بالتزامن مع الكريسماس.. كيف تُعزز الإجازات من ترابط الأسرة وحيويتها؟

يحتفل العالم في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر من كل عام، بالكريسماس وأعياد الميلاد المجيدة، وتسعى العديد من الأسر لاستغلال الإجازات الرسمية من أجل تجديد الروابط الجميلة، التي اندثرت بفعل دوامات العمل المتتالية، ودون أن يلمس الآباء أهمية الراحة؛ يقعون في فخ الروتين القاتل لأجمل العلاقات بين العائلة الواحدة.

وحول تأثّر المجتمعات بالعادات الغربية، وأهمية الإجازات للحفاظ على الترابط الأسري، كشفت الدكتورة زينب مهدي؛ خبيرة الإرشاد الأسري، والمعالجة النفسية، في تصريحات خاصة لمجلة "الجوهرة"، عن أهمية تجديد الكفاءات الأسرية في فترة الإجازات.

كيف تؤثر الإجازات بالإيجاب على الأسرة؟

قالت الدكتورة زينب مهدي، إنه لابد للأسرة أن تعي جيدًا مفهوم الصحة النفسية، وهي تتمثّل بمنتهى البساطة، في قدرتهم على الحب، والعمل، وبالتالي فإن كان الإنسان يعاني من الحب في حياته، أو من قصورٍ ما في عمله؛ إذًا فهو يشكو من خطب ما، أو اضطراب ما، ولذلك فهو يحتاج إلى مساعدة وعلاج.

وأكدت "مهدي"، أنه كي تحصل الأسرة على الكفاءة في العمل، لابد من أوقات عطلة أو راحة، وهي ما تُسمى بالإجازات.

شحن الطاقة الإيجابية

لفتت الدكتورة زينب مهدي، إلى حتمية حصول الفرد على الإجازات، وذلك لشحن الطاقة الإيجابية، وتفريع حياته من السلبيات المتعلقة بالضغوط المهنية، التي تأخذها الأسرة من العمل، حتى تستبدلها بأخرى إيجابية، قائلة، "ففي الإجازات تبتعد الأسرة عن امتصاص الضغوط العصبية، و تبدأ في التقرب من بعضها البعض، علمًا بأن ممارسة الترابط الأسري، يُعزز من الطاقات الإيجابية داخل الإنسان، وذلك لما تحتوي عليه طاقة الحب، من سحر يشفي الأمراض النفسية والعضوية".

وأضافت، أن الإجازات التي تُقرّب أفراد الأسرة، تساهم في ارتقاء معدلات الصحة النفسية، حيث أن السعادة الأسرية تعد عاملًا هامًا، فيلاحظ أن أغلب الحالات النفسية لبعض المرضى، كانت ناتجة من قصور ما في الأسرة، سواءً بالطلاق، أو الموت، وخلافه.

كما حرصت "مهدي" على التأكيد على أهمية العمل، في حياة الأسرة؛ لتحقيق الذات، وكسب المال، إلا أنه يُسبب كوارث لا حصر لها، عندما يأتي على حساب وقت الراحة، الذي يُحقق إشباعًا روحيًا ونفسيًا، من خلال الاجتماع بأفراد الأسرة، وقضاء عطلة مختلفة وممتعة.

الإجازات والمرأة

تحتاج المرأة العاملة إلى راحة عضلية وفكرية من أعباء العمل، خاصة أنها تعاني من صراع الأدوار، ما بين العمل والمنزل، لكن ما تجهله العديد من السيدات أن المرأة غير العاملة، تعتبر في أمس الحاجة إلى فترات راحة تعيد الرونق إلى حياتها، حسبما أفادت خبيرة الإرشاد الأسري.

حيث أوضحت أن المرأة غير العاملة، تعيش في وظيفة يومية داخل المنزل، وهنا تنتظر إجازة من زوجها، للإعفاء من مهامها الشاقة، بإعطائها حيز من تفكيره، وتخصيص وقت للاستمتاع بيومه مع أفراد أسرته.

ولتحقيق أكبر استفادة من العطلات، على الأسرة أن تبتعد تمامًا عن التفكير في أمور تخص العمل، واستغلال الكريسماس أو ما شابه من إجازات، في الاستمتاع بكل دقيقة، ووضع برنامج ترفيهي يُشجع أطراف الأسرة على التقارب، لاسيما بين الزوجين، ومشاركة أجمل اللحظات.

تقديس الأسرة للحظات الراحة

من جهتها، أفادت دكتورة هالة الأطروش؛ الاستشاري الأسري والخبير التربوي، في تصريحاتها الخاصة لـ "الجوهرة"، بأن من لم يتقن فن الراحة، لن يتقن فن العمل، مؤكدة أن هذه حقيقة غفل عنها الكثيرون، بعدما شغلتهم أعمالهم حتى عن أنفسهم؛ فباتوا اَسارى العمل، وأضحت منازلهم هاوية مفككة، فلم يعد الزوج يرى زوجته، أو يسعى لتلبية احتياجاتها، ويراعي مشاعرها وصحتها النفسية كما ينبغي، ولم يعد الأخ يكترث لشقيقته، ولا تعبأ الأخت بما يحدث لأخيها.

وأضافت، أن الآباء انشغلوا حتى عن أبنائهم، فباتوا صوريين من جراء العمل، بحثًا عن زيادة الدخل، أو طمعًا في مكانة اجتماعية مرموقة.

كما أوضحت، قائلة: "هناك حقيقة يجب علينا أن ننتبه لأهميتها، وهي الترويح عن النفس، والعناية بها، وأخذ القسط الكافي من الراحة كلما حانت لنا الفرصة، بل علينا الاستمتاع بلحظات الراحة، ونُقدّسها، حتى يستعيد الفرد نشاطه، ويصبح جاهزًا لاستقبال المزيد من العمل، والإنتاج الغزير، فيضحي وقتها الفرد فعّالًا بزيادة إنتاجه لمؤسسته، ووطنه".

استغلال الإجازات لتعزيز الترابط الأسري

أكدت الأطروش على أهمية الإجازات بالنسبة للأسرة، حيث قالت: "بالنسبة للأسرة؛ على الفرد أن يحتضنهم في وقت راحته، ولم شملهم، ويجمعهم في روحاته، وأوقات طعامه كلما تمكن من ذلك".

وأوضحت أن كل إنسان يترك أسرته لا عائل لهم، فإنه "يتركهم محرومين، يتامى وسط آبائهم، مفككين، لا يجمعهم لقاء حتى أثناء أداء الصلوات، أو تناول الطعام؛ فكيف لهم أن يهنئوا ويهدئوا!"، على حد وصفها.

كما أشارت دكتورة هالة إلى خطورة "الساندويتش"، الذي كان سببًا في تفكيك شمل الأسرة، وتجمعها على طاولة الطعام، موضحة: "ليس المقصود بالطعام في حد ذاته، بل هو أحد أهداف تناوله، حيث يزداد الترابط الأسري على طاولة واحدة، عندما يطمئنون على أوضاع بعضهم البعض بالكلمات الحانية، وتفقد الأحوال وشرح المشكلات، وإقامة حوار راقٍ بناء فيما بينهم."

الراحة فن لابد من اتقانه

واختتمت الأطروش تصريحاتها قائلة: "لقد فقدنا للأسف تلك المعانٍ الثرية، باللهث وراء لقمة العيش، فأنستنا قيمة الأسرة ولم شملها، بعدما ضاع أطراف الأسرة في طاحونة وسط ضجيج العمل، وإلحاح المدنية الزائفة، حتى أسلبتنا فطرتنا النقية، فلم تعد الأنثى أنثى، ولم يعد الرجل رجلًا، فضج البيت بساكنيه شكوى، في ظل غياب الراحة ومعانيها السامية، وأدمى العمل عناصر المجتمع، وهنا لابد من الوقوف عند التساؤل، هل لنا من العودة إلى اتقان فن الراحة؟!"