د. رانيا يحيى تكتب: عمار الشريعي فنان تحدى الإعاقة وخاطب وجدان الملايين بالعالم العربي

الفنان الكبير والملحن الموهوب الذى تميز بأجمل الألحان التي أطربتنا وأشجتنا على مدى عقود من الزمان؛ لمن لا يعرفه إنه الفنان الإنسان المتواضع صاحب الرصيد الفني الغزير عمار الشريعي. قامة وقيمة شامخة من القمم الفنية المعاصرة في مجال الموسيقى. إنه شخصية صعبة التكرار فنادرًا ما تجد فنان يتسم بهذا الإبداع والثراء العقلي والذهني وأيضًا تواضعه وخفة ظله التي تمتع بهما مما أضاف لرصيده الجماهيري لدى عشاقه ومحبيه. ورغم إعاقته البصرية إلا أنه استطاع بقوة إيمانه وصبره أن يتحداها بمنتهى المثابرة.

وقد أثري الحياة الفنية بأعماله وإبداعاته التي ما دامت تمتعنا وستبقى في وجدان الشعب المصري والعربي. فهو فخر لكل موسيقي لما قدمه على مدار تاريخه الفني الطويل. ويكفينا ما قام بنقده وتحليله من خلال البرنامج الرائع "غواص في بحر النغم" والذى يعتبر وثيقة تحليلية استطاع من خلالها تقريب الألحان الشرقية للجمهور العربي؛ فسيظل هو الفنان الرمز للفن الموسيقى الشرقي على مر التاريخ.

ورغم فقدانه للبصر لكن تحلى عمار الشريعي بالبصيرة التي أنعم الله بها عليه واستطاع بإحساسه الفني الراقي أن يخاطب وجدان الملايين في العالم العربي؛ إذ تخطت موسيقاه الحواجز الجغرافية للمكان واستطاع أن يفرز المشاعر الفياضة من ثناياه ويتوغل في القلوب المحبة والعاشقة لألحانه البسيطة الناعمة ذات الانفعالات القوية.

فقد تحدي الإعاقة وأثبت مقدرته وتفوقه على نفسه؛ إذ كان خير مثال يحتذى به في الموهبة الرفيعة ذات الألحان الغزيرة والإلهامات المنسابة في خضم العواطف والذكريات، لقد ترك بصمات عديدة في المجال الموسيقى من خلال إتقانه وإحساسه المرهف، واستطاع أن يوجه ويعلم ويوظف ليس فقط الشباب أو المواهب الفنية المبتدئة التي احتضنتها برعايته ولكننا نستطيع أن نقول أنه حرك عواطف أجيال من المطربين وقام بإشعال نيران الوطنية التي لم تنطفئ من خلال إبداعاته التي استمرت لما يقرب من ثلاثة عشر عاماً من الاحتفالات الوطنية التى كنا نتلهف لسماعها لنحظى بمتعة السيل الغزير من الألحان الجميلة، وبأبوته الحنونة اهتم بموسيقى الأطفال وقدم أروع الألحان، هذا بالإضافة لما قام به من ثراء في الأفكار والألحان لكل ما وضعه من موسيقى للأفلام أو المسلسلات والتي لا تزال تتربع عرش هذا النوع من الفنون والذى تميز به وترك لنا فيضاً غزيراً لموسيقى خمسين فيلماً سينمائياً أشهرهم "البريء"، "أرجوك أعطنى هذا الدواء"، "حليم"، ومائة وخمسين مسلسلًا تليفزيونيًا من أفضل الموسيقات التي قدمت للمسلسلات وأهمها "رأفت الهجان"، "الشهد والدموع"، "زيزينيا"، "نصف ربيع الآخر"، "دموع في عيون وقحة".

[caption id="attachment_59790" align="alignnone" width="1184"]د. رانيا يحيى تكتب: ما أهمية النقد؟ د. رانيا يحيى[/caption]

كما قدمت ألحان عشر مسرحيات مثل "الواد سيد الشغال"، "علشان خاطر عيونك"، وأيضًا عشرون عملًا إذاعيًا، هذا بالإضافة لما قدمه من مجموعة البرامج الإذاعية والتليفزيونية والتي لاقت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا في العالم العربي على رأسها "غواص في بحر النغم"، والذى يقدم منذ عام 1988، "مع عمار الشريعى" و"سهرة شريعى" وجميعهم من أجمل البرامج الهادفة والمحببة للجمهور.

أما في مجال الموسيقى البحتة فقد كتب كونشيرتو لآلة العود والأوركسترا، وأيضًا متتالية للأوركسترا على مجموعة من الألحان العربية المعروفة. كما حصل على العديد من الجوائز والأوسمة من مصر وبعض الدول العربية للعديد من أعماله لسنوات طوال ،والأكثر من ذلك إنه استطاع أن يتعدى الحدود الشرقية والعربية ويكون سفيرًا لبلدنا بفنه الإبداعي الراقي الذى يلهب الأحاسيس ويرهف الوجدان ويحصل على جوائز مهرجانات من دول أوربية مثل مهرجان "فالنسيا" بأسبانيا ومهرجان "فيفييه" بسويسرا.

ومن أفضل التكريمات التي حصل عليها والتي تؤكد تخليد أعماله ومنحها القدرة على البقاء هو تناول تلك المؤلفات والألحان من خلال دراسات علمية بحثية مستفيضة في المعاهد والكليات المتخصصة حيث انصب اهتمام الباحثين على أعماله من خلال سبعة رسائل للماجستير وثلاثة رسائل للدكتوراه بالإضافة لرسالة دكتوراه من جامعة "السوربون" بفرنسا.

فما قدمه للموسيقى سواء كعازف أو مؤلف وملحن أو ناقد وحتى كمكتشف للمواهب الشابة، كان دعمًا حقيقيًا للفن الموسيقي المصري والعربي، ومنه تربعت على عرش قلوب الملايين في العالم أجمع.

دكتورة رانيا يحيى رئيس قسم فلسفة الفن بأكاديمية الفنون عضو المجلس القومي للمرأة بمصر

اقرأ أيضًا: د. رانيا يحيى تكتب: الجريفاني وإبداع «رواء الشعر»