المرأة السعودية.. تمكين غير مسبوق

أ.د. رانيا يحيى  عميدة المعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون

“حقوق المرأة العربية تضرب بجذورها في عمق التاريخ”؛ هكذا ارتأت المؤرخة السعودية؛ هاتون الفاسي، مستعينةً بأدلة من الحضارات القديمة الموجودة في الجزيرة العربية، والتي تمتعت فيها المرأة بشخصية قانونية مستقلة، ولكنها فقدت الكثير من هذه الحقوق في ظل القانون اليوناني والروماني، قبل دخول الإسلام، وللأسف بقت هذه المعوقات كأعراف وتقاليد حتى بعد ظهور الإسلام.

ومع استمرار الوضع على هذا الحال، لمدد طويلة، كان لا بد للتغيير أن يحدث، ويطال كل المسكوت عنه، والأفكار ذات المرجعيات الخاطئة، والموروثات التي جعلت من المرأة كائنًا حبيسًا، مطوقًا بتقاليد وأعراف بالية؛ فكان لا بد من أن تنطلق وينفك الحصار الخانق حول كيان بشري له حقوق وعليه واجبات.

وحينما توفرت الإرادة السياسية، أصدرت المملكة قرارات عدة، تؤكد الانحياز نحو تمكين المرأة، فنجد أسماء تبرق في سماء المملكة بعطاءات وإنجازات غير مسبوقة؛ ففي مجال البيئة يبز اسم ماجدة أبو راس، الذي يتلألأ بحصولها على جوائز عدة ومهمة، ومكانة مرموقة، باعتبارها خبيرة للتوقعات البيئية العالمية.

وتغدو غادة المطيري، إحدى الرائدات في مجال البحوث الكيميائية الصعب، الذي لم تقتحمه نساء كثيرات، لكنها لم تخشاه، بل أثبتت تفوقًا واستطاعت أن تبرهن على قدرة المرأة السعودية في هذا المجال، كأحد مجالات البحث العلمي اعتمادًا على النانو تكنولوجي.

وحققت الباحثة، عددًا من براءات الاختراع، وأثبتت ذاتها بعبقريتها وكفاءتها كواحدة من أعضاء هيئة التدريس بجامعة كاليفورنيا.

ومن الكيمياء إلى الطب وجراحة الأعصاب، تألقت وأبدعت في مجالها الدكتورة سامية الميماني، ببراءات اختراع للكشف عن الأمراض الخبيثة والأورام في وقت مبكر، وكذلك التحكم في الخلايا العصبية بواسطة جهاز اكتشفته؛ لتؤكد على مهارتها الطبية وذكائها في ذلك المجال شديد الدقة.

أيضًا في المجالات العلمية الدقيقة، وتحديدًا اقتحام مجال الصواريخ وإطلاق الأقمار الصناعية، والالتحاق بوكالة “ناسا” العالمية، تعمل “الميماني” في هندسة الطائرات والمراكب الفضائية، فلم تقيد نفسها بالمجالات النمطية أو الأكثر شيوعًا، لتخترق المرأة السعودية المجالات كافة، في تحد وإرادة ذاتية.

مسيرة الإصلاح

لقد بدأت مسيرة الإصلاح منذ عام 2005، وتطورت على نحو ملحوظ في خطوة غير مسبوقة، حين صدر الأمر الملكي أواخر عام 2014، بمشاركة المرأة بكامل حقوق العضوية في مجلس الشورى السعودي، وأن تشغل نسبة عشرين بالمائة، من مقاعد العضوية كحدٍ أدنى.

وبالفعل شاركت المرأة السعودية، بثلاثين عضوًا من جملة مائة وخمسين عضوًا يضمهم المجلس، مع الإقرار بمشاركة المرأة في الترشح والانتخاب لعضوية المجالس البلدية.

كذلك، اقتحمت المرأة السعودية، السلك الدبلوماسي سياسيًا لتلعب دورها “الأيقوني” على المستوى الدولي، حين تولت الدبلوماسية ريما بنت بندر، منصب سفير السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية، لتكون أول سيدة تشغل هذا المنصب الحساس، ممثلةً للرياض في سفارة واشنطن، عام 2019، أعقبتها آمال المعلمي، سفيرة في النرويج، عام 2020، ثم السفيرة إيناس الشهواني لدى السويد، عام 2021.

الصورة النمطية للمرأة

وفي السنوات الأخيرة، عملت المملكة العربية السعودية، على تحسين أحوال المرأة، والمضي قدمًا نحو تقدمها وإعلاء شأنها، وبذلت كثيرًا من الجهود لتغيير الصورة النمطية للمرأة، بقرارات مصيرية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – حفظه الله ورعاه – من ضمنها السماح للمرأة بالقيادة، وإتاحة دخول المرأة الملاعب لتشجيع المباريات.

وإحقاقًا للحق ينبغي أن نذكر شراكة المرأة السعودية في مجالات العمل المختلفة بالمستشفيات والبنوك وشغلها مناصب عليا بالوظائف العامة، وكونها أصبحت شريكًا مهمًا في العديد من الهيئات والجمعيات الأهلية؛ مثل: الغرف التجارية، والأندية الأدبية، وجمعيات الخدمات الاجتماعية، وغيرها.

النهوض بالمرأة العربية

ورغم هذا، يتبقى لدينا الإصرار على نزول المرأة في مجالات أخرى، لم يكن لها نصيب في خوضها، وتوليها مناصب قيادية تليق بمكانتها، وهو ما نثق في القيادة الحاكمة أن تضعه في الاعتبار، خاصة لاتفاق هذا التوجه مع مسيرة النهوض بالمرأة العربية.

مراسم كسوة الكعبة المشرفة

وللمرة الأولى، شاركت المرأة السعودية، ممثلة بمنسوبات الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، في مراسم صناعة كسوة الكعبة المشرفة وتغييرها؛ إذ يُعد تغيير كسوة الكعبة المشرفة، عادة سنوية في الأراضي المقدسة في بداية كل عام هجري.

وقد جرت مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة، بمشاركة 159 صانعًا مؤهلًا من أبناء المملكة العربية السعودية، عكفوا على صناعتها في مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة، بأيد فنها الإتقان؛ إذ جمعت نسيجها فيما يشبه البنيان المرصوص على مدار 365 يومًا؛ لضمان خروج الكسوة بأعلى درجات الإتقان والجودة.

وشاركت منسوبات الهيئة العامة للعناية بشؤون الحرمين، في مراسم تغيير كسوة الكعبة المُشرفة، في أول مشاركة لهنّ في هذا الحدث السنوي، في حين سبق أن عينت هيئة شؤون الحرمين الشريفين في المملكة، عشر سيدات، بمناصب قيادية.

وكانت السنوات الأخيرة، خير شاهد على ما تبذله الحكومات العربية للنهوض بدور المرأة، وفي الصدارة منها المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، رئيس مجلس الوزراء – حفظهما الله ورعاهما -.

إنَّ ما يشهده ملف المرأة من اهتمام ملحوظ خلال تلك الآونة، وخصوصًا في بلداننا العربية لهو حق أمر جدير بالتقدير؛ حيث بات تمكين المرأة وتغليب الإرادة السياسية للتغيير نحو الأفضل وثبة وانطلاقة تحظى بتأمل وتدقيق يتبعها إشادة مستحقة، ممن أحرز تقدمًا في هذا الملف.

وتأكيدًا لهذا الدور المنوط بالمرأة، يقول القائد الفرنسي التاريخي الشهير “نابليون”: “إذا أردت أن تعرف رقي أمة فانظر إلى نسائها”؛ وذلك لأنها عصب الحياة والعمود الفقري داخل أسرتها؛ حيث تتولى التعليم والتربية؛ فهي صانعة الأجيال والمستقبل.

 

الرابط المختصر :