غالية بنعلي: أحمد زكي مُلهمي في التمثيل والغرب يعشق الموسيقى العربية

"أنا حرة وأموت في الحرية، ومزاجي أعمل سحلية، أزحف على الأرض وع الحيطة، وأطلع وأنزل وأعمل زيطة، وأضرب في الشمس طرمبيطة، أنا حرة بديلي وبراسي، وما حدش يكتم أنفاسي، وما حدش ماسك احساسي"، تُعبر كلمات تلك الأغنية عن الطبيعة الغجرية للفنانة التونسية غالية بنعلي، وعن عشقها الشديد للحرية، حيث تنوعت مواهبها ما بين الغناء والرقص الاستعراضي، علاوة على التمثيل وتصميم الجرافيك، الكتابة الأدبية.

وتقول غالية أن عائلتها كان لها الدور الأكبر في عملها بالفن، مؤكدة على أن والدتها هي من أحببتها في فن الغناء، وأن والدها الطبيب الراحل علي بنعلي، كان داعمًا لها، وعلمها الكثير على مدار عمرها.

وللحديث حول بدايات غالية بنعلي بالغناء، مرورًا بالرقص الاستعراضي، وصولًا للتمثيل، حاورتها "الجوهرة"، وإلى نص الحوار: -

من اكتشف موهبتكِ الفنّية وكيف عملتي على تنميتها؟

مساري الفني لم يبدأ بالطريقة التقليدية بأن يكتشفني أحد ما، ولكني لا أؤمن بأن هناك من يدعم أو يُشجع، اكتشفت أنني من الممكن أن أنقل الثقافة العربية لأوروبا عبر غنائي، ونجحت بالتدريج، ومنذ الصغر كنت أغني بمنزلي برفقة والدتي، وكانت دائمًا ما تقدم لي النصائح؛ لذا أعتبر أن والدتي هي من اكتشفت موهبتي، وبالنسبة لتنمية موهبتي، فأنا حريصة على عدم التكلف في غنائي، وأغني على فطرتي، ومع الوقت تطور أدائي تلقائيًا.

أنتِ راقصة استعراضية ومغنية وممثلة وموسيقية ومصممة جرافيك، كيف جمعتي بين كل هذه الفنون؟

بالأساس غالية بنعلي "حكاءة"، وحينما تُجيد فن الحكي، يُمكنك أن تمارس أيا من الفنون وتجمع بينهم بسهولة، ودراستي في الأساس كانت فنون تشكيلية، فمن هنا عملت بمجال الرسم والتصميم والألوان، ومن خلال وجودي بمسارح أوروبا في التسعينات ببداية الموسيقى العالمية، دفعني للغناء والرقص، ودخلت مجال الفن بالصدفة، وحتى الآن لم أحسم أمر التمثيل، وأستطيع التوفيق بين كل الفنون وأوزع وقتي فيما بينها وبين حياتي كأم وإنسانة.

هل أثر نشأتكِ في عائلة ذات حس فني على احترافك الغناء؟

نحن عائلة محافظة وبرجوازية، وتقدر الفن لأقصى درجة، واحترافي للغناء جاء بالمصادفة، ووصلت لمرحلة الاحتراف مع تزايد الطلب على غناء ما أقدمه من فن، ما دفعني لتقديم المزيد من الأغاني في أوروبا، وشعرت وقتها أن وجودي في أوروبا مسؤولية، وبدأت في تصحيح مفاهيم ثقافية للأوروبيين حول ثقافتنا العربية؛ انطلاقًا من إحساسي أني سفيرة الثقافة العربية كما يقول البعض.

تملكين توليفة خاصة في مزج الموسيقى العربية بالهندية والغربية، كيف تقّدمين ذلك؟

الموسيقى فن بلا حدود، وتعتمد على الإحساس بالأساس، والإحساس لغة عالمية، ما دفعني للبحث في أصول النغم والألحان، وهناك احترام كبير للثقافات المختلفة، وأنا منفتحة على كافة الموسيقات والثقافات، والموسيقى العربية لم تكن مكتوبة في بدايتها، وكانت تعتمد على السمع والارتجال، ومن يشعر قلبه بروعة النغم يستطيع أن يتواصل مع ألوان الموسيقى المختلفة.

حدثينا عن ظروف إصدار ألبومك الأول "هريسة البرية" عام 2000؟

ظروف إصدار ألبومي الأول غريبة وتقترب من حبكات الأفلام الدرامية، حيث بدأت الحكاية بعد عرض صديقة لي أحد أغنياتي على مُنتج ألماني؛ ليعجب المُنتج بالأغنية، ويتفق معي على إنتاج 3 ألبومات غنائية أولها "هريسة البرية"، إلا أننا لم نتفق سوى على إنتاج الألبوم الأول فحسب، والذي تواكبت ظروف طرحه في الأسواق، مع هجمات 11 سبتمبر 2001، والتي منعتني من تقديم أغانيه في حفلة غنائية، على الرغم من نجاح الألبوم وقتها.

سفيرة الثقافة العربية وبنت الريح، كيف حصلتي على هذه الألقاب؟

جمهوري في الدول الأوروبية لقبوني بلقب سفيرة الثقافة العربية، والبعض يقول أنني سفيرة الغناء العربي وهذه معلومة خاطئة، وحينما بدأت في تقديم حفلاتي في أوروبا، لم يكن هناك فنانات عرب يقدمن الغناء باللغة العربية في الدول الأوروبية.

واستطعت أن أنقل الثقافة العربية بكافة عناصرها للغرب، أما لقب بنت الريح، فمناسبتها أنني كتبت ذات مرة عبر حسابي بموقع فيسبوك "أنا الغجرية بنت الريح، ومعنى الرحيل بقائي"؛ لتلهم صديق لي يُدعى "علاء الدين أغا" بتأليف قصيدة على نفس المنوال؛ لأقوم بغنائها بعد ذلك، لكنني لست غجرية الأصل، ولكن يُعجبني الحُرية في حياة الغجر، وأنا غجرية الروح.

لماذا ابتعدتِ عن العمل بمجال دراستكِ "الجرافيك ديزاين"؟

لم أبتعد عن الجرافيك ديزاين، ومازلت أمارس هذا الفن حتى اليوم، وأقوم بتصميم كافة أعمال الجرافيك ديزاين الخاصة بي، واحترافي للموسيقى والغناء لم يبعدني عن الجرافيك، واعتبره مجالًا خاصًا بي، أتواصل به مع نفسي، وابتعد به عن صخب عالم الفن.

ما السبب وراء تركيزك على غناء التراث والفلكلور؟

التراث والفلكلور هو الأصل، ونحتاج لإعادة دراسة تراثنا الفلكلوري، وهناك كنوز فلكلورية تصلح للأجيال المقبلة، وتعيش مئات السنين، والغناء التراثي هو مدرستي، والتراث والفلكلور هما الأصل، وبهما روح أمزجتنا وتربيتنا، ونحتاج للتركيز على هذه القيم.

ما سر الريشة التي تحمليها أحيانًا خلال غنائكِ؟

حينما يصعد الفنان لخشبة المسرح لتقديم أغنية في بداية الحفل الغنائي، يواجه بعض الضغوط ويسعى لإيجاد توازنه على المسرح، ويسعى لخلق وصل مع الفرقة الموسيقية، وهذه الريشة تجعلني أتواصل مع نفسي بشكلٍ فعال، وتوجهني على المسرح، وفي نهاية الحفل أتركها أحيانًا على المسرح، وأحيانًا أرقص بها، وتساعدني على تحسين أدائي على المسرح، وريشتي تشبه إلى حدٍ كبير عصا المايسترو التي يضبط بها إيقاعات النغمات بالفرقة الموسيقية.

ماذا عن تجربتك الأولى في التمثيل وتجسيد شخصية "مريم" في فيلم موسم الرجال؟

أول تجربة سينمائية لي كانت هامة بالتأكيد، ولكنها لم تكن أحب الأدوار إلى قلبي، وبطبعي أنا خجولة، وكنت أعشق السينما كمشاهدة، وكنت أتصور أن الأداء السينمائي كذب في الأساس، إلا أن مخرج بلجيكي شهير نصحني بأن أفكر في أداء الشخصية، وأترك جسدي وتعبيرات وجهي توصل المعنى للمشاهدين.

وبعد تجربتي في فيلم موسم الرجال، أيقنت أن التمثيل يعد استحضار لكل التجارب في الحياة، واستحضار للمشاعر، وتلك عبقرية لا يستطيع الكثيرين تحقيقها، وتغيرت نظرتي لفن التمثيل.

كيف واجهتي الجمهور في أول حفلة غنائية؟

أول جمهور شاهدني في حفلة غنائية، كان في بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي، وكان هناك 4 ثقافات بالحفل، هي: "كلاسيكية أوروبية، جاز، فلامنكو، وعربي"، وحينها شعرت بمسؤولية كبيرة، انطلاقًا من غيرتي على توصيل الثقافة العربية للجمهور الغربي،وحرصي على أن أقدم الثقافة للحضور بشكلٍ صحيح، وتعرفت على الفرقة والمسرح سريعًا وتفاعلت معهم، وتفاعل الجمهور معي خلال غنائي بشكلٍ أبهرني، رغم عدم فهمها للغتي العربية إلا أن الألحان كانت لغة عالمية، وتعد تلك التجربة واحدة من أهم وأجمل تجارب حياتي، والتي سأتذكرها على الدوام.

كيف أثر الدكتور علي بنعلي في حياة غالية؟

علاقتي بوالدي كانت علاقة خاصة جدًا، ومثلَ لي السند والحبيب والرفيق والمعلم، وأعطاني اسم والدته جدتي غالية، وشعرت أنه يعاملني كأمه، وعلاقتي به كانت غريبة جدًا، وأثر في بشكلٍ كبير، وهو من بنى طريقة تفكيري، ومن زرع داخلي ثقتي بنفسي، وعلمني كيف أكون قوية في قراراتي واختياراتي رحمه الله.

لماذا مُنعتِ من تصوير مشهد من فيلم "فتوى"؟

"فتوى" فيلم سياسي، يوثق لفترة معينة في تونس خلال العام 2013، ويقال إن أحد مشاهد الفيلم كان من المقرر أن يُصور داخل مجلس النواب التونسي، أقلق البعض، ولم نحصل وقتها على التصريح للتصوير داخل مجلس النواب التونسي، وعوضنا تصوير المشهد بصوت مُسجل على راديو، ولم نحذف المشهد، وبالنسبة لي كان الصوت على الراديو بديلًا جيدًا لأن الصوت يهمني في الأساس، وشعرت أنه من الأصح أن نعوض المشهد التمثيلي بصوت.

"روميو وليلى" رحلة روحانية

ماذا عن كتابكِ "روميو وليلى"؟

روميو وليلى قصة طويلة خرافية، واعتبرها سيرة ذاتية تجسد مواقف عشتها بحياتي، كما يحتوي الكتاب على رسومات قمت برسمها عام 2002، و"روميو وليلى" شخصين مختلفين تمامًا من حيث العقيدة والنشأة، ولم يكن من المفترض أن تكتمل علاقتهم، ويستعرض الكتاب كيف تجاوز روميو وليلى كافة العقبات، ليكملوا حياتهما معًا.

ومنذ العام 2002 قدمت عدة حفلات باسم روميو وليلى، تحدثت خلالها على ضرورة احترام الاختلاف والتعامل مع الآخر، وكنت دائمًا ما أقول للغربيين خلال حديثي معهم أنه ليس بالضرورة أن يكون روميو غربي وليلى شرقية، بل من الممكن أن يحدث العكس، وفي عام 2008 قدمت الكتاب باللغة الفرنسية، وعام 2018 قدمت كتاب يجمع بين 4 لغات إحداهما في الرسم لأن الرسم بالنسبة لي هو اللغة الأم، كما مثلت الرواية مسرحية استعراضية على خشبة المسرح مرتين.

ما سر عشقكِ مقولة "الأرواح التي لا ينقطع وصلها"؟

"الأرواح التي لا ينقطع وصلها"، هاشتاج كتبته عام 2013، وهو نابع من إحساسي بعلاقتي بالجمهور العربي عامة والمصري خاصة، والهاشتاج انتشر في مصر، ووقتها كنت أتواصل مع العديد من جمهوري في الوطن العربي، وكنت مشتاقة للتواصل مع جمهوري؛ كتعويض لي عن 30 عامًا عشتها في الغربة، وشعرت حينها خلال إقامتي ببلجيكا لم أبعد عن جمهوري بكافة أنحاء الوطن العربي، وهذه العبارة نتاج تجربتي مع جمهوري العربي؛ وتأتي للتعبير على أن تواصل الأرواح ووصلها أقوى من التواصل المادي.

حدثينا عن كواليس تأسيس فريق "كافي شانتا"؟

"كافي شانتا" كان مشروعًا انطلق ولم يكن له فريق معين، وتزامن إطلاق المشروع مع بداية مرحلة جديدة في الموسيقى العالمية، وفريقي كان يتألف من عدة موسيقيين عرب كعازف عود وعازف كمان، وغنيت خلاله العديد من الأغنيات العربية، اخترتها بعناية فائقة لتقدم الثقافة العربية للجمهور الغربي؛ وللتأكيد على تنوع الموسيقى والأغاني العربية؛ لتغيير الصورة الذهنية التي يعرفها الغربيين بأن الموسيقى العربية كلها تتشابه مع الموسيقى المغربية.

العديد من الفنانين يسعون لإبعاد أبناءهم عن الساحة الفنية، فماذا عنكِ؟

لا أعرف أسباب قيام الفنانين بإبعاد أبنائهم عن الساحة الفنية؛ إذا كانوا مؤمنين حقًا برسالة الفن، وأنا أؤمن أن الفن حياة، وأتمنى أن يمر أبنائي جميعًا بتجربة فنية، والفن شيء هام للغاية، والعلم والدين علوم، لكن الفن يجمع بين جميع العلوم، والفن يهذب الذوق، وله دور كبير في الارتقاء بنا، وأنا لا أتفق مع الفنانين الذين يسعون لإبعاد أبنائهم عن الساحة الفنية.

يصفكِ البعض بأنك حفيدة أم كلثوم، كيف ترين ذلك؟

هذا المعنى أو المضمون الذي عملت عليه خلال تقديم أغاني أم كلثوم في الغرب، وفي صغري كنت أعتقد أن أم كلثوم هي جدتي الحقيقية، كلما طالعت صورتها المعلقة على جدران منزلنا، واعتبر نفسي حفيدة أم كلثوم، وأحاول أن أحكي للعالم الغربي عن جدتي، وأحاول توصيل إحساس أنه من الممكن أن يتعرفوا أكثر على أغانيها من خلالي؛ لأدفعهم لسماع غنائها الأصلي، وأقدم أغانيها كنوع من العرفان بموهبتها وحبي لها، ولا أقوم بتقليدها أو أحاول التعدي عليها.

من هو مثلكِ الأعلى في عالم السينما؟

الفنان الراحل أحمد زكي من أحب الممثلين لقلبي، وهو عبقري بكل أدواره وأدائه متجدد، وقبل البدء بتمثيل أي دور سينمائي أشاهد العشرات من الممثلين؛ لأتعرف أكثر على كيف يستطيعون تجسيد أدوارهم، وأستفيد من طريقتهم في التمثيل، وكان أبرزهم الفنان أحمد زكي، والذي كنت أشاهد أفلامه يوميًا في بعض الأحيان، وأحد الأصدقاء ربط بين عملي في التمثيل وحبي لفن أحمد زكي، وهذا شهادة أعتز بها للغاية.

ما هو تقييمكِ للأعمال المقدمة على الساحة الفنية العربية؟

أول ما يخطر على بالي أن الساحة الفنية تشهد تحولًا وتغييرًا كبيرًا، وتمر الساحة الفنية العربية الآن بمرحلة كبيرة من التفتح على الغرب، لكننا مازلنا في بداية التجربة، ونتعرف على متغيرات الساحة الفنية، والساحة الفنية السينمائية بالنسبة لي أقوي من الساحة الفنية الموسيقية، كونها استطاعت أن تتجاوز الحدود وتعبر للعالمية.

بعض الفرق العربية متهمة بتهميش الموسيقي العربية لحساب الغربية، كيف ترين ذلك؟

هناك العديد من الفرق لا تقدم الموسيقى العربية، ونحن منفتحون على الغرب، وتهميش الموسيقى العربية بدأ مع الفرق العربية التي نشأت بعد ثورات الربيع العربي، وإدخال الموسيقى الغربية بالموسيقى العربية جاء على يد بليغ حمدي والموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب.

والفرق الشبابية اليوم يعجبني عملهم، وابتعادهم عن الموسيقى العربية، وتعلم موسيقات أخرى؛ يصب في النهاية لصالح تطوير الموسيقى العربية، بشكلٍ أكثر حداثة يجمع بين الأصل والذوق العربي الجديد.

ماذا عن جديد غالية بنعلي على الساحة الفنّية؟

أكثر أعمالي ترويجًا هي الأعمال التي أنفذها في العالم العربي، وعلى الرغم من ذلك أعتبر أن أهم مشاريعي الفنية نفذتها في أوروبا، واستعد الآن لتسجيل ألبوم غنائي جديد، كما أني أستعد للبدء في مشروع "شهر زيده"، وسيكون حوار بيني وبين موسيقى "موتزارت" مع أوركسترا كلاسيكي، وهناك مشروع "رومانسز" مع موسيقيين كلاسيكيين وفلامنكو أسبان، علاوة على إقامة حفلات في بلدان جديدة، في كندا، الأردن، والهند، وبعدها سأقوم بعمل جولة خاصة جدًا في مناطق مختلفة من فلسطين مثل القدس ورام الله.