الدكتورة رانيا يحيى تكتب: كيف ساهمت السينما في الترويج لتعاطي المخدرات؟

جريمة تحدث في الخفاء.. لأن القائمين عليها يدركون بشاعتها وكيف تودي بحياة الآخرين، وما سيتعرضون له في حال فضحهم وعلانية أفعالهم الدنيئة.. إنهم تجار المخدرات والعقاقير المدمرة والذين يلهون بعقول الشباب والأطفال ويستلذون تعذيبهم مقابل المكاسب المادية، التي انتزعت الضمائر وأحرقت النفوس وبلدّت المشاعر واقتلعت الرحمة من هذه الأفئدة اللعينة.

المعضلة الحقيقية التي أراها بعين الإنصاف، رغم تحيزي للمرأة التي تستحق الدعم والمساندة إلا أن الكارثة وحجمها يتضاعف في حال بلوغ المرأة مرحلة التعاطي والإدمان؛ حيث غياب الواعظ والضمير والقدوة في الأسرة، والأدهى هو وجود أطفال في بيئة حاضنة للمخدرات، وتبذل دولنا العربية جهودًا حثيثة في محاولات القضاء على هذه الآفة المدمرة التي تنتهك قوى شبابنا.

التوعية بخطورة المخدرات

لا بد من توخى الحذر في عملية التوعية بخطورة تعاطي المخدرات؛ حيث إن للصورة التي جسدتها الدراما لمدمن المخدرات دورًا في زيادة إقبال الشباب على تعاطيها لتقليد البطل أو ترويج الفكرة بشكل أو آخر، دون التركيز على الأسباب التي تؤدي للسير في طريق الدمار العقلي والنفسي والأسري ومن بعد كل هذا المجتمعي. وهناك عدد من الأفلام السينمائية المصرية طرحت القضية بشكل مباشر، ومنها "رصيف نمرة خمسة" إخراج نيازي مصطفى في خمسينيات القرن المنصرم، "المدمن" إخراج يوسف فرنسيس، والذي يلقي الضوء على المعاناة النفسية والجسدية التي يخوضها المدمن نتيجة وقوعه في براثن المخدرات، "الكيف" إخراج علي عبد الخالق، وتعمق المخرج من خلال أدوار أبطاله في عالم المخدرات، واختيار عنوان الفيلم يحمل المباشرة للمعنى الحرفي لما يشعر به المدمن.

ويأتي في نفس السياق فيلما "العار" و"المزاج" لنفس المخرج، وأعتقد أن على عبد الخالق أكثر من تفاعل مع هذه القضية وحاول معالجتها وتسليط الضوء على آثارها السلبية، ودقت رؤيته الاستباقية في فيلم "الوحل" بإرسال إشارات تنبيهية للمجتمع بانصياع المرأة لهذه الآفة في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي ناقوس الخطر مبكرًا، قبل أن نصل لما نحن عليه الآن بزيادة نسب تعاطي السيدات.

وأشار عاطف سالم لنفس القضية في فيلم "الضائعة"، كما ظهرت أفلام ذات عناوين ترتبط بأماكن تقترن في أذهان العامة بالمخدرات والإدمان مثل "الباطنية" لحسام الدين مصطفى، أيضاً فيلم "المساطيل" لحسين كمال.

وتستمر السينما في طرح هذه القضية الشائكة التي تتزايد تداعياتها يومًا بعد يوم، وتمثل كارثة صحية ونفسية ذات انعكاسات اجتماعية واقتصادية خطيرة، فمثلاً في الألفية الجديدة نجد المخرج شريف عرفة في فيلم "الجزيرة"، يتحدث عن تاجر المخدرات وملاحقته، وفيلم "المصلحة" لأحمد النجار، وبينما تتشابه النهايات في معظم الأفلام المصرية بالقبض على تجار المخدرات وتقديمهم للمحاكمة إلا أن نوعية هذه الأعمال تركت بصمة سلبية لدى الجماهير؛ حيث التفاصيل التي قد تغري مرحلة سنية معينة باكتشاف هذا العالم المجهول، وخاصة حينما تؤكد الدراما حالة البهجة والمتعة التي تنتاب المتعاطي حتى ولو بشكل مؤقت، وبالطبع كل ذلك يتزامن مع تراجع الثقافة والقيم والوازع الديني والانفلات فتكون هذه نتيجة حتمية.

دور الدراما التليفزيونية

وحول الدراما التليفزيونية وما لها من آثار سلبية، وبالأخص عندما اقتحمت الكوميديا هذا المجال في محاولة لخلط الجد بالهزل على حساب قيم المجتمع، بل الأسوأ أنها ومن خلال نجومها أدخلت مصطلحات ومفردات جديدة، عكست مناخًا عشش في عقول ووجدان جيل من الشباب لا تزال هذه اللغة تتداول فيما بينهم مع الحذف والإضافة والتعديل أحيانًا، ومن هذه المسلسلات "تحت السيطرة، الكابوس، مريم، حواري بوخارست"، وغيرها الكثير.

في النهاية، علينا توخى الحذر وعدم الترويج لمشاهد التعاطي، بل يجب تسليط المزيد من الضوء على الآثار السلبية لتعاطي المخدرات وتداعياته؛ لنحذر أبناءنا من الاقتراب من هذه الآفة اللعينة.. وليحمى الله شباب وبنات أمتنا العربية وأن نتخلص من البيئة الحاضنة للإدمان مهما كلفنا ذلك حفاظًا على أمننا القومي.