صبحة بغورة تكتب: أبناؤنا.. ومصيدة رفقاء السوء

يعيش كثير من الأسر يومياتها بأعصاب تحترق، وتشتكي بتوجس عميق من لعنة أصدقاء السوء التي يخشون أن تصيب أبناءهم في أي لحظة غفلةً منهم، بعد أن أحاطتهم نُذُر الشؤم؛ لجرِّهم داخل دائرة الانحراف، ثم الضياع، متسائلين: "كيف ننقذ أبناءنا من رفقة السوء؟!"

يجد الابن المراهق في خيالات صاحبه من رفقاء السوء، عوالم مختلفة، ومغرية على المتابعة، قد تقوده إلى مسالك عدة، صالحة أو طالحة.

رفيق السوء يتمنى الشر لصديقه، والعملية كلها شد وجذب بين قوة شخصية الابن من جهة، ومستوى مهارة صاحبه في الإقناع أو الإغواء من جهة أخرى.

وغالبًا ما يستغل أصحاب السوء تقارب السن بينهم؛ ما يعني تقاربًا مماثلًا في الأماني المفرطة، والأحلام الزائفة؛ لتكوين صداقات جديدة بينهم، تمثل فيها اهتمامات مرحلة المراهقة المضطربة والحائرة قاسمًا مشتركًا بينهم.

وترى المراهق الصغير يسلم أمره لمن هو أكبر سنًا؛ ليتلاعب بدراسته وحياته، بعد إجراء عملية "غسيل مخ"، بمفاهيم مضللة، ومظاهر كاذبة، ووعود زائفة، يروح ضحيتها من يطغى الغرور على شخصيته، ويتوهم أنه واعٍ بالقدر الكافي، وعلى دراية واسعة بكل شيء.

ويسهل تكوين "شلة" كلما زاد عدد أعضائها، تمكنوا من فرض منطقهم في حيهِّم، وتوسيع نشاطهم في مجالات الانحراف المتعددة؛ كتعاطي المخدرات والترويج لها، وإغواء مزيد من الضحايا من صغار السن بالسرقة، والاختطاف، والاغتصاب.

كذلك، تشكيل عصابات الأحياء القادرة على تصفية الحسابات بالمقابل المالي، ومنه الولوج تدريجيًا إلى عالم الجريمة.

حيث يعيش المراهق وسط أفراد هذه العصابات الذين يقضي معهم معظم أوقاته الضائعة، هائمًا على وجهه في الشوارع، متسكعًا في الأحياء القريبة والبعيدة.

وفي تلك الأجواء، يجد المراهق تقاربًا واستعدادًا للمساعدة في كل الظروف بين جميع أفراد الشلة، لا يجد مثيله مع رفاق المدرسة أو الحي والجيران.

إنه الضياع الذي لا تخفى مؤشراته على الوالدين، وأولها تدهور مستوى ابنهما الدراسي وتراجع نتائجه، وملاحظتهما تغيرًا سلبيًا خطيرًا في حياته يتضح في سوء سلوكه وطريقته الفجة في الكلام، وتغير مفردات حديثه، وتخليه عن هواياته وممارسة رياضته المفضلة، وحبه للعزلة، وعدم اختلاطه بأفراد عائلته الكبيرة حتى في المناسبات السعيدة، وانحراف أخلاقياته مع أمه أولًا، ثم إخوته، ثم أبيه، والذين يتجرعون يوميًا مرارة انحراف ابنهم المراهق بعدما تحول إلى شخص عدواني، يختلق المشاكل لأتفه الأسباب.

والمرء عندما يُحاط برفقة السوء، يتأثر بهم، وبنمط سلوكهم وحديثهم الذي يداعب تطلعاته وشهواته، ومفرداتهم المنمقة التي تزين الباطل، فيستسلم لحثِّهم المستمر على ارتكاب المعاصي.

وبالتالي ما يجلب لأسرته المتاعب والانتقادات والتوبيخ من العائلة والجيران والمعارف والأصدقاء؛ بسبب سوء سلوكه؛ ما يثير أجواء الاضطراب والقلق والخوف والعداوات.

ويتفق فالمتخصصون في الدراسات الاجتماعية على أن السبب الحقيقي الذي يدفع المراهق لأحضان رفقاء السوء؛ هو الطريقة الخاطئة التي يتعامل بها الوالدن معه في هذه المرحلة الحرجة، التي تتطلب جهدًا وصبرًا كبيرين لفهمه، والاجتهاد في التقرب إليه ومن أفكاره بالحوار الهادف والمستمر والنقاش الموضوعي الهادئ بعيدًا عن أسلوب الوعيد والصراخ الذي تتبعه معظم العائلات مع أبنائهم المراهقين.

ويُعدُّ اتباع المنطق والحجة من أفضل السبل؛ كونهما أعظم تأثيرًا في عقلية المراهق ونفسيته؛ إذ يلمس منهما جدية في طبيعة وأسلوب التواصل معه كأحد أفراد الأسرة المهمين، وليس مجرد ممارسة أبوية، وسيطرة غير مجدية؛ لأن ذلك يشعره بمكانته في أسرته.

وتتطلب الرعاية المناسبة للمراهق في هذه المرحلة الحرجة، أن يقدم له الآباء الدعم المعنوي؛ بنصحه، وتوعيته، وإحاطته بالاهتمام والعناية والاحترام، وإشباعه بمشاعر الحب واللمسات الحانية، وإثارة المواضيع الجادة معه، وإشراكه في الحوار حول القضايا الاجتماعية والشؤون الاقتصادية والسياسية، وتنمية ثقافته العامة بمعلومات حول أسرار الطبيعة والكائنات، ومتابعة سيرته الدراسية وسلوكه مع أساتذته وإدارة المدرسة؛ للتأكد من عدم انطوائيته، ومساعدته على الاندماج في المجموعة.

ما يجب على كل أسرة معرفته، أن التواصل الإيجابي بين أفرادها؛ هدفه توجه الأبناء إلى الآباء طلبًا للنصيحة، والتوجيه السليم، والدعم المعنوي؛ من خلال الحوار الصريح حول ما يشغلهم من قضايا تؤرقهم.

وطبيعي أن يهرب بعض الأبناء من الحوار مع الآباء أو التوجه إليهم لطلب النصيحة؛ بسبب المحاضرات الطويلة التي يلقيها بعض الآباء عليهم، والنصائح التي لا حصر لها، والتي لا يتعلق معظمها بنوع النصيحة المطلوبة التي تبعد الأبناء عن طلب المساعدة؛ فيجد الأبناء أنفسهم أمام حرج الموقف؛ إما بالصبر تأدبًا أمام المحاضرات المطولة، وإما بشرح ما يريدون معرفته بالضبط، وتوضيح أن كل ما يحتاجونه هو الاستماع إليهم، واستيعاب حاجتهم للتعبير عما يدور بأعماقهم، وتقدير ما يجيش بصدورهم.

إنَّ الحوار الأسري هو مفتاح السر لإنقاذ الأبناء من رفاق السوء، وليس عيبًا أو تجاوزًا لحدود الاحترام، أن يقترح الأبناء اتفاقًا بأن يتحدث الأبناء أولًا ويستمع لهم الآباء، ثم يأتي دور الآباء فيما يريدون التحدث عنه.

أحيانًا، يصعب على بعض الآباء تقبل حقيقة أن أطفالهم كبروا، وأصبح لهم معتقدات خاصة، وتبلورت في عقليتهم أفكار محددة، وتشكلت في نفوسهم آراء يريدون التعبير عنها بحرية وأريحية؛ الأمر الذي يقتضي أن يتحكم الآباء في أنفسهم، وأن يحتفظوا بهدوئهم أطول وقت ممكن؛ حتى ينتهي الابن من إفراغ شحنته الفكرية والنفسية كاملة.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: الطفل بين الانطوائية والعدوانية