روز العودة تكتب: المرحلة الملكية.. عقلانية مطلقة

يمر الإنسان خلال رحلته في الحياة بمراحل مختلفة، يتأثر في بعضها بالآخرين، ويؤثر لاحقًا فيهم، استنادًا إلى مركزه بالحياة، والدور الذي يلعبه في محيطه الاجتماعي، وبيئته التي عاش فيها، بما في ذلك بيئة العمل.

وخلال تلك الرحلة، تتباين مشاعر ومواقف الإنسان، طبقًا للظرف الذي يتواجد فيه؛ فغالبًا ما يرتفع ترمومتر الانفعال؛ نتيجة موقف غير مُرضٍ، أو سلوك غير مألوف، أو تصرف غير لائق.

وفي مواقف أخرى، يبدو الإنسان متوازنًا ساكنًا قادرًا على السيطرة على انفعالاته وتصرفاته، وردود أفعاله تجاه الآخرين، وتظل تلك المعطيات ملازمة له طوال مراحل حياته؛ حتى يصل البعض إلى مرحلة خاصة من النضج العقلي والفكري، يطلق عليها الدكتور خالد بن صالح المنيف اسم "المرحلة الملكية".

وترمز كلمة الملكية- وفق المنيف- إلى أمرين جميلين؛ أولهما فخامة وروعة المرحلة، والآخر أن حياتك ستكون ملكًا لك، وستهنأ فيها بممتلكات واسعة من السعادة وراحة البال. إنها مرحلة يمتلك فيها الإنسان حياته، وتتسع فيها المدارك، وتبعد فيها النظرة ويتسع فيها الصدر.. مرحلة تتشكل بعد جملة من الخبرات والتجارب، وكمٍ من المواقف يتعامل صاحبها معها بعقل واعٍ وفكرٍ ثاقب؛ فيتعلم منها أشياء جميلة.

في تلك المرحلة المميزة من حياة الشخص المحظوظ الذي يصل إليها ويكتشفها، سيتميز بفهم وسكينة نفس عالية الملامح؛ فلن يتورط في جدالات مع جهلة، ولن يُستدرج لمعارك صغيرة، ولن يبذل جهدًا على ما لا يستحق من موضوعات، ولن يبدد وقته في إقناع من لا يريد أن يفهم في محاولات تعديل مساره، ولن يعطي توافه الأمور أكثر من قدرها، فلن يزعجه صوت طفل، ولن يقض مضجعه سكب العصير على السجاد؛ في تلك المرحلة لن يؤجر عقله لأحد، ولن يجعل من حوله يفكر نيابةً عنه.

والشاهد، أنَّ أهم مقياس يميز شكل حياة الشخص في تلك المرحلة؛ هو العقلانية المطلقة، وموازنة الأمور والأحداث والمواقف، فعندما يُبتلى بكاذب فلن تتحرك فيه شعرة، ولن يهدر ما تبقي من عمره في البحث عن الأفضل والأجمل، بعد أن يدرك أنه المسؤول عن صحته وكل شئون حياته، وسيعرف حينها أنه لن يحمل همَّه أحد، وأنه راضٍ عن نفسه ومواقفه وتصرفاته؛ لأن مرجعها العقل والحكمة.

إنَّ أهم قيمة يكتشفها الإنسان في تلك المرحلة، أنَّ الهداية بيد رب العالمين، وأنه لن يستطيع إنسان أن يهدي آخر إلى الطريق القويم، دون أن يكتب الله له سبل الهداية والرشد.

                                                                                                                                          روز العودة                                                                                                                                         رئيس التحرير