، وينظر للرجل في سن الخمسين على أنه قد كبر ولا يحق له أن يظهر احتياجات جسدية او نفسية، وتنعكس للأسف هذه التربية على الزوجين وفي أجمل مراحل حياتهما وهي مرحلة منتصف العمر التي تبدأ فيها رحلة جديدة من الحياة أكثر هدوءًا ، فالاستمتاع بالحياة ليس مقصورًا على متعة الجسد كما يتصور البعض فحقيقة المتعة والسعادة هي التوافق والأمان والاستقرار الذي يولد الرحمة والمودة.
صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية