في قلب العاصمة الهولندية الصاخبة، وتحديدًا في الطابق الخامس لأحد مبانيها الأنيقة. يختبئ متحف صغير يحمل بين جدرانه مفاجأة ثقافية لافتة. إنه متحف “الصندوق الأخضر” (Greenbox Museum). مبادرة فردية جريئة تهتم بعرض الفن السعودي المعاصر، مثيرة للدهشة والتساؤلات والإعجاب في آنٍ واحد.
متحف “الصندوق الأخضر”
في بلد يعد منارة للفنون التشكيلية منذ عصر النهضة، ويحتضن عشرات المتاحف العريقة في عاصمته أمستردام وحدها. يبرز “الصندوق الأخضر” بهويته المتفردة. هذا المتحف، الذي أسسه الذواقة الهولندي أرنوت هلب. يعد سفارة فنية غير تقليدية للفن السعودي المعاصر في قلب أوروبا، وذلك وفقًا للموقع الرسمي للمتحف “greenboxmuseum“.
كنز فني في مساحة متواضعة
على مساحة لا تتجاوز الثمانين مترًا مربعًا، يستقبل “الصندوق الأخضر” زواره بجدرانه الخضراء الفاتحة وإضاءته الممتازة. ليعرض نحو 35 عملًا فنيًا مختارًا بعناية من أصل مجموعة تضم قرابة 80 عملًا. هذه الأعمال تحمل توقيع نخبة من الفنانين السعوديين المعاصرين. من بينهم عبد الناصر غارم، ريم الفيصل، أحمد ماطر، ناصر السالم، سارة أبو عبد الله، ومها ملّوح وغيرهم.
رؤية متحفية فريدة
كما يصف هلب متحفه في تصريحات إعلامية بأنه “عودة إلى الأسس”. مشيرًا إلى أن فكرته نشأت من فضول شخصي وعلاقة غير نمطية بالعالم. ويضيف: “التحدي يكمن في زيارة الأشياء القديمة والتطلع إليها تحت ضوء مختلف، ومن ثم إعادة صُنعها مجددًا”.
لماذا الفن السعودي؟
وحول سبب التركيز على الفن السعودي دون غيره، أوضح هلب أن التصنيفات الجغرافية لم تعد معبِّرة. ليست الحدود الجغرافية للمملكة هي التي تثير اهتمامه، بل فضاؤها الشاسع، وعقول المسلمين، إذ تحضر دائمًا مكة المكرمة كمدينة أساس ومحور للمرجعيات. لافتًا إلى أن نقل الفن هو إصغاء واستخراج لأفضل ما لدى المهتمين بالمشاركة، مؤكدًا أن المتحف هو ملك الفنانين الذين تُعرض أعمالهم فيه.
انتقاء دقيق للأعمال
وعن معايير اختيار الأعمال الفنية، يشبّهها هلب بتقنية فصل الزيت الخفيف عن الزيت الخام، مؤكدًا أن المسار غالبًا ما يكون لغزًا وملهمًا في آن واحد، تمامًا كإلهام الشعراء في اختيار أبياتهم.
شهرة واسعة وتحديات التمويل
بينما على الرغم من أن المتحف يستقبل أعدادًا متواضعة من الزوار تقدر بين 500 وألف زائر سنويًا. فإن صفحته على “فيسبوك” تحظى بأكثر من مليون وتسعين ألف معجب، مما يعكس صدى المتحف الواسع على المستوى الافتراضي.
كما يواجه “الصندوق الأخضر” تحديات في التمويل، إذ يعتمد بنسبة 99% على التمويل الشخصي لمؤسسه. وفي هذا السياق، يشير هلب إلى صعوبة المنافسة المالية في أمستردام مع المؤسسات الثقافية المدعومة.
مستقبل يجمع بين الأصالة والتوسع
يتطلع هلب إلى دمج متحف “الصندوق الأخضر” كمجموعة بحثية متخصصة ضمن متاحف تقليدية أكبر، بهدف إتاحة الفرصة لأكبر عدد من الجمهور للاطلاع على هذه الأعمال. وعلى المدى الطويل، يخطط للتبرع بنصف مجموعته والمتحف لمؤسسة دائمة، وإعادة طرح النصف الآخر في السوق لتعويض التكاليف.
وأكد هلب استقلالية المتحف عن التمويل الحكومي أو المؤسسي، مشددًا على أن العلاقة التي تربط المتحف بالمملكة العربية السعودية هي علاقة فنية خالصة. وأن “متحف الصندوق الأخضر” في أمستردام يبقى علامة فارقة، تجسد شغفًا فرديًا بالفن السعودي المعاصر، وتقدمه للجمهور الأوروبي بطريقة فريدة ومبتكرة، ليصبح جسرًا ثقافيًا يربط بين الشرق والغرب عبر لغة الفن.