"شجرة الزيتون".. عندما تتولى شجرة ترميم العلاقات الهشة!

تدور أحداث الفيلم الإسباني "شجرة الزيتون"، للمخرجة الإسبانية إيسار بولاين؛ حول فتاة تدعى (ألما) في مقتبل العمر. تعمل "ألما" في مزرعة العائلة، وتجمعها علاقة خاصة بجدها لأبيها "رامون"؛ الذي حزن حزنًا عميقًا عندما باع ابنه "والد ألما" رغمًا عنه شجرة زيتون رومانية عريقة يزيد عمرها عن ألفي سنة من مزرعة الأسرة. وكان سبب بيع الشجرة تسديد الابن ديونه، ومساعدته في افتتاح مطعم، الأمر الذي لم يحتمله "رامون"، وامتنع عن الكلام منذ ذلك الحين، وراح كل يوم يقف على أطلال المكان الذي كانت الشجرة مزروعة فيه. مع مرور الأيام راح الحزنُ والألمُ يتمكنان من قلب الجد؛ لفراق تلك الشجرة. وأخذت حالته تزداد سوءًا، بعد أن امتنع عن تناول الطعام، ما دفع حفيدته "ألما" لتبدأ رحلة البحث لاستعادة تلك الشجرة _بعد كل هذه السنوات_ علّها تعيد الحياة إلى روح جدها، وتحول دون موته من الحزن. سافرت "ألما" في طلب الشجرة من إسبانيا إلى ألمانيا؛ حيث تستقر الشجرة في ردهة إحدى الشركات، بعد أن أقنعت كلاً من خالها، وصديقها؛ ليرافقاها في رحلتها. يعكس عنوان الفيلم "شجرة الزيتون" العنصر الرئيس الذي تتمحور حوله أحداث الفيلم، فإذا كان ارتباط الجد "رامون" العاطفي بالشجرة كبيرًا، إلا أنّ مَا يَجمَعهُ بالشجرة أكبر من العاطفة. يقول معبرًا عن هذه العلاقة: "...هذه الشجرة ليست لنا... هذه الشجرة ورّثها أجدادُنا لآبائنا ومن الآباء للأبناء... تلك الشجرة ليست بأي ثمن، إنها مقدسة، تلك الشجرة حياتي، وأنتم تريدون أخذ حياتي بعيدًا". إذن، تشكل هذه الشجرة بالنسبة للجد قيمة عالية، ورمزًا مقدسًا، وتاريخًا، وهوية، وذاكرة، وإرثًا لا يمكن التفريط به واقتلاعه من جذوره. يتميز الفيلم بأفكاره الغنية التي يطرحها بهدوء، والتي يمكن للمشاهد أن يقرأ مستويات دلالاتها المختلفة لها، فعلاوة على كون الشجرة هي الجذور، والذاكرة بالنسبة للجد، فإن الأبناء والأحفاد هم الأغصان والفروع، هم الامتداد لهذه الشجرة. فكيف كانت العلاقة بين الأصل والفروع؟ نلمس العلاقة الوثيقة، والمحبة العميقة التي تربط الحفيدة بجدها، في الوقت الذي نجد فيه أن هذا التماسك يصبح هشًا، وتلك الروابط الأسرية بين "رامون" وأبنائه تصبح مقلقة على محك الضائقة المادية، فيذوي "رامون" بصمت شيئًا فشيئًا؛ لعل ذلك يوقظ الإحساس بداخل أبنائه، ولعلهم يدركون قيمة ما يدافع عنه. التقت "ألما" هذه الفكرة الجوهرية، وعزمت على استرداد ما تم التضحية به والتفريط فيه، وهو ما ستنجح فيه بالفعل. يُذكر أن نص فيلم "شجرة الزيتون" كتبه الكاتب الأسكتلندي المعروف بول لفيرتي؛ والذي يشكل ثنائيًا مع زوجته المخرجة الإسبانية إيسار بولاين؛ وكان من ثمار تعاونهما مجموعة من الأفلام المهمة من بينها فيلم "حتى المطر" عام 2010.