صبحة بغورة تكتب: واجب الاعتذار.. خلق أصيل أم سلوك مكتسب!

اعتذار المرء عن خطأ سلوكي ارتكبه أو عن إساءة لفظية صدرت عنه أو عن تصرف مؤسف بدر منه أو عن موقف تسبب في حرج بالغ للآخرين، هو سلوك إنساني سامي وحضاري وأصيل، لأنه ينم عن تكامل الشخصية ونضج السلوك ونبل الأخلاق والشجاعة الأدبية التي تكسب المرء هالة من الوقار والاحترام، ومثله لا يغرس في مزارع القلوب إلا أطيب الكلام وحلو الحديث.

الاعتذار، هو في حقيقته تعبير مباشر عن الشعور بالأسف تجاه ما يكون قد تسبب في إصابة الغير من أذى معنوي أو جسدي، سواء بقول أو فعل حتى وإن وقع عن غير قصد وبشكل عارض.

ويؤكد تقديم الاعتذار، أن مرتكب الفعل الخطأ لم يتوقف عن مراجعة نتائج فعله والتفكير في المشاعر السلبية التي تكون قد انتابت الشخص الآخر بسبب قول أو فعل، إنه حديث الضمير الحي الذي يؤرق صاحبه ويصيبه بالضيق والحرج والخجل.

لذلك، سيشعر مقدم الاعتذار بتحسن معنوي كبير وبرضا عميق عن النفس تماما، مثلما سيحس الآخر بحال أفضل و بشعور مريح ملؤه التفاؤل من بدء عودة الأمور إلى سابق عهدها بصورة سليمة وعلاقات صادقة.

ويحدث أن يشعر الناس بالاستياء من تصرفات شخص ما وبالغضب من سلوكياته، والمهم هو المبادرة بمعرفة كيفية تبليغه بغير فظاظة بسبب الغضب عليه.

عندما يغضب الصغار، فإنهم يعمدون إلى الضرب والركل والصراخ لأنهم يفتقدون إلى القدرة على ضبط النفس، وتفهم حقائق الأمور، ولكنهم يتعلمون في كبرهم التعبير عن مشاعرهم بالكلمات التي ستكون في البداية قاسية وبصوت مرتفع.

تربية النشء في حالة ما إذا أساء أحدهم إلى أحد ما أو تسبب في فقدان أشياء تخصه أو تسبب في إلحاق خسارة به، أو أقدم على فعل يعرف مسبقا أنه خطأ ولا يجب فعله كما أبلغه أبواه كالكذب والسرقة على واجب تقديم الاعتذار، يجب أن يكون على أساس التأكيد أولًا على أن ما وقع هو تعمد كسر قانون أو تجاوز لقاعدة تعامل قد تم عن قصد، وهو نفسه الأمر بالنسبة إلى عدم تنفيذ أمر واجب كان ينبغي القيام به في وقته، والحال يقتضي التعبير عن الندم والتعهد بعدم تكراره أو العودة إليه.

وليس الاعتذار مجرد كلمات تلقى باردة وعلى عجل، بل يجب أن تكون بعبارات عميقة المعنى تحرك في نفس الطفل على الأقل الشعور الصادق بالانزعاج من جسامة ما اقترف.

تنفرد العلاقة الزوجية بخواص معينة عن باقي العلاقات الإنسانية، والزوجة العاقلة هي التي تلقي وراءها المشاكل التي تصادفها، ويخطئ كل زوج أو زوجة في النظر إلى طبيعة تسوية الخلافات بينهما بمنطق النصر والهزيمة، بمعنى أن كلا منهما يعتقد أن انتصاره يمر ويتحقق بهزيمة الطرف الآخر.

وهناك من أنشأوا حياتهم الزوجية منذ البداية على منطق الربح والخسارة، وقد لا يدرك أحدهما أن مثل هذا الأسلوب من أسوأ الطرق التي يمكن اللجوء إليها لتسوية أي خلاف بين الشريكين، لأنه لن يزيدهم إلا تباعدا.

ويمكن للأزواج مواجهة خلافاتهم بطريقة بناءة بعيدًا عن فكرة الفوز والانتصار بمعرفة أسباب كثرة الخلافات وتغليب منطق العلاقة التعاونية بين الأزواج وليست التنافسية، والهدف ليس من هو على صواب أو خطأ وإنما الهدف هو التوصل إلى حل يمكنهما من العيش في ظله ومواصلة حياتهما الزوجية في وئام وتوافق بعيًدا عن العناد والتمسك بالرأي والموقف الخطأ.

لن يكلف النفس تقديم الاعتذار للآخر سوى كلمة واحدة تؤكد إبداء الاستعداد للاعتراف بمسؤولية عن الخطأ، وليس في ذلك حط من القدر أو أي إهانة، وستكون أكثر من كافية لغسل ما شاب دخيلة القلوب من ضيق، فلا كرامة تمنع الوصال بين الزوجين، ويساعد تفهم كلا الطرفين لغضب الآخر على عدم تفاقم الخلاف.

وليس شرطا أن يكون الاعتذار لفظيًا، فمن الممكن أن يكون بتقديم هدية رمزية أو بابتسامة ولمسة جانية أو بتوجيه عبارات الثناء، وكلها إشارات دالة على العودة إلى الحق والرغبة في العيش دون مناوشات، والحقيقة ليس هناك ما يمنع أن يتنازل كلا من الزوج والزوجة عن بعض ما ألفه قبل الزواج في سبيل تحقيق التقارب بينهما، وتوفير الرحمة والمودة والتعاطف لحياتهما الزوجية.

لا ينبغي أن يصبح تقديم الاعتذار عادة يتم اللجوء إليها دائما فقط لتفادي غضب الآخرين وتهدئة النفوس، فكثير من الفتيات على وجه الخصوص يلجأن لذلك رغبة في العيش في سلام دون مناوشات، فترى الفتاة تبادر للتأسف عن أخطاء لا دخل لها فيها ولا تتحمل مسؤوليتها، وتتحمل التبعات بدلا عن آخرين لتجنب نشوب المواجهات العنيفة والعتاب، بل وقد تراها تعتذر عن إبداء رأيها وتسحب كلامها لتفك إشكالا كان يمكن أن يكون حسمه لصالحها وتتعمد عدم المجادلة والاختلاف راجية أن تفوز بحب من حولها، والحقيقة أن مثلها تفتقد الاحساس بالأمن والطمأنينة فتلجأ إلى إسعاد الآخرين لنيل رضاهم حتى وإن كان على حساب نفسها وشخصيتها الحقيقية.

الاعتذار عن الخطأ خلق لا يقلل من مكانة الشخص ومنزلته بل يرفعها ويعزها، وهو سلوك يحافظ على القيم الإنسانية، ويحتاج إلى تصحيح الخطأ وإلى المبادرة بفعل شيء طيب بعد توجيه الاعتذار يجعل الشخص المعني يوقن بأن المخطئ يعترف بغلطته فعلا ويشعر بالندم.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: العصمة بيد المرأة.. ضمان أم انتقام!