صبحة بغورة تكتب: لماذا يكره أطفالنا المدرسة؟

كثير ما يعبر الأطفال عن ما يستبد بهم من ضيق دراسي بمظاهر التبرم من المدرسة كلها، والطفل الذي يشعر بالتوتر عند الحديث عن المدرسة يمكن أن يصاب بالصداع ويشعر بآلام في معدته وبحاجته للتقيؤ، وهو شديد الانفعال ولكن في فترات العودة عندما يهدد بعدم العودة إلى المدرسة أبدا لأنه يكرهها!.

ولا يفيد الطفل كثيرًا التأكيد على أن المدرسة حقيقة من حقائق الحياة، والتحصيل العلمي لا يتم إلا من خلالها وباعترافها رسميًا، وأن من شأن ذلك أن يساعد كل فرد على بناء مستقبله، وهذا حال الكثيرين غيره من الأطفال والصبية، ورفضه هذا يجعل نومه مضطرب وهو مؤشر على القلق، وهو إذ لم يحصل على القسط الكافي من النوم المريح فالأرجح أنه سيعاني من الشعور بالضيق والإرهاق طوال اليوم، وهو ما سيزيد من يومه المدرسي سوءًا، وسيواجه صعوبة في اتخاذ القرار المناسب للمواقف التي سيصافها في حياته العامة.

وعندما تجتاحه رغبة عارمة في عدم الذهاب إلى المدرسة، فإنه سيتوقف عن إعداد حقيبته حتى ما يتعلق منها بمأكله ومشربه، وسيكف عن تفقد أدواته ومطالعة دروسه وتفحص كتبه ولو من باب الفضول، وسيبدو له أن البقاء بالمنزل يعفيه من النهوض مبكرًا ، وسيكون بالنسبة له خيارًا جيدًا، ومريحًا، وسيكون من الصعب عليه كثيرًا الذهاب إلى المدرسة في اليوم التالي وقد استملح النوم طويلا والراحة والكسل.

..والآن، لماذا يكره الأطفال المدرسة؟

في الكثير من الحالات يكون السبب وجود مضايقات من بعض الأشقياء قد تصل حد التخويف والتهديد والتعرض له في الطريق العام وإلحاق الأذى الجسدي به، انتقاما منه لعدم مساعدتهم في الاختبارات مثلا، وقد يعود إلى عدم حبه للأستاذ الذي لا يجيد أصول التعامل التربوي السليم مع التلاميذ على حسب دقة وحساسية الفئة العمرية بدءًا من الطفولة والغلمة والفتوة والمراهقة، وعلى حسب طبيعة وأهمية المرحلة الدراسية بين سنوات النقل وسنوات الشهادة والانتقال.

وقد يعود السبب أيضًا، إلى عدم تمكن الطفل من إقامة علاقات زمالة جيدة وصداقة سوية مع أترابه يتقاسم معهم من خلالها الاهتمامات الدراسية، كمراجعة حفظ الدروس، ويشاركهم النشاطات المدرسية كممارسة الألعاب الرياضية وأداء ألوان الفنون المختلفة، وكلها من العوامل الباعثة على المرح وبعث الحماسة وتجديد النشاط.

وافتقاد الطفل إلى ظروف معايشة مثل هذه الأجواء، يحرمه من فرصة التمتع بالوسط المدرسي البهيج ومن ثمة تقبله للمدرسة ككل، وأحيانًا يعود سبب كرهه إلى شعوره بأنه ليس ذكيًا وغير متفوق كغيره في التحصيل الدراسي، أو أن صعوبات فهمه للجزيئات من الدروس قد امتدت إلى العموميات، ومن ثمة تتشكل في نفسه مشاعر سلبية وأفكارًا هدامة أنه غير قادر، عاجز، فاشل، وأنه دائمًا سيبقى في المؤخرة.

إن التحديد الدقيق لأسباب المشكلة ستوصلنا إلى منتصف الطريق نحو حلها، وسيكون بالإمكان البدء باتخاذ خطوات تغيير الصورة وجعل الأمور أفضل، وأولها ضرورة طلب المساعدة والمشورة والرأي من الشخص الأقرب إلى الطفل الوالدة أو الوالد أو أحد المدرسين أو الباحث الاجتماعي.

وسيكون من الضروري كي تتحقق نتيجة إيجابية سريعة، أن يلمس الطفل من محيطه القريب مباشرة حرصا على مناقشة مشاكله تفهمًا عميقًا بطبيعة حالته ووعيًا ناضجًا بأبعاد موقفه، وتقديرًا لمبرراته، فذلك سيريحه وسيلقي عبئًا ثقيلًا عن كاهله، وسيكون مستعدًا بعدها للبوح بما أخفاه والمصارحة الشجاعة وسماع النصح.

وسيكون من المهم أيضًا، متابعة الأهل لالتزام الطفل بما استقر عليه الرأي لحل مشكلته والتنسيق في ذلك مع المدرسة بالاتصال المباشر للوقوف على أي أسباب أخرى قد تستجد تؤدي إلى عدم حب الطفل لمدرسته والمبادرة سريعا لحلها لتجنب التراكمات الضارة الناتجة عن ترك المشاكل على حالها لمدة طويلة.

من أبسط المحاولات لمعالجة مثل هذه الحالات، هو ابتكار ما يمكن أن يبعث الثقة والطمأنينة في نفس الطفل، بتوجيهه نحو تحقيق نجاحات صغيرة وكثيرة ومتتالية تملأ نفسه رغبة في المواصلة وتدفعه لمحاولة التحدي بمواجهة ما هو أصعب، معتمدًا على مواهبه وقدراته لإظهار وتحقيق اهتماماته الخاصة.

ومن المفيد التركيز على ما يستطيبه الطفل أولًا وما يستطيع انجازه، وهنا تبرز ضرورة إيلاء أساليب الدراسة الأهمية اللائقة بمكانتها؛ حيث يكمن سر نجاح أسلوب الدراسة الصحيحة في بساطته وسهولته وفي انتظامه يوميا، وتجنب المبالغة في توجيه عبارات التشجيع التي يقصد منها شحذ الهمم وهي في الحقيقة قد تزيد من الضغط النفسي على الطفل وتزيد الخوف والتوتر والارتباك وعدم التركيز، ولابد من إرشاده إلى ذلك النوع الهادئ والمنظم من الدراسة الذي لا يؤدي إلى تغيير نظام الحياة اليومية بعيدًا عن أسباب التشنج الصعب وإعلان حالة الطوارئ في البيت.

ليس من المطلوب أن نوجه الطفل نحو الاعتقاد الخاطئ بأنه يمكن تغيير كل شيء في حياته دفعة واحدة بدعوى اختصار الوقت بل المفيد هو ضرورة التركيز على ما نستطيع تغييره كإعادة الوئام بينه وبين مدرسته.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: المفاهيم الصحيحة لتأثير الأفكار على النفس