صبحة بغورة تكتب: الطفل بين الانطوائية والعدوانية

أكد خبراء التربية أن ظاهرة العنف مرحلة طبيعية خلال سنوات النمو الأولى في حياة الطفل قبل أن يتمكن من إجادة مهاراته اللغوية. ولكن عندما يتكرر ارتكاب الطفل الأفعال الضارة والمؤذية يوصف سلوكه حينها بالعنيف، أما إذا اقترن هذا السلوك مع عدم شعوره بالتعاطف مع الآخرين واستخدم القوة لإشباع رغبته في السيطرة من أجل الشعور بالسيادة أصبح سلوك الطفل سلوكًا عدوانيًا.

ويمكن أن يكون من مظاهر تكرار ارتكاب السلوك العنيف، التجاهل العمدي والإبعاد القسري والنبذ والتقبيح والتعنيف والتهديد اللفظي والتخويف بالصراخ والوعيد، ثم الاعتداء الجسدي والضرب المبرح وحينها سينظر للطفل المعتدي بأنه الطرف الأقوى، وإلى الطفل المعتدى عليه أنه الأضعف. ويؤثر مثل هذا السلوك خاصة داخل المؤسسات التربوية والتعليمية تأثيرًا سلبيًا على المناخ العام داخل المؤسسة، ويحد كثيرًا من قدرة الطلاب على التعلم وتركيز في الفهم، بل وعلى رغبتهم في الذهاب إلى مدارسهم؛ خوفًا على سلامتهم الجسدية والنفسية من عصابات المدارس.

لن يبقى القوي قويًا، كما لن يبقى الضعيف معافيًا من المشاكل النفسية والعواقب السلبية، كلاهما سيعاني، فالضعيف يعاني من نتائج ضعفه، مشاكل بدنية ونفسية، كما سيجد صعوبة بالغة في التخلص من ضعفه ولن يقوى على التغلب على شخصيته الضعيفة التي سكنها الجبن. وسيعاني الطرفان من مشاعر الإحباط وآلام الخيبة والفشل ومن عدم الثقة بالنفس، بالإضافة إلى متاعب أخرى تتعلق بالصحة العقلية.

ترجع عدوانية الطفل في أغلب الأحوال إلى أسلوب تنشئته الذي اعتمد على أن الدنيا تؤخذ غلابا، وأن فرض السيطرة بالقوة منذ البداية هو الأساس لبسط السيادة والفكرة والرأي، وهي من مظاهر قوة الشخصية، ومثل هذا الأسلوب يفترض عدم شعور الطفل بالتعاطف مع الآخرين وأن السبيل لترويض الآخرين هي القوة بها يتحقق للطفل الأمان، ومثل هذا الطفل العدواني يكون عرضة للعديد من المشاكل المستقبلية في كبره، ومنها عدم استعداده للتعامل المرن واللين مع شؤون الحياة، وعدم قدرته على حل مشاكله بطريقة سليمة، ولن يحالفه التوفيق في الانسجام مع من يحب. كما قد يصادف من هو أكبر منه وأقوى، حينها سيكون ضحية غروره وسلوكه العدواني.

يعلم معظم الآباء أن جميع الأطفال يمرون بمرحلة عمرية يكونون فيها إما معتدين أو معتدى عليهم؛ إذ يتطلع كل طفل إلى التمتع بأكبر قدر من الاستقلالية والحرية في التحرك في وقت لا يملك القدرة بالتحكم على ردود أفعاله التلقائية ولا يستطيع ضبط نوازع نفسه؛ لذلك يكون بعض الأطفال أكثر عصبية وأكثر عدوانية من غيرهم لما يستغرقونه من وقت لضبط النفس وكبح جماح غضبهم، أما الطفل المعتدى عليه فإنه سيميل إلى الانعزالية لتجنب نظرات الاستهزاء وعبارات السخرية أو التعرض لاعتداء جسدي من أكثر من طفل سيجدون فيه لقمة سهلة للتنفيس عن غضبهم وعن رغبتهم في الاستعلاء بالقوة، وهذه الانعزالية بداية الدخول في دائرة الاكتئاب ثم الانطوائية لعدم مقدرته على مواءمة سلوكه مع سلوك الآخرين وعجزه عن حسن التصرف وسط أقرانه؛ لأنهم لن يمنحوه الفرصة لذلك، وسيبقونه على عجزه النفسي لتكرار مرات التعدي عليه.

وموقف الآباء الحاسم في مثل هذه الحالات موقف ضروري ومطلوب ولكن في إطار القدوة الحسنة، إذ يبدأ بتدريب الطفل على تصور الحلول بطريقة صحيحة لبعض المشاكل البسيطة بعيدًا عن العصبية والغضب، ومساعدته في كيفية السيطرة على حالة الغضب، وتجنب التهديد بالعقاب البدني للطفل ليبقى الوالد قدوة حسنة في كيفية التحكم بالنفس والابتعاد عن العدوانية، ومن ذلك الكف عن الصراخ في وجه الطفل وشتمه أو وصفه بالصفات السيئة والابتعاد عن تدليل الطفل لترضيته خلال فورة عضبه وتخفيف عصبيته.

ومن المفيد إبعاد الطفل الغاضب عن اللعب قليلا، وإخباره أنه لن يعود للعب إلا إذا تعلم كيف يسيطر على غضبه وإن استمر في عدوانيته يجب إعادته إلى المنزل كي يعلم أن حرمانه من متعة اللعب كان بسبب سلوكه السيء. وكثيرًا ما يقلد الطفل عن بعض الأقارب والأفلام بعض السلوكيات العدوانية؛ لذلك وجب التنبيه إلى ضرورة إبعاده عن مصادر التأثير السلبي. كما يجب على الوالد أن يتمتع برد فعل سريع في التصدي لتصرفات الطفل حين غضبه واحتوائه قبل شروعه في التعدي على الآخرين.

يعاني الطفل المعتدى عليه من ألم سقوطه فريسة للطفل المعتدي ومن استبعاده من مجموعة زملاء الدراسة أو رفاق الحي وأطفال الجيران؛ إذ سيتمتع الطفل المعتدي بأعلى شعبية، وسيبرز دور الوالدين كضرورة ملحة لاستدراك تقويم شخصية ابنهما بالتأكيد له أولًا أن أفعاله لم تكن هي السبب في التعدي عليه، مع تعليمه كيفية تجنب الاعتداء والطفل المعتدين وأن يقص على شخص كبير خاصة بالمدرسة ما يحدث له فورا، وتشجيعه على إظهار ثقته بنفسه في طريقة السير والتحدث والتواصل وتنمية روح الدعابة لديه وحثه على ممارسة الرياضة والإقبال على الهوايات والأنشطة المختلفة لتسهيل اندماجه في مجموعة الأصدقاء ، ومساعدة الطفل في التفكير في كيفية التصدي للمعتدي، مع مراقبة تطور علاقاته بأشقائه وأطفال الجيران والأصدقاء مع الحرص على عدم التطرف في فرض الحماية عليه، ومحاولة التدخل بين المعتدي والمعتدى عليه لتأسيس صورة جديدة للعلاقة بينهما.

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: التوقف الذهني المفاجئ