التطور التكنولوجي والإعلامي وراء تغيير أفكار وقيم أبنائنا
مجال المرأة يشهد أمورًا جوهرية أبرزها إسناد الحضانة إليها حال طلاقها
للإعلام دور مهم في تعزيز مكانة الأسرة إذا تم تسخيره بطريقة إيجابية
حوار: عبد الله القطان
يمر المجتمع السعودي- مثل باقي المجتمعات- بتحولات وتغيرات اجتماعية، بالرغم من تميزه بخصوصية عن باقي المجتمعات العربية والإسلامية؛ وهو ما ينعكس بدوره على الأسرة السعودية، التي هي لبنة المجتمع، والتي شهدت تغيرات قيمية وأخلاقية واجتماعية؛ لذا تم تأسيس مجلس شؤون الأسرة، التابع لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية السعودية، والذي تتولى الدكتورة هلا التويجري منصب الأمين العام فيه منذ عام 2017، والتي أجرت “الجوهرة” معها هذا الحوار..
ما الهدف من تأسيس مجلس شؤون الأسرة؟
تتمحور أهداف المجلس حول إعداد استراتيجية للأسرة بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، ودفع الجهات الحكومية والأهلية ذات العلاقة بالأسرة لداء أدوارها، وتحقيق غاياتها، والتنسيق بينها، لتكوين الرؤية المشتركة للأسرة، والتوعية بحقوق أفراد الأسرة وواجباتهم في الإسلام، وتحديد المشكلات والمخاطر التي قد تتعرض لها الأسرة ووضع الحلول المناسبة لها، وتوعية المجتمع بأهمية قضايا الأسرة، وسبل معالجتها، وتشجيع المشاركة الأهلية في الاهتمام بقضايا الأسرة، وطرح الحلول لمعالجتها.
ويهدف المجلس كذلك إلى تقديم الرأي للجهات المعنية حيال التقارير الوطنية التي تُعد عن الأسرة (الطفولة، والمرأة، وكبار السن) في المملكة، وإبداء الرأي واقتراح التوصيات تجاه التقارير والدراسات والاستفسارات والتوصيات التي تصدرها الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية، حول النشاطات والبرامج المتعلقة بشؤون الأسرة، وإبداء المقترحات بشأن التشريعات ذات العلاقة بالأسرة، وإجراء البحوث والدراسات المتعلقة بشؤون الأسرة، والمشاركة في المؤتمرات والندوات، وإعداد قاعدة معلومات بشؤون الأسرة.
الأسرة السعودية
كيف تُعرفّين الأسرة السعودية لغير السعوديين، وما التحديات التي تواجهها؟
الأسرة السعودية يغلب عليها الطابع الاجتماعي المتقبل، وهي غالبًا أسر مترابطة سليمة، تتسم بالتدين والتماسك والألفة؛ فهي أنموذج جيد وتصور لما يمكن أن تكون عليه العائلة.
ومن التحديات التي قد تجعل من الصعب على الآباء تنشئة أبنائهم بمعزل عن المؤثرات الخارجية- وممارسة دورهم الفاعل تجاههم لإعدادهم بشكل صحي ومتوازن لمواجهة الظروف الصعبة التي تُشكل الحياة الحديثة بكل تحولاتها وتطوراتها- التحديات الاجتماعية؛ مثل تحول الأسر السعودية من أسر ممتدة إلى نووية مركزية، فكان جد الأسرة أو شيخ القبيلة يمارس دور الحاكم والمنظم لسلوكها، مع تقويم العائلة وتصحيح مسارها وحل مشاكلها، ثم أصبحت الأسرة الحديثة تعاني من سيل عارم من التغيرات القيمية والأخلاقية والاجتماعية التي تحتاج فيها إلى مرشد أسرى أو موجه.
وهناك أيضًا تحديات ثقافية؛ كون الفجوة بين عقدين من الأجيال المتسارعة النمو كبيرة، تشمل تغيرًا في الموروث، وفي طريقة الحياة والمنشأ والفكر، أما التحديات على المستوى السلوكي الديناميكي؛ فإن الانفتاح على الخارج والتطور التكنولوجي والإعلامي ساهم في إيجاد “المربي البديل”، الذي يتدخل عنوة- وبلا استئذان- في تربية أبنائنا وتغيير أفكارهم وقيمهم وحراكهم الذهني وتوجهاتهم الدينية والأمنية والعلمية والمجتمعية.
أعباء كبيرة
هل ترين أن سوء تدبر المال تسبب في تدهور بعض الأسر السعودية؟
لا يمكن أن نسميه “سوء تدبر المال”؛ لأن الأسر يقع عليها أعباء كبيرة في مواكبة موازنة أولوياتها واستهلاكها؛ لتعدد المغريات والكماليات وأوجه الصرف؛ وهذا يتطلب منهم أن يكونوا على وعي دائم لكل البرامج التي تعنى بترشيد الاستهلاك وضبط الميزانيات ومجالات الاستثمار، التي تدعم وتصوِّب مسار الأسرة الادخاري والاستهلاكي.
ويُشكل التوجه الحالي، تحول الأسر السعودية إلى منتجة وتحويل الأسر الضمانية إلى أسر مستقلة ماديًا ببعض الدعم والتأهيل وتغير نمط الفكر السائد القديم، فالمشاريع القومية التي يوليها المجلس اهتمامه- امتدادًا لاهتمام الوزارة- خطوة أساسية في تحويل المنحى الاستهلاكي إلى منحى حيوي استثماري، يعزز قيم الإنتاج والتطوير، ويحد من نمطية التعامل مع المال كمصدر رفاهية وترف إلى مصدر نماء وبناء، وتصنيع وإنتاج وتذليل كل العقبات، وتوفير كل الإمكانيات للوصول إلى هذا الهدف بإذن الله؛ ما يتواكب مع رؤية 2030.
منتدى الأسرة
لماذا التركيز في منتدى الأسرة على الحلول المالية أكثر من التربية والحقوق؟
الحلول المالية هي أحد منتجات المجلس التي تستهدف الأسرة السعودية، تأكيدًا لاهتمام قيادتنا الرشيدة- أيدها الله- في تعزيز مكانة الأسرة وتمكينها، وانطلاقًا من دوره في الاهتمام بحقوق الأسرة السعودية وقضاياها. وسيعمل المجلس على تنظيم المنتدى سنويًا؛ ليناقش إحدى القضايا والتحديات المؤثرة في واقع الأسرة السعودية في ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة.
مبادرات فاعلة
وماذا عن مُخرجات منتدى الأسرة السعودية؟
اُختتم منتدى الأسرة السعودي بمُخرجات ومبادرات فاعلة بتوصيات عديدة، فنحن بصدد إعداد دليل يضم جميع المبادرات الوطنية في مجال الادخار؛ ليسهل الاسترشاد به والاستفادة منه؛ إذ كشفت فعاليات المنتدى عن عدة مبادرات في قطاعات متعددة حول الادخار، بالإضافة إلى إعداد دليل يضم جميع المبادرات الوطنية في مجال التمكين الاقتصادي -يسهل الوصول إليها-؛ لدعم المستفيدين منها.
وسيتولى أيضًا مجلس شؤون الأسرة، حصر جميع البرامج التوعوية الموجهة للأسرة حول الوعي المالي، وصياغة مستهدفات للتوعية للسنوات الخمس القادمة، فيما يدعم سلوك الاستهلاك الرشيد والادخار، وكيفية مواجهة تأثير وسائل الإعلام الموجهة للترويج الاستهلاكي، ودعم تمكين الأسرة اقتصاديًا، والتشجيع على العمل الحر.
دعم حقوق المرأة
كيف تنظرين إلى أوضاع المرأة السعودية خلال السنتين الماضيتين؟
شهدت السنوات الأخيرة عدة أمور جوهرية في مجال المرأة، نذكر منها ما أصدرته وزارة العدل من قرارات وتطبيقات تدعم حقوق المرأة، بالإضافة إلى صندوق النفقة الذي يوفر الدعم المالي للمرأة المطلقة وأطفالها.
كذلك، أصبحت الحضانة عائدة للمرأة في حال انفصالها عن زوجها إلى أن يرفع الزوج دعوى حضانة إذا رغب في ذلك. ولا شك في أن كل هذه الأمور تشجيعية، تدعم استقرار أوضاع المرأة.
سلاح ذو حدين
ما دور وسائل الإعلام في تعزيز مكانة الأسرة؟
الإعلام سلاح ذو حدين، فلا شك في أن له دورًا مهمًا في تعزيز مكانة الأسرة، إذا تم تسخيره بطريقة إيجابية، تسهم في زيادة وعي وثقافة المجتمع؛ من خلال برامج إعلامية مميزة ذات محتوى هادف، تلتزم بالثوابت، وتخاطب الأسرة بكل مكوناتها، وتناقش القضايا الاجتماعية بكل شفافية ووعي، وتبرز النجاحات والنماذج الرائعة التي يذخر بها مجتمعنا.
وللإعلام أيضًا دور كبير في الوقوف سدًا منيعًا أمام كل ما يتسبب في إلحاق الضرر بالأسرة والمجتمع بصفة عامة، ويقوي اللُّحمة الوطنية. وهنا يبرز دور القائمين على المؤسسات الإعلامية في إعداد محتوى إعلامي هادف وثري، يلبي حاجات الأسرة، مع الاستفادة من ثورة الإعلام الرقمي للمحافظة على هوية مجتمعنا؛ ليتناسب مع الأسرة التي يجب أن تؤدي دورها في متابعة واختيار ما يناسبها من هذا الكم الهائل من المواد الإعلامية.
ما القطاعات التي توفر فرصًا جديدة للأسر المنتجة في سوق العمل؟
وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بكل قطاعاتها المختصة، وكذلك وزارة التجارة.
كيف ترين تجربة المرأة السعودية في سوق العمل، وهل أثبتت كفاءتها؟
تركز التوجهات الحديثة للقيادة في المملكة على التنمية المستدامة وتمكين النساء والفتيات، استرشادًا بخطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030؛ إذ وضعت المملكة الأطر الوطنية اللازمة لتحقيق تلك الأهداف، وكذلك تغيير وجهة الإنفاق الحكومي من الرعوية إلى التنموية.
وركزت رؤية المملكة 2030، وبرنامج التحول الوطني على مساهمة المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ من خلال زيادة مشاركتها في سوق العمل في مختلف المجالات والمستويات الوظيفية، وإزالة الحواجز التي تحول دون انضمامها لسوق العمل.
وقد عقد مجلس شؤون الأسرة شراكات مع الجهات ذات العلاقة بالتنمية، من بينها شراكته مع المرصد الوطني لمشاركة المرأة في التنمية؛ لتزويد الجهات المستفيدة بالبيانات والمؤشرات اللازمة وتعزيز مشاركة المرأة في التنمية، وكذلك توقيع مذكرة تفاهم مع المركز الوطني للقياس؛ لتطوير مقاييس تسهم في تحقيق تقدم تنموي لخدمة الأسرة والمجتمع.