تُعد منطقة الحُسين الآثرية، أحد أيقونات القاهرة التاريخية، وشاهد على تعاقب الحضارات والثقافات على مصر بآثارها الفاطمية وحاراتها التي تنتمي لعهود المماليك وغيرهم من الأمم التي تعاقبت على حُكم مصر.
ومن بين شوارع القاهرة؛ يحظى شارع المعز لدين الله الفاطمى، بأهمية شديدة عند زوار المنطقة التاريخية، خاصة في وجود شارع النحاسين، والذي يذخر بصُناع مهرة لأحد أهم الحرف اليدوية التى عرفتها مصر.
وعلى وقع طرق أدواتهم، يعزف النحاسون سيمفونية من الفن، يشكلون بها أروع التُحف النُحاسية تارة، والفضية تارة أخرى، ليخرجوًا تحف فنية من فوانيس ومباخر و”سبرتايات”، وغيرها من المقتنيات الثمينة التي يقبل على شرائها السياح والمصريين على حدًا سواء.
في البداية، يقول علي إبراهيم؛ صاحب الـ 50 عامًا، أحد صُناع التحف النحاسية بمنطقة النحاسين، إن الأوانى النُحاسية باتت تستخدم كتُحف ديكورية تضفي جمالًا على المنازل، وتلائم العديد من الأذواق، مشيرًا إلى أن التُحف تُصنع وفقًا لرغبة العميل، وقد ترصع بنقوش فرعونية أو إسلامية أو تصاميم نباتات متداخلة، وزخارف غائرة وبارزة.
وأردف إبراهيم، الصنعة تعتمد في الأساس على تشكيل ألواح النحاس، مشددًا على أن الصنعة تعتمد على الحس الفني لدى الصانع، حيث أن صناعة النحاس تحتاج في البداية لحس فني وتذوق وموهبة، لخروج المنتج في النهاية بأفضل صورة ممكنة.
وأوضح صانع التحف النحاسية، أن الأواني المصنوعة من النحاس تتحمل أكثر من مثيلتها المصنوعة من الألومنيوم، كما أنها صحية أكثر، مشيرًا إلى أن بعض المواطنين مازالوا حريصين حتى الآن على طهي طعامهم داخل أواني نُحاسية.
والتقط على محمد؛ 23 عامًا طرف الحديث ليُضيف: “حضرت إلى شارع النحاسين لشراء “سبرتاية” لعمل القهوة، لعلمي أن الشارع هو المكان الوحيد المتخصص في صناعة هذا النوع من الآلات بجودة عالية، مؤكدًا على أنه يحرص على اقتناء تُحف نحاسية لجودتها، ومتانتها وسعرها المناسب لميزانيته.
وفي السياق ذاته يقول وليد عبد العزيز؛ صاحب الـ 56 عامًا صانع نحاس، إن مهنة صناعة التحف النحاسية باتت مهددة بالإنقراض، مشيرًا إلى أن الصنّاع هجروا المهنة، عقب ضعف الإقبال على الشراء، لافتًا إلى أن شهر رمضان يشهد رواجًا في حركة البيع والشراء بالشارع.
ويضيف عبد العزيز: “ورثت مهنتي أبًا عن جد، إلا أنني رفضت أن يعمل أبنائي بها، نظرًا لضعف المبيعات، وقلة الإقبال على الشراء، علاوة على نفاذ صبر الشباب، ورغبتهم في العمل السريع، في حين أن صناعة النحاس تحتاج إلى بال رائق وصبر بلا حدود، فقررت توجيههم للدراسة؛ ليعملوا بمهن أخرى غير مهنة صناعة النحاس.
وحول أسباب ارتفاع أسعار بعض التحف النحاسية، أكد صانع النحاس أن أغلب المواد الخام المستخدمة في الصناعة، يتم استيرادها من الخارج، وبالتالي تأثرت بتعويم الجنيه المصري وارتفاع أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه، علاوة على الركود السياحي الذي تشهده البلاد.
وأوضح عبدالعزيز، أن صناع التحف النحاسية بدأوا في غزو الأسواق الخارجية، وتصدير منتجاتهم للخارج لعدة دول، من بينها: السعودية والكويت وهولندا وفرنسا وألمانيا وغيرها من الدول، كملجأ أخير للحفاظ على الصناعة من الاندثار.