صَالِح الرِّيمِي يكتب: أفلا أكون وفيًا لها؟!

تعلمت درسًا وأنا في الطائرة؛ حيث كنت على سفر في مطار جدة، جلست على الكرسي المجاور لرجل في العقد السادس من عمره يلبس بنطالًا وسترة صدر، أحسب أنه إنسانًا بسيطًا، بادرني، بالسلام عليكم، صباح الخير، فرددت التحية بمثلها، قال إلى اليمن؟ قلت: أجل.! سألته وأنت؟ قال معك إلى اليمن..

علمت من سماته ولسانه أنه سعوديًا، وبدأنا الحديث مع بعضنا، كان من أهم ما قاله لي: أنا عندي مشروع في اليمن أريد أن اُتمه، قلت: وما هو مشروعك؟ قال: ابني مسجدًا ومدرسة في قرية من قرى شمال اليمن. قلت: ما شاء الله تبارك الله! أجل هو وقف لك؟ قال: لا.. فتبسم إبتسامة ناعمة.! ثم قال: بل ابنيه وفاءً لزوجتي وأم أولادي التي وافاها الأجل المقدر قبل بضعة أشهر.

فاخترت أن أكافئها على سابق إحسانها، بأن أتبرع لها من خالص حُرَ مالي ببناء مسجد ومدرسة في منطقة محتاجة، فقدر الله أن عرفت عن منطقة في اليمن بحاجة ماسة إلى مسجد للصلاة ومدرسة لتعليم كتاب الله.! ليكون وقفًا وأجره لزوجتي رحمة الله عليها، وأنا الآن أتابع مراحل الإنشاء والتعمير.

قلت: لا حرمك الله الأجر، إذًا أنت وفيًا لزوجتك..

قال أجل.! إنها شريكة حياتي، كانت ترعى حقي، تُكرم ضيفي، تحفظ مالي، حافظةً لنفسِها في غيبتي، تمسح التعب عن وجهي، تُشاركني الأفراح والأتراح، أم أولادي، تُربي ولدي، بيني وبينها عِشرة لا أنساها أبد الدهر.. أفلا أكون وفيًا لها؟!

قلت: قليل من يصنع صنيعك، لقد أصبت واتعبت الأزواج من بعدك، قليل من يفعل فعلتك، بيض الله وجهك، وعظم أجرك، وغفر لزوجتك، وخلف عليك كل غائبةً بخير.

ثم قلت: يا هذا هل تسمح لي أن أعلن إكباري وتقديري لِجنابك وارسم قُبلة تقدير على جبينك، وَاُقْبَلْ رأسك؟. بحق إنك رجل كريم ووفيّ، ولن نجد هذا الصنيع إلا عند الكرام الأوفياء أمثالك.

ترويقة:

عجبت من بعضنا وفيًا لأصدقائه وزملائه واضيافه، حسن المعشر لهم، ولكن سرعان ما يضيع وفاؤه على عتبات منزله إذا دخل على زوجته.. هل يعقل أنه يوجد زوج في هذا الزمن من يحمل هذه المعاني لزوجته؟ وهل يعقل هذا الوفاء من ذلك الرجل لزوجته؟.. فلله درك أيها الزوج الوفي فقد ذكرتنا وعلمتنا درسًا بليغًا في الوفاء، فهل نستوعب الدرس؟!

ومضة:

هذا العمل إمعانٌ في الوفاء، وجميل في العشرة، وأخلاق كريمة، دلنا وأمرنا بها رسول ربنا صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًاً).

صَالِح الرِّيمِي كاتب سعودي

اقرأ أيضًا: صَالِح الرِّيمِي يكتب: خذوا نفاياتنا!!