الناس حيال كتابة الأدب ضربان؛ أحدهما يترك قلمه يقول ما يريد قوله، دون أن يقيده بقيد فني أو باعتبار حِرَفي، بل منهم من يترك أحلامه تتسلل إلى النص سواء كان يحدث هذا طواعية أو رغمًا عنه، وهذا الضرب من الكتّاب والمؤلفين مغرق في الذاتية، هو في الحقيقة يكتب نفسه لنفسه.
وضرب آخر يرى أن كتابة القصة صنعة، فن قائم على أسس وقواعد؛ فيتبع هو راغبًا أو صاغرًا هذه القواعد واحدة تلو الأخرى، حتى يكتمل عمله في نهاية المطاف.
وذاك ضرب ذكي، في الواقع، وإن كان أبعد هو روح الفن والإلهام، بما هو انفجار حاد على الأوراق، هؤلاء أذكياء لأنهم يتوسلون بالأدب بغية الوصول به إلى ما هو أبعد منه، كالتغيير أو إحداث طفرة ما، أو إجراء خلخلة في بنية مفاهيم فاسدة.. إلخ. ويستبين ذكاء هؤلاء أيضًا في كونهم لا ينسون أنفسهم، أي أنهم يعبرون عن ذواتهم، ولكن بطريقة حرفية عالية، حتى إن القارئ لن يشعر أنه أمام نص به مِسحَة من ذاتية.
فأنت أمام عمل أمعن صاحبه في الحِرَفيّة، فلم يترك قلمه يهذي بدعوى أن الفن لا ضابط له ولا رابط، هناك مدرسة تذهب هذا المذهب، وأنا واحد منها، وإنما آثر الرجل، على المقلب الآخر، أن يكون وفيًا لفن القصة القصيرة بوصفة صنعةً وحِرفة. يبدأ «مجيد طوبيا»، في الغالب، قصصه بداية لافتة، آسرة، بديعة، ثم ينهيها نهاية غير متوقعة، وعادة ما تكون بديعة وإنما بسيطة. كثير من القصص هنا تصلح تمامًا أن تكون مشروع رواية بحد ذاتها؛ فقد جاء البعض منها طويلًا جدًا، وربما آسر الراحل «مجيد طوبيا» أن يطيل في خيوط بعض القصص، وربما أرادت القصص لنفسها ذلك.
فأنا أفضّل أن يشتغل الفنان/ القاص على اللغة كما على الحكاية تمامًا، فلا أهمية عندي للحكاية، مهما كانت ذكية الحبك، ما لم تُقل بلغة أنيقة، بل ومبتكرة. الفنان الحق هو من ينحت لكل عمل لغته الخاصة.
أخيرًا، لدى «مجيد طوبيا» انهمام أيديولوجي، وإن لم يكن واضحًا تمامًا، ولكنك تستشفه بين السطور؛ فالرجل، على سبيل المثال، مهموم بالحرب، نكسة يونيو/ حزيران 1967م مثلًا، وانعكاساتها الاجتماعية. وبالتالي أنت أمام عمل فني مكتمل الأركان، ناهيك عن المتعة التي ستجلب لك حال القراءة، وبعض اللفتات غير المتوقعة في السرد أيضًا.
اقرأ أيضًا: «مشروع سباق الإعلام» يعلن فوز 10 أفكار إبداعية من بين 770 فكرة