صبحة بغورة تكتب: دموع حـواء.. زيف أم حقيقة!

تحدث العاطفة الطبيعية الجياشة لدى المرأة، رد فعل سريع ومؤثر تجاه ما تصادفه من مواقف صعبة، وأمام ما تتعرض له من أحداث أليمة، وما تواجهه من تصرفات غريبة مهما كان نوعها، لذلك، فهي سريعة التجاوب مع الشاكي والمظلوم، ودموعها قريبة في كل الأحوال حتى في الأفراح والمسرات كما في الأحزان والأتراح، فما هو المفجر لينابيعها الدمعية؟ و ما هو السر وراء طوفان الدمع الذي لا ينضب؟.

وجهت بعض الدراسات الحديثة، اهتمامها للبحث في دموع المرأة؛ إذ أشارت إلى أن دموعها تشكل صمام الأمان الفعلي لجسدها وروحها نظرًا لتأثيرها الكبير على تخفيف الهموم الكبيرة وإزالة الصغيرة، كما ثبت أن للدموع فوائد في بعض الأمراض العضوية مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض المعدة والقولون، وأمراض نفسية أخرى مثل الاكتئاب والخوف والقلق والانهيار العصبي التي تحدث غالبًا نتيجة الإرهاق النفسي والضغط العصبي.

وغالبًا ما تكون هذه الأعراض أشد لدى المرأة التي تحجم عن التعبير عن غضبها وتكتم مشاعرها وتكبت أحاسيسها وتلجم لسانها ولا تفصح بالقول الحقن، وما يجلبه البكاء أيضًا من فوائد أنه يزيد من تدفق الأكسجين في دماغ الإنسان وعضلاته، ويخلق في النفس إحساسًا بالعافية.

ومن النساء من احترفت البكاء في أبسط المواقف ولأتفه الأسباب، لديها قدرة عجيبة في استحضار دموعها لجلب استعطاف من حولها إلى صفها أو لتأكيد مظلومية، دموع لا تعبر عن مشاعر حقيقية لأنها تخفي غرض معين في نفسها، أي أنها تستخدم دموعها خاصة تجاه زوجها، والكثير من الأزواج أصبحوا يدركون ذلك ويسمونه "دموع الدلع" و" دموع النصب"، فهم لم يعودوا يصدقون دموعها ولو بلغت حد الطوفان. هناك اختلاف حول دموع المرأة إن كانت ـ حسب فريق من الاختصاصيين ـ تعبيرًا صادقًا عن ما يجول في خاطرها، أم أنه دليل ضعفها وقلة حيلتها، في الحالتين المؤكد أن المرأة كتلة من المشاعر الحساسة والعواطف الرقيقة، لذا، تتأثر كثير لأي مشهد عنيف وقاسي أو لمجرد سماعها كلمات تخدش كيانها، أو تمس احترامها واعتدادها بنفسها؛ فتجهش بالبكاء.

وبرأي فريق آخر، قد تكون عبراتها خدعة للتأثير على الزوج مثلا الذي لم يأبه لطلبها أو لم يحقق رغبتها في شيء، والاعتقاد لدى معظم الرجال أن المرأة قد دربت عينيها على البكاء، ويحذرون من تصديق المرأة بعد رؤية دموعها.

وعلى جانب آخر، يرى البعض أن لدموع المرأة جاذبية خاصة وأن لبكاء بعضهن صمتا ورقة مؤثرة ترضي كثيرًا غرور الرجل الذي يجد دموعها الرقيقة عزيزة على قلبه، وهم إذ لا يقبلونها في كل وقت فإنهم يفضلونها في المناسبات، وينظرون بكثير من التعاطف إلى بعض الحالات خاصة التي تحمل معاني الكبرياء والعزة، وليس النواح العالي ومظاهر الضعف.

وقد تجد دموع المرأة قبولًا لدى بعض الرجال إن لم يكن استحسانًا!؛ حيث يلمسون فيها معاني إنسانية رهيفة ويدركون معها عمق الدلائل على ذلك القدر الكبير من شفافية المشاعر، وفي ذلك قال سقراط: " تستطيع الشمس أن تجفف مياه المحيط، لكنها لن تستطيع أن تجفف دموع المرأة".

المرأة ضعيفة بطبيعتها، طيبة، ترضيها اللمسة الحانية وأي كلمة حب وعطف، وهي تحاول تصديق ما يقال لها من حلو الكلام ولو لم يكن حقيقيا ومن القلب، فقلبها في أذنيها يطربه لحن القول والغزل الطيب ولا شيء في الدنيا يعوضها عن حب زوجها، لأنها تشعر معه بأنها الملكة المتربعة على عرش قلبه، لذلك، تبكي المرأة وهي فرحة، وتبكي وهي حزينة، تبكي وهي مريضة، وتبكي وهي غاضبة، فالدموع سلاحها الوحيد للتعبير عما بداخلها في كل الأوقات، فلماذا لا يصدقها أحد؟ ولماذا لا يحاول زوجها أن يتعاطف معها ويحسن تقدير الظروف والأسباب التي دعتها للبكاء؟.

لدى المرأة أحاسيس رهيفة ومشاعر رقيقة ولا تتحمل حضور مواقف القهر والظلم ولا تستطيع التصدي لها، وأكثر ما يؤلم المرأة أن تتعرض للإهانة وجرح كبريائها، فتعبر عن ذلك لا شعوريا بالدموع لأن عاطفتها هي المحرك لهذه الدموع خاصة في المواقف الإنسانية، ورقتها وحنانها وشفافيتها العالية هي جزء من تركيبتها العاطفية و أحاسيسها الصادقة.

والثابت، أن البكاء أسلوب تعبيري طبيعي لجميع الأعمار وكافة الفئات يتساوى فيه الذكر والأنثى على السواء وليس بالضرورة دلالة على ضعف موقف أو نقص حيلة أو لحساسية مفرطة، بل إنه ترجمة لمشاعر طبيعية تتساوى فيها المرأة والرجل يترجمها كلا منهما حسب عمق إحساسه و ودرجة تأثره بالمؤثر الذي تعرض له، الذي يمكن أن يكون خارجيا أو داخليا ذاتيا، كالإحساس بالألم العضوي أو المعاناة من هواجس المرض النفسي.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: ضوابط الحياء والخوف في تربية الأطفال