بكت على إعدامها جولدا مائير.. قصة "هبة سليم" أخطر جاسوسة مصرية

تعتبر هبة سليم أخطر جاسوسة جندها الموساد الإسرائيلي في مصر، ونجحت السلطات المصرية في كشفها وإعدامها، وبكت جولدا مائير على أعدامها، وماتت في نفس العام الذي رحلت فيه هبة سليم.

ورغم مرور 50 عاما على إعدام الجاسوسة، إلا أن هناك العديد من الأسرار مازالت تتكشف، حيث جرى تجنيدها أثناء دراستها في باريس، وحصلت على معلومات سرية عن خطط الجيش الدفاعية ولا سيما حائط الصواريخ التي كانت تحمي العمق المصري.

لم تكن هبة قد تجاوزت العشرين من عمرها عندما وقعت نكسة حزيران 1967، وكانت قد حصلت على شهادة الثانوية العامة، في عام 1968 ألحت على والدها الذي كان يعمل وكيلا لوزارة التربية والتعليم، في السفر إلى باريس لإكمال تعليمها الجامعي، وأمام ضغوط الفتاة، وافق الأب من دون أن يخطر على باله ولو للحظة واحدة، ما سوف تتعرض لهُ ابنته في فرنسا، في البداية كانت تسعى للحصول على وظيفة لدى السفارة المصرية في باريس ولكنهم رفضوا توظيفها وحاولت لدى الملحق العسكري وقوبل طلبها بالرفض.

تجنيدها

جمعتها مدرجات الجامعة بفتاة يهودية من أصول بولندية وأعطتها زميلتها البولندية فكرة عن الحياة في إسرائيل وأنهم ليسوا وحوشا وأنهم يكرهون الحرب وأنهم يريدون فقط الدفاع عن مستقبلهم ومستقبل أجيالهم القادمة ويريدون الأمان، وجُندت لصالح المخابرات الإسرائيلية.

وقد كان لها أستاذ بالجامعة فرنسي الجنسية. اقنعها بالالتحاق بجامعة السوربون بفرنسا لاكمال دراسة اللغة الفرنسية. وقال لها انه سوف يسهل لها الاجراءات. وقد كانت هذه هي نقطة البداية.

في أول أجازة لها في مصر كانت مهمتها الأساسية تنحصر في تجنيد فاروق الفقي الذي كان يلاحقها ووافقت علي خطوبته وبدأت تسأله عن مواقع الصواريخ الجديدة التي وصلت من روسيا. وكانت ترسل كل المعلومات التي حصلت عليها إلى باريس واستطاعت تجنيده ليصير عميلاً للموساد وتمكن من تسريب وثائق وخرائط عسكرية بها منصات الصواريخ «سام 6» المضادة للطائرات.

تجنيد المقدم فاروق الفقي

روت هبة ذات يوم لضابط الموساد الإسرائيلي عن المقدم مهندس فاروق عبد الحميد الفقي الضابط في الجيش المصري، ومطارداته الساذجة لها في أروقة النادي ولا يكف عن تحين الفرصة للانفراد بها. وإظهار إعجابه الشديد ورغبته الملحة في الارتباط بها. لقد ملت كثيراً مطارداته لها من قبل في النادي وخارج النادي، وكادت يوماً ما أن تنفجر فيه غيظاً في التليفون عندما تلاحقت أنفاسه اضطراباً وهو يرجوها أن تحس به. ولكنها كانت قاسية عنيفة في صده. تذكرت هبة هذا الضابط الولهان، وتذكرت وظيفته الهامة في مكان حساس في القوات المسلحة المصرية.

كاد الضابط الإسرائيلي يطير من الفرح بذلك الصيد الثمين وقد تغيرت الخطة، فبدلا من أن ينحصر دور هبة في اللعب بأدمغة الطلاب العرب الذين يدرسون في الجامعات الفرنسية المختلفة بات من الممكن أن تلعب دورا أكبر وأهم، ولم يضيع ضابط الموساد وقتا ولم تمر سوى أيام معدودات حتى رسم لها خطة لاصطياد فاروق وتجنيده بأي ثمن، حتى لو كان هذا الثمن هو خطبتها له.

وبدأت تدريجياً تسأله عن بعض المعلومات والأسرار الحربية. وبالذات مواقع الصواريخ الجديدة التي وصلت من روسيا. فكان يتباهى أمامها، ويجيء بها بالخرائط زيادة في شرح التفاصيل.

كان فاروق يشعر أمام ثقافة هبة الفرنسية الرفيعة ووجهات نظرها شديدة التحرر بنقص شديد، راح يعوضه بالتباهي أمامها بأهميته ويتكلم في أدق الأسرار العسكرية، وهبة من جانبها تسخر مما يقول حتى كانت المفاجأة التي لم تتوقعها ذات يوم، عندما دعاها إلى بيته وتحدث معها في أدق الأسرار العسكرية قبل أن يفاجئها بعدد من الخرائط العسكرية الخطيرة التي كان يحملها في حقيبة خاصة، ويشرح لها بالتفاصيل أماكن المواقع الجديدة.

أرسلت هبة ما حصلت عليه من معلومات من فاروق إلى باريس حيث ضابط الموساد الذي يتولاها برعايته وأرسل هذه المعلومات من فوره إلى تل أبيب التي سرعان ما توصلت إلى صحة هذه المعلومات وخطورتها فطلبت من رجلها في فرنسا أن يوليها اهتماما كبيرا، باعتبارها عميلة فوق العادة.

كان جهاز المخابرات المصري يبحث عن حل للغز الكبير، والذي كان يتمثل في تدمير مواقع الصواريخ الجديدة أولاً بأول بواسطة الطيران "الإسرائيلي"، وحتى قبل أن يجف البناء وكانت المعلومات كلها تشير إلى وجود "عميل عسكري" يقوم بتسريب معلومات سرية جداً إلى "إسرائيل".

خطة القبض عليها

رسمت المخابرات المصرية خطة برئاسة الفريق أول رفعت جبريل من أجل إحضار هبة إلى مصر وعدم هروبها إلى إسرائيل إذا ما اكتشفت أمر خطيبها المعتقل، وكانت الخطة تتضمن أن يسافر اللواء حسن عبد الغني ومعه ضابط آخر من جهاز المخابرات إلى ليبيا لمقابلة والدها الذي كان يشغل وظيفة كبيرة في طرابلس، وإقناعه بأن ابنته هبة التي تدرس في باريس تورطت في عملية خطف طائرة مع منظمة فلسطينية، وأن الشرطة الفرنسية على وشك القبض عليها، وما يهم هو ضرورة هروبها من فرنسا لعدم توريطها، لذا يجب السعى لخروجها من فرنسا لمنع الزج باسم مصر في مثل هذه العمليات الارهابية، وطلب الضابطان من والد هبة أن يساعدهما بأن يطلبها للحضور لرؤيته بزعم أنه مصاب بذبحة صدرية.

أرسل والد هبة برقية عاجلة لابنته فجاء ردها سريعًا ببرقية تطلب منه أن يغادر طرابلس إلى باريس، حيث إنها حجزت له في أكبر المستشفيات هناك، وأنها ستنتظره بسيارة إسعاف في المطار، وأن جميع الترتيبات للمحافظة على صحته قد اتخذت. ولكي لا تترك المخابرات المصرية ثغرة واحدة قد تكشف الخطة بأكملها. فقد أبلغت السلطات الليبية بالقصة الحقيقية، فتعاونت مع الضابطين من أجل اعتقالها. قامت المخابرات الليبية بحجز غرفة في مستشفى طرابلس لوالدها وإفهام الأطباء المسؤولين مهمتهم وما سيقومون به بالضبط، ثم أرسل والدها مجددا لابنته يخبرها بعدم قدرته على السفر إلى باريس لصعوبة حالته. وبالفعل صح ما توقعته المخابرات المصرية إذ أرسل الموساد شخصين للتأكد من وجود والدها في المستشفى الليبي وعندها فقط سمح لها بالسفر على متن طائرة ليبية في اليوم التالي إلى طرابلس.

عندما نزلت هبة عدة درجات من سلم الطائرة في مطار طرابلس الدولي وجدت ضابطين مصريين في انتظارها، صحباها إلى حيث تقف طائرة مصرية على بعد عدة أمتار فسألتهما: إحنا رايحين فين؟ فرد اللواء حسن عبد الغني: المقدم فاروق عايز يشوفك، فقالت: هو فين؟ فقال لها: في القاهرة، صمتت برهة ثم سألت: أمال أنتوا مين؟! فقال: إحنا المخابرات المصرية، وعندها أوشكت أن تسقط على الأرض. فأمسكا بها وحملاها حملاً إلى الطائرة التي أقلعت في الحال.

إعدامها

مثلت هبة أمام القضاء المصري ليصدُر بحقها حكم بالإعدام شنقا بعد محاكمة اعترفت أمامها بجريمتها، وأبدت ندماً كبيراً على خيانتها بل إنها تقدمت بالتماس لرئيس الجمهورية لتخفيف العقوبة لكن التماسها رفض.

وكان وقتها هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي قد حضر إلى أسوان لمقابلة الرئيس السادات، في أول زيارة لهُ إلى مصر بعد حرب أكتوبر 1973 وفوجئ السادات بهِ يطلب منهُ بناء على رغبة شخصية من جولدا مائير أن يخفف الحكم عليها، التي كانت تقضي أيامها في أحد السجون المصرية. وفطن السادات أن الطلب سيكون بداية لطلبات أخرى ربما تصل إلى درجة إطلاق سراحها، فنظر إلى كيسنجر قائلاً: تخفيف حكم؟ لقد أعدمت، وعندما سأل كيسنجر بإستغراب: متى؟! رد السادات دون أن ينظر لمدير المخابرات الحربية الذي كان يقف على بعد خطوات وكأنه يصدر له الأمر: "النهارده"، فنفذ حكم الإعدام شنقاً في هبة سليم في اليوم نفسه في سجن الاستئناف بحي باب الخلق وسط القاهرة.

أعمال درامية عن هبة سليم

كتب الكاتب صالح مرسي رواية الصعود إلي الهاوية التي اقتبست عن قصة هبة سليم، وتحولت لاحقاً إلى فيلم سينمائي، وجسدت فيهِ الممثلة مديحة كامل دور هبة ولكن بأسم آخر هو عبلة كامل، أما الممثل محمود ياسين فقد أدى دور ضابط المخابرات المصرية.

إقرأ أيضًا 

لأول مرة في التاريخ.. تنفيذ حكم الاعدام بالنتروجين في أمريكي