صبحة بغورة تكتب: الجنس الخيالي!

تكاثرت بشكل مقلق وكبير الصفحات الإلكترونية المتعلقة بالإثارة الجنسية والترويج للدعارة على الانترنت، ويقدم المئات منها الخدمة الخبيثة بالمجان؛ لجلب المشاهدين من الشباب والفتيات من مختلف الأعمار والمستويات.

وبسبب الكمية الكبيرة من المادة الجنسية المعروضة وسهولة الوصول إلى المواقع الإباحية، أصبحت أجهزة الكمبيوتر الحديثة المتطورة هي الملجأ الآمن.

حيث المتعة السرية بمشاهدة الممارسة الجنسية التي تلفت النظر وتشد الانتباه وتثير الحواس بالمؤثرات الضوئية والصوتية، والديكورات ذات الإيحاءات الجنسية وطرق التبادلية والأوضاع المختلفة التي يراها الشباب لأول مرة في إطار جمالي مدروس.

والأمر الخفي عن مدمني المواقع الخلاعية، هو أمنه؛ فكلما طالت مدة مشاهدة الشباب لمحتوى المواقع الجنسية تدنت نظرتهم للمرأة، وترسخ لديه الاعتقاد بأن المرأة كائن موجود لتلبية الرغبات الجنسية فقط.

وتكمن الخطورة في أنه مع دوام مشاهدة الأفلام الإباحية واستمرار التفاعل الجنسي معها من خلال الدردشات الإباحية المباشرة والأوضاع التي تتخذها الفتيات بناء على طلب المشاهد؛ يزيد الإدمان عليها وتزيد معها مرات ممارسة الجنس الافتراضي على وقع المشاهدة والتعايش مع طبيعة موضوع الحوار خلال الدردشة عن بعد.

حيث تتحقق للشاب المتعة ويبلغ النشوة بالكلمات الجنسية الجريئة والنغمة الصوتية الرخيمة التي تخمد في مقابلها الرغبة الجنسية الطبيعية الداخلية، وتفتر الغلمة في قلوب الشباب، وتذيب الغيرة في النفوس.

هذه المواقع تثير الرغبة العميقة في نفوس الشباب والفتيات، وتداعب بذكاء غريزتهم الجنسية حتى تجعلهم في حالة من الانشغال الدائم بهذه النوازع الجنسية والنفسية بشكل يوجه كل تفكيرهم وكل نشاطهم إلى هذه الناحية في الحياة.

يكمن الخطر الأكبر في الموضوع حين يطلب الزوج المدمن على مشاهدة المواقع الإباحية من زوجته أن تفعل بالضبط ما تفعله فتيات المواقع الجنسية من وضعيات إغرائية وتزيين مبالغ فيه، وأن توفر له ذات الأجواء وكأنها امرأة عاهرة أو مخرجة سينمائية محترفة.

وإذا اضطرت المرأة إلى فعل ما أجبرت عليه، فإنها إما ستدمن ذلك وقد تلبي إن اضطرت حاجتها المتزايدة لإشباع رغبتها من خارج بيت الزوجية، وحينها ينقلب السحر على الساحر، أو أنها ستهجر بيت الزوجية وتطلب الطلاق بسبب تطرف سلوك زوجها أو شذوذه.

وبذلك، يتأكد مدى تأثير الأفلام الجنسية والمواقع الإباحية في العلاقة العاطفية في حياة المرء وفي حياته الزوجية لاحقا؛ لأن ما يعلق في ذهن الرجل هو الفتيات الجميلات بمعاييرهن المثالية في الرشاقة والسحر والجمال.

وبالتالي، لن تكون زوجته في نظره مثالية على الإطلاق، وسيبقى الزوج في حالة استرجاع لما اعتاد تصفحه على الانترنت.

وتدريجيًا سيكره البعض العلاقة الحميمية، وقد يشتد عليه الأمر فيعاني من الوسواس القهري، حين يمل المرء منه ثم يسعى إلى مثيرات أخرى لعله يجد فيها وسيلة أفضل للهروب من وسواسه.

لذلك، فإن ما يسفر عن إدمان الجنس الإلكتروني هو تشكيل مسوخ بشرية عاجزة عن ممارسة الجنس الحقيقي والوصول إلى أغراضه السامية، وهو ما سيؤدي إلى الشعور بالذل والعار والمهانة.

وتكون النتيجة أناسا عصبيين يفتعلون المشاكل والخلافات، يقتلون الحياة الاجتماعية والعاطفية في آنٍ واحد، بعدما اعتبروا الجنس مادة تستهلك ومتعة تقصد من أجل ذاتها بقصد تخدير الشعور، فأصبح الاتصال الجنسي تافها لا معنى له بعدما أفرغ من محتواه ومعناه الإنساني.

الجنس الذي يقتل الحنان ويحرم المرء من كل مشاركة عاطفية وينحصر إلى حد بعيد فيما هو حسي وظرفي وكمي وملموس وتافه، إنما يجلب في النهاية شعورًا بالضياع وعدم الرضا، لأنه جرّد الجنس من معناه السامي الإنساني العاطفي والوجداني.

فيجد المرء نفسه فاسد أخلاقياً، وعاجز جنسيًا، ومنعزل اجتماعيًا، ومضطرب نفسيًا، في حين أن أهم مفاتيح صناعة الحب بين الأزواج لينعموا بعلاقة حميمية هانئة تكمن أولا في حوار المحبين الهادئ الشفاف من أجل تحقيق التفاهم والأنس الانسجام.

قد يكون الأمر أكثر صعوبة عندما يتعلق بفئة الشباب المراهق، نظرًا للحساسية الكبيرة في هذه المرحلة العمرية، وكما أدمن المراهق مشاهدة الأفلام الإباحية تدريجيا، يمكن معالجته من آفة هذا الاعتياد تدريجيًا.

ولابد من التعامل مع بدء شعوره بالذنب بشكل صحيح لا يبعث على اليأس، فالندم توبة، واستمرار شعور الندم ينتج عنه فقدان الأمل في التوقف عن المحاولة.

ومن الحكمة التعامل مع الأمر بإيمان عميق؛ حيث أن كل الناس تذنب، وأفضل المذنبين أسرعهم للعودة عن غيهم وخير الخطائين التوابين.

إن مشاهدة المواقع الإباحية التي تتعلق بعرض الجنس والعورات، هي من المحرمات البينات لما فيها من مفاسد وأضرار وإثارة على المحرمات.

القاعدة الشهيرة تقول: إن "كل ممنوع مرغوب".. لذلك، ليس من المفروض أن نحرم على الشباب والفتيات أمورًا دون أن يعلموا سبب الرفض والمنع والتحريم.

والمفيد أن يكون هناك تواصل وحوار مسؤول يجيب عن انشغالاتهم وتساؤلاتهم ويمس مشاعرهم؛ ليعلموا أنها أمور طبيعية، وأن عليهم أن يسلكوا الطريق الشرعية الطبيعية كسبيل وحيد لإشباع مثل هذه الغرائز.

والواجب أن تكون معاونتهم بالقدر الكافي والواضح والصريح من المعلومات الجنسية التربوية الصحيحة.

والتثقيف الجنسي السليم، هو العلمي والهادف الذي يتناسب مع معتقدات وآداب وقيم كل مجتمع، من أجل تكوين أجيال ليست لديها حساسية أو مخاوف تجاه المشاعر الإنسانية الطبيعية، فيستطيع فهمها بوعي، وليمكنه التعامل معها بشكل صحي وينشئ علاقات زوجية سليمة.

وللوازع الديني والأخلاقي، دور هام في كبح جماح الفضول السيء لدى الشاب لمعرفة ما لم يعرّفه عليه أحد من معلومات جنسية، فيقبل على مشاهدة المواقع الإباحية للتمتع برؤية ما لا يمكنه مشاهدته على الطبيعة، أو لعمل ما لا يستطيع ممارسته في الواقع.

ولكن ما يزيد الأمر سوءًا، أن هناك عدد كبير من زائري هذه المواقع متزوجون ومتزوجات.

وقد يفسر هذا الإقبال الغريب، على أن الشريك ليس كفؤا للآخر ولا يشبعه جنسيا أو لا يعطيه ما يكفي حاجته العاطفية، فيلجأ إلى هذه المواقع لمشاهدة ما يريده أو ما يسعى إليه.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: الجنس الإلكتروني!