صبحة بغورة تكتب: كيف نحمي أبناءنا من الإدمان؟

الثابت علميًا أن الدماغ يفرز مواد كيميائية تثير الإحساس الجنسي، وأنه مع تكرار مشاهدة الأفلام الإباحية، يعتاد المخ على إطلاق هذه المواد الكيماوية؛ حتى يجد المرء نفسه يبحث عن المصادر التي تحفظ له المستوى الذي يحقق له الشعور بالنشوة؛ وهو ما يُسمَّى بـ "الإدمان".

وبالنسبة للمدمن على تلك المواد، يأتيه المستوى العالي من النشوة من خلال التحفيز البصري؛ أي بمشاهدة هذه الصور، والأفلام، فإن ما يتبع رؤية تلك المشاهد من استثارة، تستحث الجسم على إفراز أشباه مخدر الأفيون الطبيعية(opiodos)؛ وبذلك يكون أثر المواقع التي تبث ذلك المحتوى، أقوى من تأثير مخدر الهيروين.

إنَّ الإدمان على مشاهدة تلك السلوكيات، يغذي نفسه ويتطور؛ إذ يمل مخ الشخص من ذات الصور المكررة والقديمة؛ فيصبح في حاجة إلى صور أخرى أكثر إثارة؛ لإشباع حاجة الإدمان المتنامية لديه؛ أي إنَّ سقف نشوته ارتفع لمستوى أعلى، ويتطلب مصدرًا أكثر تنوعًا؛ فيصبح العري البسيط أقل إثارة له وغير مشبع لإدمانه؛ وهذا ما يؤكد أن الاعتياد على مشاهدة تلك المواقع والمشاهد يؤدي إلى حالة إدمان، يراها الباحثون والأطباء أشد خطرًا من إدمان الكوكايين؛ لأنه يؤدي إلى اضطرابات سلوكية عنيفة.

كذلك، يُحدِث هذا الأمر أمراضًا نفسية خطيرة، تبلغ حد كراهية النساء، وكراهية شريك الحياة الزوجية، بالإضافة إلى أن إدمان هذه الأمور لا قيود عليها، ولا يمكن التعرف على من يشاهدها، والأخطر أن أثرها لا يُمحَى بسهولة من أدمغة المدمنين لهذا الأمر؛ إذ تظل تلك المناظر عالقة بالمخيلة؛ فتولد نوعًا من السلوك القهري المدمر، يدفعهم إلى متابعة تلك المواد- المحرمة شرعًا- بنهم شديد، وبشكل متزايد بمرور الوقت.

ويُعد إدمان هذه المواد مشكلة سلوكية ونفسية؛ لأن الرجال الذين يشاهدونها، يطورون أمورًا غير واقعية لشكل وسلوك النساء؛ ما يجعل عيشهم في إطار العلاقات الشرعية شائكًا مع الشريك الآخر.

وغالبًا ما تبدأ مشاهدة هذه المواقع بالصدفة، ثم يقع الشخص في فخها عن طريق أصدقاء السوء، ثم يواصل مشاهدتها؛ حتى يجد نفسه في دائرة مغلقة، ثم يبحث عن تبرير يتوهم أنه منطقي لمشاهدة هذه المواقع؛ كسبيل للتخفيف عن نفسه، ولو بصورة واحدة بعد يوم شاق من العمل؛ حتى يجد نفسه أمام صور يمضي به الوقت ساعات أمامها، ثم يعيش يندم ويشعر بتأنيب ضمير قد يصل به إلى الاكتئاب؛ فيقرر التوقف عن ذلك، ويعد نفسه بعدم العودة، ويمارس الرياضة والرسم.

وبعد مرور وقت، تراه يشعر برغبة ملحة في متابعة ما يكون قد استجد في تلك المواقع؛ للترويح عن نفسه فيتذكر دقيقة اللذة التي عاشها من قبل؛ فيعود إلى الدائرة الأولى: التبرير، ثمة الدخول مجددًا في الإدمان.

الجنس كمادة إنسانية بهذا الأسلوب في التناول، موجه لكل من أصيب بالتكالب عليه؛ ليمارسه بشكل غير شرعي، أو بعيدًا عن الاعتبارات العاطفية، أو الوجدانية، أو الإنسانية، وموجهًا أيضًا لمن يعتقد أن الهدف منه هو تحقيق لذة عابرة فقط، أو متعة مؤقتة؛ ما يجعله مجردًا من معناه السامي؛ إذ يحوله إلى حاجة بيولوجية شبيهة بالجوع والعطش ليبرر إباحته؛ وهو تشويه تام يقوم به من يروج للجنس كمادة استهلاكية، ويتعمد بتره عن بعده الاتحادي لجعله متعة من أجل ذاتها بغية تخدير الشعور، بعدما لم يعد الجنس حاجة جسدية مستقلة فيسيولوجيًا؛ إذ جعلها الإدمان وظيفة مرتبطة بالشعور والخيال؛ فأحدثت برودة وعجزًا ومعاناة نفسية، أضعفت قوة الرغبة؛ لارتباطها بأفكار الفرد ومشاعره بقدر ارتباطها بالعمليات الفيزيائية والكيميائية في جسده؛ لذلك نفهم أن الوضع الطبيعي جنسيًا هو مرآة أمينة، تعكس الوضع الطبيعي للفرد نفسيًا.

ولا توجد دراسة أو بحث بياني يشير إلى أن مشاهدة محتوى تلك المواقع أمر صحي أو ذات بعد تثقيفي، فلو كان كذلك ما عانى مشاهدوها ومدمنوها من الأمراض النفسية والعضوية كالسيلان، والهربس، والإيدز، والزهري، وما عاشوا عذاب تأنيب الضمير بعد انقضاء الشهوة.

وقد يعتقد البعض خطأ أنه لا بأس من محادثة النساء وإقامة علاقة عبر الإنترنت، مادام كل شيء يتم خلف الجهاز؛ حيث يعتقد الرجل أن النساء اللاتي يظهرن في تلك المواقع أو اللاتي يمثلن في تلك الأفلام هنَّ أجمل النساء.

كما يعتقد أن مشاهدتها تساعد على التجديد في العلاقة مع الزوجة، بل الواقع أنها تؤدي تدريجيًا إلى انعدام الرغبة بين الزوجين؛ ما يسفر عن موت الغيرة في القلوب.

يكمن تأثير هذا النوع من الإدمان في انتشار مفاهيم خاطئة، وبث خيالات وأوهام يتأكد عمق تأثيرها السلبي على الأزواج؛ إذ يتسبب في مشاكل عند العلاقة الشرعية؛ كانعدام الرغبة، وهو ما يتطلب مجاهدة شديدة للتخلص من هذه الآفة، والعلم بأنها أمور محرمة شرعًا يأثم فاعلها.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرا أيضًا: