صبحة بغورة تكتب: المفاهيم الصحيحة لتأثير الأفكار على النفس

ظل المصاب الذي كان يعاني قديمًا من أعراض مرضية غير عضوية وبالتالي غير مفهومة، يعاني أيضًا من عدم تقبل مجتمعه لطبيعة ما ألم به، وظلت النظرة الدونية إليه وصمة تلحق به وأيضا بعائلته وأبنائه؛ حيث ساد الاعتقاد بأن أرواح شريرة تسيطر عليه وأنه تحت تأثير قوى خارقة توجهه وتتحكم في كل تصرفاته التي تأخذ تميل للحدة في القول والحمق في الحديث والشدة في التصرفات والتهور في الفعل دون تقدير سليم لعواقب الأمور أو تقدير صحيح للنتائج، وذلك كرد منه على إزدراء الناس له ومطاردتهم له أينما حل، وارتحل حتى ينتهي به الأمر عنصرًا منبوذًا، وقد يقتلونه أو يتم إيداعه في مصحات مقيدًا بالأصفاد والسلاسل لتقييد حركته وللحد من مشاكله.

لقد ساهمت الروايات والقصص والأساطير الشعبية والأفلام، في نشر وترسيخ معتقدات خاطئة حول تفسير ما يعتري الإنسان من تغيرات تجعل التفاهم معه صعبا، فيتم تصويره معتوها أو مجنونا غير قابل للعلاج.

وما زاد الأمر سوءًا، لجوء الطبيب إلى علاجه بجلسات الكهرباء التي كانت أقرب إلى العقاب المؤلم لأنها بدون مخدر مؤقت والمفروض أنها تكون لحالات معينة ولا تستغرق أكثر من دقائق قليلة جدا وخالية من أي آثار جانبية وتكون مصاحبة لخطة علاج وتناول الأدوية، كما ساهم الإعلام في الترويج لأفكار خرافية تتناول الأعراض النفسية مستوحاة من الخيال ولا أساس علمي لها.

لازالت الكثير من المجتمعات في عصرنا الحديث تتخبط في الجهل بطبيعة الأمراض النفسية، وبالرغم من التطور الكبير في مجال الطب فلا زال الاعتقاد سائدا بأن المرض النفسي هو نوع من الجنون أو نوع من المس وأنه لا أمل في شفاء المصاب به ولا جدوى من علاجه لدى الطبيب النفسي، بل الملاحظ أن يكون علاجه لدى أحد الرقاة بالعلاج القرآني الذي يمكن أن يوفي قدرًا كبيرًا من الراحة النفسية والسكينة، مما ينعكس إيجابيًا على حالة المريض.

أيضًا، شوهت ممارسات بعض المشعوذين التي بلغت حد ضرب المريض هذه الطريقة في العلاج فأصابت صحة المريض بانتكاسة مرضية، كما شاعت بعض الأدوية كعلاج نفسي وتسببت في إصابة المريض بالإدمان؛ لأنها كانت نوع من المخدرات التي تسلب قدرات المريض الفكرية لا أصل لها ولا صحة في قوائم العلاجات المتوفرة ولذلك لا تعطى إلا بأمر الطبيب.

ومن المعروف في العلاج الطبي، أن مفعول الأدوية بصفة عامة يحتاج لوقت قد يتجاوز الأسابيع ليظهر أثره على صحة المريض وذلك على حسب شدة المرض والانتظام في العلاج وتناول الأدوية، وكثير من الأمراض النفسية على وجه الخصوص قابلة للعلاج والشفاء على خلاف ما هو شائع عند بعض العامة وأن نسبة قليلة من الأمراض يمكن التحكم في علاجها عن طريق الأدوية، لذا وجب التنبيه على عدم ترك الأدوية بدون استشارة الطبيب المختص.

كثير من الحالات النفسية تبدأ بصورة بسيطة يمكن التعامل معها شفويا، لكن الخوف أن يوصم المرء بالجنون تمنعه من التردد على الطبيب النفسي أو البوح بأي من الأعراض التي تنتابه ويعاني منها، وبالتالي يتأخر علاجه حتى يغدو صعبا وحالة مستعصية كالفصام مثلًا الذي يفقد المريض في حالة تأخره عن العلاج الكثير من ملكاته العقلية في حين كان يمكن بالعلاج تأخير ظهور أعراض هذا المرض لو تمت المعالجة في وقت مبكر .

التقدم المحقق في المجال الطبي، قد أتاح إمكانية التشخيص الدقيق بين المصاب بمرض نفسي كالاكتئاب والوسواس القهري، أو عصبي، كالصرع والانهيار، أو عقلي، كعدم القدرة على التفكير المنطقي السليم والتخريف في الحديث، والتفريق العلمي بينهم، يوفر المرئية العلمية لرسم خريطة العلاج المناسب.

وفي كل الأحوال، فمما لا شك فيه أهمية الدعم المعنوي والمساندة للمريض من أهله ومن المقربين منه كأحد مقومات العلاج الصحيح، ومع ذلك لا تزال بعض العائلات لا تتقبل زيارة المصاب بالمرض النفسي أو العصبي أو العقلي بل وتحاول أن تخفي المريض عن الأنظار أو تنكر إصابته بالمرض، ثم لا تشرع بزيارة الطبيب إلا إذا استفحل المرض.

الحقيقة، إن هذه الأمراض كغيرها من الأمراض العضوية له أساس عضوي متمثل في اختلال الناقلات العصبية في الدماغ وتأثر مراكز الدماغ الرئيسية به، مما يسبب خللا في المشاعر أو في طبيعة السلوك والإدراك والتفكير، فتظهر علامات المرض بحسب نوع الاختلال، ومنه وجدت أنواع مختلفة من الأدوية التي تعمل كل واحدة منها على نوع الناقل العصبي المختل.

ولعل من أسرار النفس البشرية، قوة تأثير الأفكار عليها سواء في المشاعر أو في السلوك، ويقال أنه إذا راودتنا أفكار مفرحة نكون سعداء، وإذا سيطرت علينا أفكار حزينة نكون تعساء، وإذا تملكتنا أفكار مخيفة، فغالبا ما نصبح مرضى أو جبناء نشعر بالذلة، وإذا فكرنا في الفشل أتانا الإخفاق سريعا، وإذا شرعنا نتحدث دائما عن متاعبنا ونندب حظنا العاثر في الحياة ونرثي لأنفسنا فسيهجرنا الناس ويتجنبون صحبتنا، فكل شخص لديه ما يكفيه من المتاعب والمشاكل.

إن مقاومة القلق ودفع المخاوف واتقاء الإصابة بالأمراض، يمر عن طريق تحويل الأفكار وتأثيرها في حياة الناس وهو ما يعرف في علم النفس بالبرمجة العصبية اللغوية، وعن طريق ما يعرف بالإيحاء الذاتي يمكن تحويل الحياة تحويلًا شاملًا برد الأفكار الخاطئة من البداية، فذلك أيسر من التعامل معها لقطعها وإبعادها بعد استحكامها، واقتلاع الأفكار الخاطئة يكون بزرع الأفكار النافعة المضادة لها كالشجاعة وقوة الثقة بالنفس ومقاومة التردد والقلق بالاستعانة بالله تعالى في الإقدام.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: واجب الاعتذار.. خلق أصيل أم سلوك مكتسب!