حوار| د. إسلام عنان: تغير المناخ سبب 7 ملايين وفاة مبكرة.. وتكلفته 4 مليارات دولار 2030

حوار|د.إسلام عنان يتحدث عن تأثير تغير المناخ على كوكب الأرض
حوار|د.إسلام عنان يتحدث عن تأثير تغير المناخ على كوكب الأرض

هل لاحظت مؤخرًا زيادةً في الأيام الحارة وانحسارًا للشتاء؟ هل شعرت بتزايد حدة الفيضانات والجفاف؟ إذا كانت إجابتك بنعم، فأنت لست وحدك. ففي السنوات الأخيرة برز خطر يهدد صحتنا وسلامتنا جميعًا، وهو  تغير المناخ، لذلك حاورت مجلة “الجوهرة” الدكتور إسلام عنان أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة مصر الدولية، الذي أكد وفاة 7 ملايين وفاة مبكرة خلال 2019، ووصول تكلفة الأضرار بين 2 و4 مليارات دولار لحلول 2030 نتيجة هذه الظاهرة.

وإليكم نص الحوار…

من الملاحظ التأثيرات القوية التي أحدثها تغير المناخ، فما تفسير ذلك علميًا؟

لم يعد الحديث عن تأثير تغير المناخ على صحة الإنسان ترفًا للمهتمين وحسب، بل حقيقة واقعة يواجهها خبراء الصحة العامة بقلق بالغ. فارتفاع حرارة الأرض بوتيرة تفوق معدلاتها التاريخية لم يعد مجرد رقم يتصدر عناوين الصحف والتقارير العلمية، بل انعكاس حيوي يحدث اضطرابًا عميقًا في النسق البيئي، ويضع أطر التنبؤ الصحي أمام تحديات استثنائية.

حدث التغير المناخي البشري المنشأ نتيجة للأنشطة البشرية التي تطلق غازات الاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي مما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة، مثل: حرق الوقود الأحفوري، كالفحم والنفط والغاز الطبيعي، الذي يطلق ثاني أكسيد الكربون.
وأيضًا قطع الغابات، والأنشطة الصناعية، مثل: إنتاج الأسمنت والحديد والصلب، مما أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة، وذوبان الجليد وارتفاع مستوى سطح البحر، وزيادة حدة الظواهر الجوية القاسية، مثل: العواصف والفيضانات والجفاف، وتغير أنماط هطول الأمطار، والوصول إلى الجفاف والفيضانات في بعض المناطق، وتغير أنظمة بيئية بالكامل.

ما تأثير ذلك على الحياة على كوكب الأرض؟

ورث البشر كوكب الأرض منذ 300 ألف عام من عمر الأرض الذي يقدر بـ4.5 مليار عام أي أن عمر الإنسان فقط (0.007%) منها، ولكن ما فعله البشر بكوكب الأرض يهدد الحياة كما نعرفها، وللأسف قد ينبئ بفناء البشر إذا استمرينا في سياستنا بعدم احترام موارد الكوكب والتغيير المستمر في مناخه، وسوف يضع كوكبنا في مرحلة حرجة يتصاعد فيها تأثير تغير المناخ على صحة الإنسان بصورة لم يعهدها العالم منذ ما يزيد عن 100 ألف عام.
فلقد شهد كوكبنا ارتفاعًا ملحوظًا في درجة حرارته عن المعدل الطبيعي بمقدار 0.8 درجة مئوية بين عامي 1990 و2020 وهو أمر قد يبدو بسيطًا للوهلة الأولى، ولكنه يحمل في طياته تبعات خطيرة على صحتنا، فتم تسجيل أعلى درجات حرارة عالمية على الإطلاق في جميع القارات خلال 2022، وزادت المساحة العالمية للأراضي المتضررة بالجفاف الشديد إلى 47% في الفترة 2013-2022، مما يعرض الأمن المائي والصحي وإنتاج الغذاء للخطر.
وارتبط تزايد موجات الحر والجفاف في 2021 بزيادة 127 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد أو الشديد مقارنة بعامي 1981 و2010، مما يعرض الملايين لخطر سوء التغذية والآثار الصحية، التي قد لا يمكن علاجها كتداعيات الأنيميا والتقزم وأمراض سوء التغذية.

ما عواقب ذلك على صحة الإنسان؟

هذه الزيادة الصغيرة نسبيًا أحدثت اختلالات كبيرة في نظامنا المناخي وعواقب وخيمة على صحة الإنسان فعلى سبيل المثال وليس الحصر:
موجات الحرارة المرتبطة بتغير المناخ تسببت في 226 ألف حالة وفاة إضافية على مستوى العالم بين عامي 2000 و2019؛ بسبب انتشار أمراض، مثل: ضربة الشمس والإرهاق الحر ومشاكل الجهاز التنفسي.
تقدر منظمة الصحة العالمية أن 7 ملايين حالة وفاة مبكرة على مستوى العالم في عام 2019 كانت ناتجة عن تلوث الهواء المحيط بسبب زيادة مشاكل الجهاز التنفسي، مثل: الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن.
زيادة خطر الإصابة بأمراض منقولة بالماء، مثل: الإسهال والكوليرا والتيفوئيد؛ بسبب الفيضانات المتزايدة والأحداث المناخية القاسية المرتبطة بتغير المناخ، التي أدت الى تلوث مصادر المياه وتعطل أنظمة الصرف.
زيادة الإصابة بالأمراض المرتبطة بالنواقل، مثل: الناموس الذي يهاجر إلى أماكن أصبحت مناسبة لمعيشته لم تكن كذلك في الماضي بسبب الاحتباس الحراري فزادت معدلات حمى الضنك حتى أصبح نصف سكان كوكب الأرض معرض للإصابة به وارتفع هذا المعدل بنسبة 28% مقارنة بعقود الخمسينات.
وأيضًا يحدث هجرة للناموس الناقل للملاريا إلى أماكن جديدة؛ حيث ارتفعت مساحة الأراضي المناسبة لانتقال طفيلي الملاريا بنسبة تصل لـ17% بين عامي 1951 و2022.

ما تأثير ذلك على المحاصيل الزراعية والأمن الغذائي؟

يؤثر تغير المناخ على المحاصيل الزراعية والأمن الغذائي، خاصة في المناطق المعرضة للخطر. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى سوء التغذية ونقص التغذية، مما يعرض الجهاز المناعي للضعف ويجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بالعدوى.
أن ارتفاع درجات الحرارة يرتبط بزيادة حالات الانتحار بمعدل 1.7٪ أعلى لكل درجة مئوية واحدة زيادة في متوسط درجة الحرارة اليومية، وزيادة معدلات الذهاب إلى المستشفى لعلاج الأمراض العقلية بنسبة 9.7٪ أعلى خلال موجة الحر.
لا تؤثر هذه التداعيات الصحية المباشرة وحدها، بل تتفاقم الخسائر الاقتصادية المرتبطة بالاحتباس الحراري، فقد زادت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الظواهر الجوية القاسية بنسبة 23% لتصل إلى 264 مليار دولار في عام 2022 وحده، بينما أدى التعرض للحرارة إلى خسائر عالمية في الدخل تبلغ 863 مليار دولار.
وللأسف هذه التأثيرات غير متوزعة بالتساوي؛ حيث تتحمل الفئات السكانية الضعيفة، مثل: الأطفال وكبار السن والمجتمعات في البلدان النامية، العبء الأكبر رغم أن الدول الصناعية الكبرى تتصدر قائمة الانبعاثات الكربونية.
نحن مستمرون في العد التنازلي لتداعيات التغير المناخي فلم يتبدل الوضع بعد جائحة كوفيد-19 كما هو واضح.

ماذا لو زادت حرارة الأرض درجة واحدة فوق المعدل؟

بحسب العلماء إن لم نتوصل لحل جزري سوف يصبح الكوكب مختلفًا كليًا بعد 30 عامًا آخر، فبسبب الاحتباس الحراري العالمي:
تتزايد احتمالية تضاعف حالات الملاريا وحمى الضنك في أفريقيا بحلول عام 2050، وتصبح 3 أضعاف عام 2080، وفقًا لأحدث تقرير مناخي للأمم المتحدة.
كما يتوقع التقرير نفسه زيادة مقلقة تصل إلى 134 مليون شخص معرضين لخطر الإصابة بالملاريا في جنوب آسيا بحلول عام 2030.
قد يتعرض 8.4 مليار شخص، أي ما يقارب 90% من سكان العالم المتوقعين للملاريا أو حمى الضنك بحلول عام 2080.
وتتنبأ الدراسة كذلك بإمكانية حدوث “تحول شمالي” لمناطق انتشار الملاريا وحمى الضنك، مما يعرض حتى أمريكا الشمالية للخطر التي ليست حاليًا بيئة صالحة للناموس الناقل لهذه الفيروسات.
بين عامي 2030 و2050، يتوقع أن يتسبب تغير المناخ في حدوث حوالي 250 ألف حالة وفاة إضافية سنويًا، وذلك بسبب سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري فحسب.

كم تقدر التكاليف المادية للضرر الصحي الناتج عن التغير المناخي؟

تقدر التكاليف المباشرة للضرر الصحي الناتج من التغير المناخي بمبلغ يتراوح بين 2 و4 مليار دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2030.
إذًا هل يمكن وقف أو تقليل العد التنازلي لهذا الضرر؟
الإجابة نعم، فنحن لم نصل بعد لنقطة اللا رجعة، ولكننا نقترب منها بوتيرة سريعة فبعد اتفاق باريس للمناخ عام 2015 باتفاق 193 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي إلى الحد من زيادة درجات الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين مع السعي إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة.
مما يتطلب الوصول إلى ذروة انبعاثات الغازات الدفيئة قبل 2025 وتقل إلى النصف 2050. ولكن للأسف تجاوز متوسط درجة الحرارة العالمية مؤقتًا عتبة 1.5 درجة مئوية في شهر يوليو 2023 وكان أكثر الشهور سخونة على الإطلاق، ومنتظر أن تشهد 2024 أرقامًا قياسية في ارتفاع درجات الحرارة، فكما وصف تقرير “متحدون في العلوم” لعام 2021، أن “لا توجد أي علامة على أن العالم سيصبح أكثر اخضرارًا”.
يبدو جليًا أن التغير المناخي يؤثر على جميع نواحي الحياة الصحية أولًا واقتصاديًا وسياسيًا ثانيًا، هذا العد التنازلي يجب أن يقف أو على الأقل يتم وضع سياسات لتقليل وتيرته واتخاذ إجراءات عاجلة.
وهذا ما تم طرحه في مؤتمر المناخ كوب 27 عام 2022 في جمهورية مصر العربية الذي اعتمد في توصياته على 4 محاور أساسية، وهي: تمويل العمل المناخي، التكيف مع تغير المناخ، الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، ورفع الوعي بتغير المناخ.
وأعقبها 2023 مؤتمر المناخ كوب 28 في الإمارات العربية المتحدة بتوصيات مشابهة، تربط بين الصحة والمناخ، ومنها: وضع استجابة شاملة للآثار النفسية والاجتماعية لتغير المناخ، مكافحة عدم المساواة وتعزيز أهداف التنمية المستدامة، تقليل انبعاثات والهدر في قطاع الصحة، تعزيز البحث والتعاون متعدد القطاعات ومتابعة التقدم، تعزيز الاستثمارات في المناخ والصحة، تعزيز التمويل من خلال التعاون والاستفادة من الخبرات، تحسين جهود الرصد والشفافية وتقييم تمويل المناخ.

كيف يمكن الحد من تأثير تغير المناخ على الصحة؟

يجب أن نضع خطة عمل متكاملة على المستويين الدولي والمحلي:
التعاون والتنسيق: تعزيز التعاون الدولي بين المنظمات الصحية والحكومات والمجتمع المدني؛ لمشاركة المعرفة ووضع سياسات منسقة للصحة وتغير المناخ.
الدعم المالي: تدفق التمويل من الدول المتقدمة للدول النامية؛ لبناء أنظمة صحية مرنة قادرة على التكيف مع آثار تغير المناخ.
البحث والتطوير: تشجيع الأبحاث المشتركة؛ لتطوير تقنيات جديدة للوقاية من الأمراض المتعلقة بتغير المناخ وعلاجها، مع التركيز على الحلول الملائمة للبلدان النامية وعمل مسابقات سنوية للمشاريع التي تحسن من الوضع البيئي.
نقل المعرفة: إقامة برامج لتدريب العاملين الصحيين في البلدان النامية على التعامل مع الأمراض والتحديات الصحية الناجمة عن تغير المناخ.
الرابط المختصر :