صبحة بغورة تكتب: دور الأم مع الطفل بطيء الفهم

يحدث أن يطول انتظار الأبوين الشابين حتى يمكن أن تحل اللحظة التي يمتنان فيها للقدر في ابتسامته لهما ليتمتعا فيها بذلك الشعور الرائع عندما يسمعا صوت طفلهما يناديهما لأول مرة بكلمتي "ماما، بابا" ينطقها بعذوبة ورقة وتخرج عفوية من فمه الغض الصغير

ويصعب التصور على الوالدين، بأن يكون هناك في حياتهما الجديدة شيء أروع من هذه اللحظة وأجمل من هذه المشاعر وأرق من هذا الموقف الآسر، فإن لطول الانتظار ضيق شديد في الصدور يثير القلق ويحرك الانزعاج خاصة إذا تجاوز الطفل عامه الأول ولم يقدم سوى بضع تمتمات وإيماءات أو ربما عدم مبالاة بمن حوله كلية، هنا سنكون أمام مشكلة كبيرة أقل ما تعنيه عجز الطفل عن العيش حياة طبيعية.

بديهي أن تكون الأم هي أول من يلاحظ أعراض هذا التأخر، وستجد نفسها أمام مهمة صعبة حين تسقط عليها كل المسؤولية باعتبارها الأكثر قربا منه والأكبر احتكاكًا به.

وقد يدفع خوف الأم على طفلها إلى أن تلجأ منفردة باستعمال كل الطرق الممكنة لإنقاذه أو اتباع الوسائل التي ينصح بها أفراد العائلة لتجاوز الأزمة ومن اجل أن يعيش حياة طبيعية، نحن نعني هنا مهمة تربية طفل بطئ الفهم والاستيعاب لأن كلاهما يتعلقان باكتساب مفردات اللغة.

والثابت لدى المختصين، أن فهم اللغة يسبق نطق كلماتها أن الطفل يستوعب ما يقال حوله بصفة عامة وما يسمعه من لغة قبل أن يتعلم الكلام، وبما أن أسس الفهم والاستيعاب تتأسس منذ الولادة فكلما تكلمنا مبكرًا مع الطفل ولو بالمناغاة كلما تعود على السمع وانتبه إلى تمايز الأصوات بين محدثيه سواء الأم أو الأب أو الأقارب الآخرين، ثم تتشكل لديه تدريجيا ملكة الإصغاء المبكر، ويمكنه أن يسجل السلوكيات اللغوية بمعانيها المختلفة ويدمجها ذهنيا ومعرفيا.

وتنطلق هذه الفرضية من أن اللغة هي بالأساس ممارسة تبدأ مبكرًا وتكون مهمة في فترة عامين من الولادة لأنه عادة يفهم الطفل لغويا ما نطلبه منه وما يقال حوله من أحاديث عامة وقد ينفعل بها ويتجاوب معها.

يمكن أن نلمس صعوبة الفهم والإدراك التي يعاني منها الطفل بطريقة محسوسة وهي تظهر بأعراض متفاوتة، متباينة التعقيد، وطبيعي أن تكون الأم هي أول من ينتبه لمثل أعراض هذه الحالة من خلال ملاحظة طبيعة علاقته بأفراد العائلة أو من خلال مقارنة حالته مع حالة أقرانه.

فإذا تأكد للأم أن طفلها لا يستجيب للأوامر البسيطة المناسبة لسنة أو أنه لم يتمكن من تذكر أشخاصًا كان يراهم لمجرد أن انقطعوا عنه مدة وجيزة، أو عجز عن معرفتهم وقد كان يراهم يوميًا ونساهم نهائيًا برغم محاولات تذكيره بهم، وأنه كذلك يعاني من صعوبة الفهم والاستيعاب والإدراك، وأنه تأخر في نطق الحروف البسيطة السهلة أو الكلمات المركبة من حرفين أو ثلاثة، أو كان من الأطفال الذين يتميزون بالحركة المفرطة التي قد تفقده التركيز وتشتت ذهنه وتقلل من محاولة فهمه لانشغاله بصرف حيويته الزائدة في حركات بعيدة عن ما يطلب منه، أو بالعكس كان ممن يلتزم بالبقاء في مكان واحد لا يغادره لفترة طويلة دون أي حركة أو إبداء رد فعل، فإن ثمة في الحالتين إشارة بالغة الخطورة.

اقرأ أيضًا: الشخصية الصعبة بالعمل.. طرق التعامل معها

عملية التربية عملية مستمرة ومهمة تتطلب قدرًا كبيرًا من العلم بأصول التربية السليمة وبقدر أكبر من الصبر في رحلة الملاحظة الدقيقة للسلوك اليومي للطفل، وإذا حدث أن تجاوز الطفل عامه الأول وحتى العامين ولاحظت الأم أن طفلها لا يبحث عن ألعابه مثلا وغير مهتم بها ولا يلوح بيده نحوها أو يشير إليها إذا وجدها، أو أنه لا يردد مُقلدًا الكلمات والحروف التي لها علاقة بألعابه المفضلة أو أنه لا يستطيع أن يأتي بحركات مشابهة لما يرى، فحينها عليها أن تدرك حقيقة أن طفلها يعاني فعلا من مشكلة معقدة من المؤكد أنها تستدعي استشارة طبيب نفساني مختص.

الثابت والمؤكد أنه ابتداء من عامين لابد من أخذ حالة الطفل الذي يعاني من الأعراض المذكورة مأخذ الجد وبكل جدية واهتمام، لأن مثل هذه الصعوبات قد تمثل البداية لتأخر كبير لاحق.

في الحقيقة، ليس الحل بالصعب ولا بالعسير بل كل ما في الأمر هو تدارك الوضع بدوام التواصل معه والحديث الباسم إليه باستمرار ومناجاته بلطف باستعمال تعابير الوجه لدفعه إلى الضحك والتواصل المرح، وجعله يردد ما يلقى عليه خاصة تسمية أعضاء جسده وتعليمه أن يشير إلى ما يسمع منها، مع الحرص الشديد على إثراء زاده اللغوي بالكلمات الخفيفة الخاصة بالمجاملات وبالمناسبات السعيدة.

بعض الأطفال يستطيعون التجاوب سريعا للنصائح ويتفاعلون مع الأساليب الملموسة لإدماجهم اجتماعيا، والبعض الآخر قد يحتاج لمساعدة خبراء مختصين أكثر حرفية وفعالية، ويبقى مع ذلك دور الأم ضروريًا وفاعلًا في كل الحالات لذا يجب عليها استغلال الوقت المناسب؛ حيث يكون طفلها منتبها لحركاتها ومستقبلا لكلماتها، أي عندما يكون تركيزه مطلق لترسيخ الكلمات في ذهنه بالنطق الذي يجب أن يتعلمه، وأن تدفعه لتوظيف حواسه الخمسة بتعمد استعمالها في مختلف المناسبات التي يمكن حتى أن تختلقها لترديد الكلمات بطريقة يومية، مع محاولة التركيز على الحروف ثم الكلمات البسيطة.

الجمل القصيرة بشكل تدريجي، يمكن معه تسهيل عملية التلقين والتعلم، وعلى الأم أن تبدي قدرًا كبيرًا من الاهتمام بألعاب طفلها وأن تقوم بترتيبها أمامه وتشركه في ذلك بأوامر مرحة وخفيفة تثير فيه روح الفكاهة مع ألعابه، فيتشكل في نفسه تجاهها وجدان خاص يدفعه لاحقا إلى محاولة استعمالها لوحده ومناغاته لها بمفرده، وهو ما سيعزز بقدر كبير ثقته في نفسه ويبعث العزم في اتخاذ المبادرة بالفعل والإرادة في تحقيق النجاح والتميز بدون انتظار وجود الأم بجانبه، وهنا تبدأ الخطوة الضرورية الهامة من قبل الأم لاستغلال هذا النجاح، وهي أن تحيط طفلها بمشاعر التعاطف وأن تغمره بالمحبة وتغدق عليه بعبارات التشجيع والإشادة بما يعمل.

عادة يهتم الطفل منذ نعومة أظافره ببرامج التلفزيون الموجه للأطفال لأنها تمنحه الكثير من متعة المشاهدة بالصور المبهرة، وتنمي فيه الرغبة في التسلية بدفعه إلى متابعة تطورات أحداث المسلسلات بحلوها ومرها، والتجاوب مع فقرات البرامج التعليمية، لذا فهي أداة تربوية هامة تؤثر في توجيه سلوك الطفل وتنمي مهاراته الإدراكية، وتزيد من زاده اللغوي الصحيح، وتطور من خلال متابعته المستمرة لها القدرة على الاستيعاب من خلال عناصر الإبهار البصري والسمعي بالأشكال الجميلة والألوان والحروف التي تساعده كثيرًا في تحسين مهاراتهم الاجتماعية ذلك.

الكثير من هذه البرامج تقدم على شاشات قنوات متخصصة في مخاطبة الأطفال دون سن الدراسة بناء على مناهج تربوية وأسس تعليمية، ومواضيع أفلام الكرتون والرسوم المتحركة تنمي بشكل مشوق معارف الطفل ومهاراته وتعلمه الألوان والحروف واللغة العربية السليمة، وكيفية التعامل بإيجابية مع ما حوله في البيئة المحيطة به ، لذلك فهي خير وسيلة تربوية يمكن الاعتماد عليها لزيادة ثقافة الطفل وإثارة رغبته في معرفة العالم والحياة حوله ومن ثمة رفع قدرته على الاستيعاب وتحسين ملكة الفهم لديه.

فعلى كل أم أن تخصص لطفلها وقتا لمتابعة هذه البرامج، والأهم أن تحببه فيها دون إفراط ، وقد ثبت أن مشاهدة الأطفال للبرامج التلفزيونية الموجهة لهم كان لها أثر مفيد في ضبط سلوكهم المدرسي وتحسين أدائهم الدراسي ورفع مستواهم التحصيلي.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: طوارئ أسرية قبل الامتحانات المدرسية