ظاهرة التساهل وعادة الاستسهال.. لماذا تحدث الخسارة وكيف يقع الفشل؟ وهل بالإمكان تجنبهما؟

صبحة بغورة
صبحة بغورة

صبحة بغورة تكتب 

الأصل في الحياة هو الخير، وهو دائمًا خير في واقع فعله وطبيعة ذاته، في نوع وسائله وحقيقة غاياته. ولا يكون للشر وجودٌ إلا عندما يغيب الخير، وكذلك النجاح والفشل، لأن في الأول كل الخير.

ومن المعروف أن كل ما يصدر من أفعال عن الفرد هو سلوك، لا يصدر عادة من فراغ. وقد يحدث بصورة لا إرادية كالتنفس مثلًا. كما يحدث بصورة إرادية أيضًا، وعندها يكون تصرفًا واعيًا الغرض منه مقصودًا. وغالبًا ما يكون متأثرًا بعوامل البيئة المحيطة.

ترمي هذه التوطئة إلى ترسيخ فكرة أن السلوك الإرادي مكتسب، ويميل مع مرور الوقت إلى الثبات. ويسمّى به الفعل ورد الفعل، ثم إنه يؤثر بشكل مباشر في قيم وأخلاق العالم الخارجي، الذي يحيط بالفرد إيجابًا وسلبًا. وبقدر تجذّره وانتشاره يكون مقدار تقييمه كظاهرة متأثرة ومؤثرة.

تجاوزات سلوكية بين الشباب

يحدث بين الشباب في فترة المراهقة الحائرة تجاوزات سلوكية بالقول والفعل، وينحرف بعضها عن الاعتبارات السوية في العلاقات الاجتماعية. وكثير منها يتم تجاوزه وغض الطرف عنه، بل ويعتبره البعض أمرًا عاديًا لا ينبغي الوقوف عنده، وتعكير أجواء المرح الشبابي بسببه.

وهو ما يسمى بالتساهل، أي جعل الأمر سهلًا مهما كان محرجًا، فادحًا، أو بلغ درجة الانحراف. فالتساهل تصرف سلوكي يميل من خلاله الفرد المتساهل إلى إيجاد المبرر لكل شيء. والتعلل بطبيعة الظروف حتى لا يتحمل وزر نتيجة ما وقع، أو أن تُلقى عليه مسؤولية الخيبات في العلاقات، وفي مجال العمل.

الاستسهال يكاد يلامس حدود عدم الجدية والرعونة، وعدم الاكتراث لعواقب الأمور. وعدم التبصر لطبيعة النتائج المترتبة عليه، وينطوي على تراخي الفرد في الالتزام بالقواعد الأخلاقية. وفي الحرص على تطبيق الاعتبارات المبدئية ومراعاة أصول اللياقة الاجتماعية، وهو يأخذ شكل العادة السيئة. ويمكن بسببه أن تحدث حالات الفشل الدراسي والخسائر المادية.

كما أنه غالبًا لا ينال من كانت شيمته استسهال كل أمر، مهما بلغت خطورته ثقة المحيطين به. ولا يعتبره رؤساؤه في العمل أهلًا لتولي المناصب القيادية، أو التكفل بالمهام ذات المسؤوليات الكبيرة، فيحرمونه من الترقي الوظيفي، لأنه سيكون من عوامل فشل المؤسسة.

ويُعرَف الاستسهال بأنه انحياز معرفي، يتجلى في ميل المرء إلى المبالغة في تقدير احتمال نجاحه في مهمة يُنظر إليها على أنها معقدة وصعبة، ونقيضها الاستصعاب. وكلاهما يقع ضمن نطاق نظرية “المقارنة الاجتماعية”.

أين تكمن خطورة التساهل؟

بالإضافة إلى ذلك، تكمن خطورة الاستسهال في كونه قد يتأصل كعادة، وفي تأثيره السلبي والمضلل لنتائج الآليات المعرفية المنهجية، مثل: انحياز المجرب، والخطأ العشوائي، وخطأ القياس الإحصائي.

ولا ترتبط مثل هذه الأخلاقيات كثيرًا، ولا تتحدد أو تتشكّل في نفس كل فرد، على حسب المستوى التحصيلي الدراسي له. لأنها مسألة تربية، تكون قد شكّلت مبكرًا السلوك، ووجّهت الاهتمام إلى ضرورة احترام المجتمع، فأسست لثقافة الالتزام.

وهذا هو المعنى الذي يستلهمه الفرد لتقويم حياته من وجوده، وهنا وجب التفريق بين التسامح، الذي يعني أنه كرمٌ من المظلوم، الذي قد يسامح الظالم، ويقبل منه اعتذاره. عملًا بالآية الكريمة: “والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس”. وبين التساهل المفرط، الذي يعني في هذا المقام الاستسلام والضعف، وهو أمر مرفوض تمامًا. لأنه يمكن أن ينصرف أثره إلى إفساد الأبناء بكثرة التغاضي عن أخطائهم، واستهتارهم الدراسي.

وهذا ما سيقودهم إلى الفشل، أو أن يمتد التساهل إلى حد التردد في إبداء الرأي الجازم المفيد، والشهادة الحاسمة لحق، أو عدم تقدير الموقف الصحيح، باعتقاد عدم رؤية جدوى عند التراجع عن الحكم على الأشخاص المسيئين.

الرابط المختصر :