المترجمة الفورية بالأمم المتحدة دعاء درويش: فخورة بدور المرأة السعودية وتمثيلها المشرّف في المؤتمرات الدولية

ـ أحببتُ اللغات منذ الصغر وقررت أن أكون مترجمة وأنا في المرحلة الثانوية

ـ الميكنة لا تشكل أي منافسة للمترجمين الفوريين.. وكلها محاولات لم تؤثر في المهنة

ـ الترجمة العربية بحاجة إلى تنظيم أكبر لتعكس قيمنا وحضاراتنا

ـ إعلامنا العربي الموجه للخارج يحتاج لمزيد من الجهود وخريطة محددة ومراجعة مستمرة

حوار: مجدي صادق

كانت تحلم منذ طفولتها بأن تصبح مترجمة وقد تحقق حلمها بعد التحاقها بكلية الألسن، وعملت فور تخرجها مذيعة بالإذاعات الموجهة، ولكن حلم الترجمة الفورية ظل يلاحقها لتصبح أحد أبرز المترجمين بالأمم المتحدة، وقد قامت بالتدريس في الجامعة الأمريكية.

أكدت دعاء درويش؛ في حوار خاص لـ "الجوهرة"، أن مهنة المترجمة الفورية لا تزال تتربع على العرش رغم التقنيات الحديثة، وأشادت بالدور المشرف والبارز للمرأة السعودية في المحافل والمؤتمرات الدولية.

ودعت الإعلام العربي الموجه إلى الخارج لإعادة رسم خريطة جديدة له؛ لأنه بحاجة لمزيد من الدعم والتواجد دوليًا مثلما نحن بحاجة إلى ثورة في ترجمة أعمالنا العربية لتعكس الصورة الحقيقة لمجتمعاتنا العربية.. وإلى نص الحوار:

هل أثرت برامج الترجمات الفورية في وجود مترجمين فوريين؟

لم تخرج أي تقنية بعد لتحل محل المترجمين الفوريين، وكلها محاولات لم تتأثر المهنة بها؛ لأنها لا تعتمد على الترجمة الحرفية وإتقان اللغة فقط، بل تدخل فيها العديد من العمليات؛ منها التحليل والتلخيص والفرز والاستنباط والتفسير وفهم اللغة السيئة والنطق المختلف والخطأ ووزن الكلمة حسب السياق، وإتقانها يتطلب على الأقل ١٠ سنوات من الخبرة في كل المجالات، وقبل ذلك الدراسة والتدريب اليومي. لا أعتقد أن الميكنة تشكل أي منافسة لهم.

ما هي مواصفات المترجم الفوري؟

أولًا، هي ملَكَة لا تُكتسب بل يتم صقلها وتغذيتها بالمعارف المختلفة والتدريب المكثف، وتتطلب صفات شخصية معينة وليس فقط ذهنية، مثل الصبر والقدرةُ على التحمل والتحكم في الأعصاب والتركيز والمرونة في التعامل مع الثقافات المختلفة وفهمها، والقدرة على تحمل ظروف العمل الصعبة ومواجهة الأزمات بهدوء واحتواء، خاصة في السفر، وأهم شيء أنً يكون الشخص عنده شغف بالمعرفة ويحب المهنة وإلا لن يتحملها. وقادر على أداء عمليات عقلية متداخلة في الوقت نفسه.

تعاني حركة الترجمة الآن من ضعف شديد رغم التقنيات الحديثة فما هي الأسباب؟

الحقيقة الترجمة إلى الإنجليزية وغيرها من اللغات بحاجة لدفعة قوية لأن من يتقنها ويتقن اللغة الأجنبية الأدبية نادر، والحل هو أن يركز التعليم على الأدب العالمي في نسخته الأصلية وليس الملخصات، وأن تركز الجامعات التي تدرس باللغات الأجنبية على درجات درجات اتقان اللغة الانجليزية او الأجنبية كجزء من درجات المواد العلمية الأخرى، وهذا لا يحدث في أغلب الأحيان.

المدارس خارج مصر تُعلم التلميذ من المرحلة الابتدائية القراءة وبكثافة، وهذه أهم وسيلة لإتقان اللغة، وكأي نشاط ناجح فهو بحاجة إلى جهة منظمة تديره وقد رأيت نشاطًا واضحًا في هذا الصدد لمركز الترجمة والهيئة العامة للكتاب، ولكني أعتقد أن الكليات اللغوية لها دور مهم في هذا وأتمنى أن يتم تفعيله وتمويله.

دعاء درويش

كيف ترين حركة الترجمة العربية؟

نحن بحاجة إلى اهتمام وتنظيم أكبر وانتقاء الأعمال العربية الجيدة وترجمتها إلى اللغات الأجنبية؛ لتعكس الصورة الصحيحة للمجتمعات العربية وقيمها العريقة وحضارتها وتاريخها.

وقد شاهدتُ حركة ترجمة سريعة جدًا في دول أخرى من اللغة الإنجليزية إلى لغتها لجميع الكتب المشهورة فور صدورها، ولا أرى ذلك يحدث في الدول العربية.

هل ترين أن الإعلام المصري في حاجة لأن يستعيد عافيته لمخاطبة العالم الخارجي؟

أنا مؤمنة بأن عملية المراجعة والتطوير والتقييم هي عمليات ضرورية طوال الوقت وهي المكونات الرئيسة للنجاح في أي شيء. ومخاطبة الخارج مسألة تتطلب إعدادًا دقيقًا من جهات مختلفة وليس فقط الإعلاميين، فالرسالة الإعلامية للخارج هي رسالة تعكس الحضارة المصرية والعربية والسياسة الخارجية للدولة ودعم الصناعات المصرية والترويج للصادرات وجذب الاستثمار والتسويق.. إلخ.

ولك أن تتخيل تأثير الأفلامً المصرية القديمة حتى الآن. هي خريطة حساسة جدًا تعكس وترسم صورة مصر في الخارج، وتتطلب جهود أستاذة الاجتماع والأنثروبولوجيا والعلومً السياسية والرأي العام وغيره.

ماذا عن إعلامنا العربي الموجه للغرب؟

إعلامنا العربي في حاجة إلى مزيد من الجهود وخريطة محددة ومراجعة مستمرة من المتخصصين في مجالات عديدة. فالكلمة لها ميزانها.

وأتمني أن يكون لجامعة الدول العربية أو أي مؤسسة ثقافية أو إعلامية عربية دور تخطيطي موحد لهذا الغرض.

دعاء درويش

المرأة بشكل عام تحظى باهتمام بالغ للعمل بمجال الترجمة الفورية.. فهل هناك أسباب؟

الذكاء اللغوي نسبته كبيرة بين السيدات، وهي مهنة حرة لهذا تناسب ظروف المرأة التي لا تريد الخروج يوميًا لرعاية المنزل والأولاد. والرجل يفضل أن يكون له راتب ثابت شهريًا لرعاية الأسرة وهذا غير متوفر في هذه المهنة فهي تعتمد على العروض المقدمة بالمؤتمرات وأحيانًا لا يتم سداد الأجر فوريًا.

حظيت المرأة في المملكة العربية السعودية بمكانة وحصلت على الكثير من الحقوق مع رؤية 2030 كيف ترين هذا؟

هي طفرة ثقافية ومجتمعية نفخر بها جميعًا في العالم العربي كله. وقد شاهدت بنفسي بروز دور المرأة السعودية وتمثيلها المشرف في المؤتمرات الدولية المهمة في الخارج، وكنت فخورة جدًا بهن، فلديهن مستوى تعليمي واجتماعي ومهني راقي وقدوة للمرأة في كل مكان. ولي صديقات دراسة في إنجلترا من المملكة قمة في التحضر والرقي والعلم والأخلاق.

هل لمواقع التواصل الاجتماعي دور في انتشار التحرش والتنمر بالمجتمعات؟

أنا شهدت هذه الظواهر خارج العالم العربي أكثر من داخله. وأعتقد أن فقدان مكون التربية في الإعلامً والتعليم هوًالسبب، فالتركيز على المكون الأخلاقي مهم جدًا في التقييم، في كل شيء سواء المدرسة أو أماكن العمل وبالطبع في الدراما والسينما.

هل يشكل ارتفاع معدلات الطلاق خطرًا على كيان الأسرة العربية؟

أكيد، فهو تفكيك للمجتمع وقيمه وأتمنى الاستعانة بدراسات علم الاجتماع والأنثروبولوجيا إعلاميًا وتربويًا في المدارس والجامعات. ونحن بحاجة إلى إدخال مكون الأسرة في مناهجنا والمحتوى الإعلامي والإعلاني.

ويجب أن نعلم أولادنا أسس نجاح الأسرة وأهميتها وكيفية إدارة الحياة الأسرية بطريقة مدروسة وعلمية.

وأعود لمنظومة القيم، نحن بحاجة إلى مشروع قومي للأخلاق، فهناك تصورات غير واقعية للحياة الزوجية وخلط في الأدوار لأفراد الأسرة وعدم فهم للحقوق والواجبات، والأهم ينبغي أن نعلمهم كيفية الاختيار وأنها عملية لا تعتمد على المشاعر فقط ولكن هناك معايير تقييم تحكم القرار السليم.

دعاء درويش

لماذا جاء اختياركِ للعمل في المجال الإعلامي والترجمة الفورية؟

أحببت اللغات والترجمة من الصغر وقررت أن أكون مترجمة وأنا في المرحلة الثانوية. ودخلت كلية الألسن وأدين لها ولأساتذتها بالفضل فقد تعلمت على أيديهم القيم المهنية والإخلاص والدقة في الأداء.

والألسن رشحتني للعمل في مجال الترجمة الفورية ثم دخلت اختبارات الإذاعات الموجهة وأصبحت مذيعة، ثم انتقلت إلى البرنامج الأوروبي المحلي وقطاع الأخبار وبدأت الإذاعة ترشحني في مهام الترجمة الفورية وتوالت الأحداث.

بدأت مشواري بالترجمة الفورية في الإذاعة والتلفزيون على الهواء وبدأت أعمل في المنظمات الدولية والأمم المتحدة. ودرست الإعلام وبدأت أدرس في جامعة عين شمس والجامعة الأمريكية والجامعات الخاصة. والإذاعة والترجمة أساسهما التواصل اللغوي والمعرفة والثقافات المختلفة، وهناك قواسم كثيرة مشتركة. فهي بالنسبة لي هوايات وشغف أكثر منها مهنة، وقد جمعت بينهما في تدريس الترجمة الإعلامية.

ما عنوان رسالتكِ العلمية للدكتوراه؟

رسالتي عن الإعلام الإفريقي، فأنا شغوفة بإفريقيا وتاريخها وثقافتها منذ صغري وبدأ مشواري معها بقراءة الأدب الإفريقي المترجم في مرحلة المدرسة ثم تطور الأمر إلى عملي في الإذاعات الموجهة لإفريقيا ثم دراسة الانثروبولوجيا الإفريقية.

ِما أهداف المنظمة الدولية للترجمة؟ وماذا قدمتِ لحركة الترجمة من خلال تمثيلك للمنطقة العربية؟

هي منظمة دولية مقرها جنيف تضم ٢٧ منطقة حول العالم وجميع اللغات الناطقة بالترجمة الفورية. يتم القبول في عضويتها بشروط ومعايير محددة؛ منها: عدد أيام الخبرة وإتقان اللغات وتصنيفها.. إلخ. وهي تقوم بدور النقابة ولها اتفاقات مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتنظيم المهنة وساعات العمل والأجور، وتقوم بدور رقابي أيضًا لضمان الالتزام بالقواعد المهنية الدولية المتفق عليها.

جهودي تمحورت حول توطيد التعاون بين المنطقة العربية والإفريقية بصفة خاصة، والمناطق الأخرى بصفة عامة، فهناك الكثير من المترجمين العرب يعملون في المنظمات الإفريقية وهناك أفارقة يترجمون بالعربية والفضل يرجع إلى الأزهر ودوره البارز في ذلك. ودوري الرئيسي هو الحفاظ على قواعد ومعايير المهنة وحقوقها في المؤسسات المختلفة التي تطلب مترجمين، ومساعدة الأجيال الشابة في دخول المهنة والانتشار بالخارج. وتحويل أنشطة المكتب الإقليمي نحو استخدام التكنولوجيا الحديثة والتواصل الإلكتروني.

حاولت توطيد أواصر التعاون بين جامعات الخارج والجامعات المصرية في مجال الترجمة، وإبراز دور المنطقة العربية في حركة الترجمة الفورية العالمية.

اقرأ أيضًا: الدكتورة سلوى الهزاع: المرأة السعودية تعيش مرحلة تمكين غير مسبوقة