الدكتورة أروى بنت علي عبد الله أخضر: التربية الخاصة في السعودية نموذج رائد يُفتخر به

هي مديرة إدارة العوق السمعي وإدارة العوق البصري للبنات، بالإدارة العامة للتربية الخاصة بوزارة التعليم؛ حيث دفعها شغفها إلى التخصص في مجال التربية الخاصة لذوي الإعاقة، وحملت راية الدفاع عنهم والمطالبة بحقوقهم. وللتعرف على محطات الدكتورة أروى بنت علي عبد الله أخضر، مع رحلتها المهنية، وكيف تغلبت على التحديات لتغيير عالم ذوي الإعاقة إلى الأفضل، كان لـ"الجوهرة" هذا الحوار معها:

في البداية، من هي أروى أخضر؟ اسمي أروى بنت علي عبد الله أخضر، أم لثلاثة أبناء، أعمل حاليًا كمديرة إدارة العوق السمعي وإدارة العوق البصري للبنات، بالإدارة العامة للتربية الخاصة بوزارة التعليم. تخصصت في ثلاث مجالات "بكالوريوس التربية الخاصة مسار الإعاقة السمعية، ماجستير المناهج وطرق التدريس العامة، دكتوراه الفلسفة في الإدارة التربوية من جامعة الملك سعود"، بالإضافة إلى عضويتي في مجلس إدارة جمعية "أسر التوحد" الخيرية. وفيما يتعلق بالإنتاج العلمي، لي ست مؤلفات، ولي بعض النشاطات البحثية ونشرت تسعة أبحاث في مجلات محكمة، مدرب معتمد، وقدمت العديد من الدورات التدريبية في عدة مجالات، وشاركت في عدد من المؤتمرات والمنتديات العربية. قمت بتحكيم العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في العديد من التخصصات "التربية الخاصة – المناهج وطرق التدريس – الوسائل وتقنيات التعليم – الإدارة التربوية....) بما يقارب 300 رسالة.

ما الدوافع وراء التحاقك بتخصص التربية الخاصة؟ نشأت في أسرة؛ الأخ الأكبر فيها أصم، وابنة أم عظيمة هي الدكتورة فوزية أخضر مؤسسة التربية الخاصة في قطاع البنات، غرست منذ صغري حب ذوي الإعاقة والدفاع عنهم والمطالبة بحقوقهم. مارست التربية الخاصة في البداية مع أخي، واستحوذت على اهتمامي وتفكيري، ثم تخصصت بالمجال حبًا وشغفًا؛ حتى أصبحت التربية الخاصة جزءًا من حياتي؛ إلى أن أصبحت مسؤولة عنهم. كيف أصبحتِ قائدة؟ ومن الذي دفع بكِ للقيادة؟ كل منا بحاجة لأشخاص ملهمين في حياته يشعر بالثقة والحماس والفخر بهم حتى نستقي منهم القيادة، وهم الذين يؤثرون فيه وبقوة، وانتزعت بعض صفات القيادة من والدي الذي منحني بعضًا من مهارات القيادة بصفته ضابطًا في الجيش؛ كالقدرة على التخطيط والتنظيم وحسن إدارة الوقت. ووالدتي –شفاها الله- شخصية قيادية لديها القوة والحزم؛ حيث طورت من شخصيتي كثيرًا، فلم أولد قائدة بل أصبحت كذلك، وقد أضفت لهذه المهارات، وتمكنت من الكتابة البحثية والأدبية التخصصية وأبدعت فيها ولله الحمد. تدرجت في المناصب التعليمية من معلمة في معهد الأمل للصم عام 1417هـ، ثم معلمة في برامج الدمج للعوق السمعي عام 1420هـ، ثم معلمة في رياض الأطفال لبرنامج العوق السمعي عام 1432هـ، بعدها ترشحت للإشراف التربوي للتربية الخاصة عام 1426هـ، وبعد ذلك عملت كمديرة لإدارة العوق السمعي على المملكة عام 1429ه، وبعد الانتهاء من مرحلة الدكتوراه كُلفت بالعمل مديرة عام التربية الخاصة (مُكلفة) في عام 1434هـ لفترة، وعملت ما يقارب 23 سنة في وزارة التعليم. ومن خلال مسيرتي العلمية والعملية؛ عملت أستاذًا معاونًا لتدريس مقرر "المناهج وطرق التدريس العامة" للطالبات الصم وضعاف السمع بالجامعة العربية المفتوحة بالرياض، كما أشرفتُ على الطالبات الصم وضعاف السمع الملتحقات ببرنامج التعليم العالي في جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، وكذلك الإشراف على برنامج المدرسة الشاملة "الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الرياض". عملت كعضو ومنسق في العديد من اللجان الوزارية والمشاريع التربوية، عضو عامل وخبير في العديد من الجمعيات ذات العلاقة بالتربية الخاصة، والمناهج وطرق التدريس، والادارة التربوية، لي العديد من المساهمات التطوعية في المجالات الإدارية والتخطيطية والتقويم التربوي، وشاركت في العديد من المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية وورش العمل المحلية والعربية والدولية ذات العلاقة. القيادة بالنسبة لي مهارة تعلمتها واكتسبتها وعملت على تنميتها؛ حيث تعتبر ممارسة العمل بحد ذاته خبرة عملية ناجحة، والقائد الناجح هو الذي يعمل بمبدأ الشفافية والعدالة والمشورة الجماعية؛ ويتحلى بالأمانة والصبر. تعلمت أن مقياس القائد الناجح هو في عدد من يخدمهم، ورضا المستفيدين هو أهم من الإنجازات التي تشبه فقاعات الصابون. القيادة كالجمال.. نعرفها حين نراها ولكن يصعب وصفها، والقيادة ليست موقعًا أو مكانًا بل سلوك وعمل، وهكذا هو العمل مع الأشخاص ذوي الإعاقة؛ فلا يمكن وصف السعادة التي تغمرني حينما أعمل معهم أو من أجلهم؛ فخدمتهم شرف لنا جميعًا في وطننا الغالي. لماذا اخترتِ مجال الإعاقة وكيف أثر فيكِ؟ لم يكن لديّ هدف عظيم إلا من خلال التربية الخاصة؛ فقد نشأت كما أوضحت في أسرة كان الأخ الأكبر لي أصم، واستشعرت عِظم حمل هذه الأمانة من صغري، وتأثرت كثيرًا بوالدتي وقصة كفاحها وكيف أنها غيرت من مسيرة حياتها لخدمة أخي، كأم أولاً، ومسؤولة عنهم ثانيًا، عندما كانت مديرة عامة للتربية الخاصة للبنات آنذاك. ولا يستشعر مسؤولية الأشخاص ذوي الإعاقة إلا من نشأ بينهم وعايشهم؛ فحملت هذه الأمانة من صغري وأصبحت التربية الخاصة تسري في عروقي مجرى الدم، وكنت أشاهد أمي كيف تجاهد من أجل قضاياهم وأهدافهم، وهكذا هم القادة العظام، حملتني أمانة الدفاع عنهم والمطالبة بحقوقهم. وقدر الله أن أعيش التجربة بنفسي عندما رزقني الله بابن من فئة التوحد. ابنكِ من فئة التوحد.. ماذا يعني لكِ؟ أفتخر بأن رزقني الله بطفل توحد من ذوي الأداء العالي ولله الحمد، عملت الكثير معه ومن أجله، علمني الكثير والكثير، وهو مصدر سعادتي وحياتي. تطلعاتي كثيرة وأسعى جاهدة -بإذن الله- من خلال عضويتي في مجلس أسر التوحد الخيرية؛ إلى أن أقدم ولو الشيء اليسير من حقوقهم علينا. لماذا لم تكملي في نفس تخصصك الأساسي رغم حبك الشديد له؟ أنا أؤمن بتنوع وتعدد العلوم والتخصصات؛ لأنه يضيف للإنسان الشيء الكثير، والعكس صحيح؛ فامتداد التخصص لن يضيف لصاحبه إلا التعمق بالمجال؛ وهو ما يمكن للإنسان المتخصص أن يقوم به ويكمله بنفسه. والتنوع أكسبني العمل في العديد من المجالات وإجراء العديد من المبادرات التي تصب في مصلحة التخصص الأساسي، كما أن العلوم التربوية تتكامل فيما بينها، وجميع تخصصاتي من كلية واحدة، وهي كلية التربية بجامعة الملك سعود. ذكرت أنكِ كاتبة.. فلماذا اتجهتِ للكتابة؟ الكتابة بالنسبة لي شغف، أعبر فيه عن الواقع، وهي رسالة ذات قيمة نعبر فيها عن أفكارنا. أحيانًا نكتب لنسلط الضوء على واقع غير راضين عنه؛ بحثًا عن الأفضل أو لتصحيح الخطأ. نكتب عندما لا نجد أحدًا يسمعنا؛ فالورقة كفيلة بأن تنصت إلى قلمك، لا شيء ينصفك في هذه الحياة سوى الكتابة، الكتابة كفيلة بتحقيق الأمنيات؛ لأنك إذا كتبت نصبت عينيك نحو الهدف الذي تريده أو تريد أن تُسمعه غيرك. مشروع أو تجربة ناجحة تفخرين بها؟ تجاربي الناجحة أني وضعت أهدافي في سطور، تمخضت عن مؤلفات لتغيير الواقع التربوي للأشخاص ذوي الإعاقة، فبدأت بحلم ليكون واقعًا، أحببت الفنون فمزجتها في تربية وتعليم الأشخاص ذوي الإعاقة، وجعلتها ممارسة من خلال ثمرة مؤلفاتي؛ فألفت كتابين، هما "مسرحة مناهج الصم، فنون إتيكيت الصم وفن التعامل مع الآخرين". نصبت أمام عيني فلسفة "التعليم الشامل"، وهو مفهوم يعتمد على مفهوم التعليم الجامع ولا يستثني أحدًا، وهو ما بدأته والدتي عام 1426، ومن إيماني بأن أي عمل لا بد أن يكون مؤسسيًا كان ذلك يتطلب مني قلب المفاهيم التربوية للميدان التربوي للعمل والتفكير في منظومة التعليم الشامل، والذي نتج عنه مؤلفي الأخير "المرشد في تكييف مناهج التعليم العام للطلاب ذوي الإعاقة"، والنابع من تخصصي في المناهج وطرق التدريس العامة. ما أبرز العقبات في مسيرتك القيادية؟ وكيف واجهتيها؟ كقائد، تُقاس دومًا قدرتك بتحقيق النتائج. وتحقيق النتائج المرجُوَّة كان بمثابةِ تحدٍّ لي، وغياب الصلاحيات من أهم العقبات، ويعد تمكين القائد من أدوات الصلاحيات مطلب رئيس، وإلا تحول إلى شخص تنفيذي. لم أخش الفشل؛ وبالتالي لم تكن لدي أي مخاوف وقادرة على تجاوز المخاطر؛ فكل العقبات صغيرة في عيني ويمكن تجاوزها بسهولة؛ ولكن البيروقراطية أحياناً تفوق الإرادة. طموحاتي تتخطى السحاب، ليس لها سقف، أتأمل أدوات النجاح وأجد أنها لا تمثل إلا 10% من خيالاتي؛ لتعود وتصطدم بفقر التمكين الحقيقي. *ما أنماط الخدمات المقدمة لذوي الإعاقة بالمملكة؟ التربية الخاصة في المملكة العربية السعودية نموذج رائد ويُفتخر به. جاء ذلك تحقيقًا لأهداف سياسة التعليم في المملكة التي نصت في موادها من (54-57)، ومن (188-194) على أن تعليم المتفوقين والمعوقين جزء لا يتجزأ من النظام التعليمي بالمملكة، واستجابة للتطور السريع، والتوسع الكبير، اللذين يشهدهما مجال تربية وتعليم الفئات الخاصة في المملكة. وتختلف أنماط تقديم خدمات التربية الخاصة في المملكة وفق الآتي: نمط يقدم في معاهد التربية الخاصة، ونمط يقدم في برامج الدمج التربوي "إما بنظام الدمج الكلي أو الجزئي أو نظام الفصول الملحقة وهو الدمج المكاني"، إضافة إلى وجود غرف المصادر وخدمات المعلم المستشار والمتجول. وتحقيقًا لأهداف إستراتيجية التربية الخاصة؛ تم التوسع في تطبيق أسلوب دمج الأطفال ذوي الإعاقة في مدارس التعليـم العـام. ويقدم لذوي الإعاقة مجموعة من الخدمات التعليمية والنفسية والاجتماعية والصحية والمساندة، وهناك توسع في برامج التربية الخاصة، وكذلك في أعداد الطلاب؛ لتشمل معظم مدن وقرى المملكة، بالإضافة إلى شمول فئات لم تقدم لهم تلك الخدمات من قبل. المملكة قادرة ومعطاءة، ووفرت جميع سبل الدعم المادي لذوي الإعاقة ولله الحمد؛ ولكن بعض المشكلات قد تكمن في ضعف التخطيط لمنهجية تقديم تلك الخدمات. ما أبرز المعوقات أمام ذوي الإعاقة.. وما طرق التغلب عليها؟ يحتاج الأشخاص ذوي الإعاقة إلى من يذلل لهم الصعاب وييسر لهم أمورهم، ويجب أن يكون قريبًا منهم، يستشعر احتياجاتهم ومتطلباتهم، ويكمن أول هذه المعوقات في تعثر الخدمات المقدمة لهم بين ثلاث جهات، هي: "وزارة الصحة، الشؤون الاجتماعية، ووزارة التعليم"، ومع إنشاء هيئة الأشخاص ذوي الإعاقة سوف تتلاشى -بإذن الله- هذه المعوقات، وستتحمل هذه الهيئة عبئًا كبيرًا لتوحيد وتنسيق هذه الخدمات. وهناك حاجة ماسة لتفعيل خدمات "التدخل المبكر"؛ لأنه يمثل العمود الفقري للتربية الخاصة، وهناك حاجة أيضًا للمراكز التي تحتضن الأشخاص ذوي الإعاقة من عمر 16 سنة وأكثر، خاصة ذوي الحالات الشديدة من اضطراب التوحد والإعاقة الذهنية وشديدي الإعاقة. ومن أبرز المعوقات: النقص الواضح في مراكز القياس والتشخيص على مستوى المحافظات والقرى، عدم وجود المعلم المساعد في فصول التعليم العام والتي يدرس بها الطلاب من ذوي الإعاقة، النقص في تعيين معلمي التربية الخاصة ببرامج الدمج التربوي؛ ففلسفة التربية الخاصة في الدول المتقدمة تقتضي وجود أكثر من معلم متخصص في الإعاقة في كل مدرسة كمعلمين مساعدين لمعلم التعليم العام؛ وذلك بغرض تفعيل دور الخدمات المساندة، وكذلك الحاجة لإشراك ذوي الإعاقة وأسرهم في معظم القرارات المتخذة بشأنهم. ومن وجهة نظري أرى أن الحل يقتضي تصحيح جميع هذه المعوقات. *هل هناك كوادر مُدربة على كيفية العمل في مجال التربية الخاصة؟ نعم؛ معظم العاملين في المجال متخصصون في التربية الخاصة، ويتولى تدريس ذوي الإعاقة معلمو التربية الخاصة، ومعلمي التعليم العام ببرامج الدمج بحكم تخصصهم الأساسي في المادة، وتقدم لهم العديد من الدورات والبرامج التدريبية في مجال الإعاقة، والحاجة ماسة لاستمرار تعيين خريجي التربية الخاصة. ومن الأهمية أن يكون في كل فصل دراسي معلم تربية خاصة مساند لمعلم التعليم العام، إضافة إلى دوره الأساسي في غرفة المصادر. ما رأيكِ في المجال الإشرافي لدعم الميدان التربوي؟ الإشراف موجود أساسًا لدعم الميدان التربوي وخدمته وتذليل الصعاب التي يواجها، وللإشراف التربوي جهود فعالة في تجويد عمل الميدان التربوي، مع أهمية تغيير الأفعال والسلوكيات المرتبطة به؛ فمهام المشرف يجب أن تتغير؛ لأن التطوير الحقيقي يجب أن ينبع من داخل المدرسة، بإعطاء المزيد من الصلاحيات لمدراء التعليم. ما رؤيتك لمستقبل ذوي الإعاقة داخل المملكة؟ تتحقق رؤيتي بدعم وتطبيق فلسفة التعليم الشامل Inclusive Education بكل المدارس في مملكتنا الحبيبة، وهي المدرسة التي تعتمد مبدأ "الرفض الصفري"؛ بحيث تقبل كل طفل في المدرسة دون تمييز أو استثناء بسبب الإعاقة، وتُكيف المدرسة من خدماتها وفق حاجة كل طالب. وكلي ثقة في دعم معالي وزير التعليم بسن قوانين محاسبية شديدة لكل من يقف حجر عثرة في وجه ذوي الإعاقة، سواء من المدارس الأهلية أو الحكومية، وأن يكون الخيار متروكًا للأسر في اختيار المكان التربوي الملائم لأبنائهم؛ وهذا من أبسط حقوقهم علينا، كذلك السماح بوجود المرافق مع الطفل من ذوي الإعاقة بالمدارس لبعض الحالات التي تحتاج ذلك، كشديدي الإعاقة من ذوي الإعاقة الحركية أو ذوي اضطراب التوحد -غير المعتمدين على ذواتهم– وبعض حالات الإعاقة العقلية.