الأب المغترب.. عندما يغيب رُبّان السفينة!

ما بين ضغوط العمل، وضغوط الحياة بعيدًا عن الأهل والأحباب، يعيش الأب المغترب وحيدًا في بلاد لا يعلم فيها مذاق الراحة؛ من أجل توفير بعض من النقود لإرسالهم شهريًا إلى العائلة، أو إثبات ذات في ظل المتغيرات العالمية، ويظل الكفاح رفيق دربه المخلص الذي لا يتخلى عنه.

الأب المغترب

«يجب على الأب المغترب أن يعلم جيدًا طبيعة النضال الذي تعيشه زوجته؛ من أجل الإبقاء على حياة أبنائها سعيدة، مع الحفاظ على تماسكها طوال الوقت»؛ هكذا أكد الدكتور نورالدين أبو زيد؛ المستشار الأسري في تصريحات خاصة لـ«الجوهرة»، مفيدًا بأن سفر الأب يتطلب دراسة شاملة لحياة الأسرة بأكملها.

إن الحياة تختار أن تضع العديد من الآباء في اختبار حقيقي مع المسؤوليات المتزايدة على كاهلهم؛ ومن هنا، تعتبر الغُربة بمثابة الحل الوحيد للأزمات المالية في بعض الأحيان، علمًا بأن الكثير منهم يسافرون بغرض تطوير الذات، والعمل على حصد العلم من بعض الدول الأوروبية، أو الآسيوية.

وأوضح الدكتور نورالدين أن الأب غالبًا ما يفكر في اصطحاب عائلته؛ إلا أن الأمر يعتبر مكلّف ماديًا، ويتطلب الكثير من الاهتمام في البلاد الغريبة؛ ليبدو في هذه الحالة قرار تحمٌل مسئولية ذاته هو الأفضل.

أكد المستشار الأسرى على محورية دور الأب في حياة الأبناء؛ إذ أن وجوده الصامت يمكن أن يسد فجوة عميقة في نفوسهم؛ فهو ليس ماكينة لتوفير الأموال فقط، بل إنه يمثّل الأمان بالنسبة للعائلة بأكملها.

فقدان شريك الحياة

تعتمد تلك المرحلة في حياة الأسرة على الأم، والأجداد بشكل كبير، فهم يحملون أسمى معاني الدفء والطمأنينة بالنسبة للأبناء، وهو الأمر الذي يتطلب الكثير من التضحية من قبلهم؛ فكل أم تحتاج إلى ابنها المسافر، وكل زوجة تفتقد شريك حياتها في الغربة؛ لكن يجب أن يتم اتخاذ الإجراءات كافة للحد من الآثار السلبية لغيابه.

«تعتبر الأسرة التي يغيب عنها الأب، بمثابة السفينة بدون رُبّان»؛ هكذا وصف أبوزيد حالة العائلة بدون الداعم الرئيسي لها، مشيرًا إلى أهمية التصدي للأمواج الحياتية، والدوامات التي قد تواجه الأسرة؛ ما يتطلب تدخلاً سريعًا من الأم، وهي المساعد والجندي المقاتل الموثوق فيه لإنقاذها من الغرق.

يُشتت الأب المغترب كل الأسرة، الأمر الذي قد يترتب عليه ضعفًا في العلاقات بين الأبناء، مهددة بشبح التفكك الأسري، ويغدو الرجل ضيفًا غريبًا عند العودة إلى منزله، وأضاف المستشار الأسري، أن الزوجة عندما تملأ الفراغ، يمكنها أن تنقذ الحياة، وتبعد عن أبنائها الصدمات، وتجنبهم المعاناة من الانطواء، أو الانعزال المؤذي.

أكد نورالدين أنه يجب مراعاة الحالة النفسية للأم التي تتحمّل المسؤولية كاملة على عاتقها، فقد تفقد أعصابها نتيجة الضغوط، ومتابعة شئون الأبناء الدراسية، والعملية، وهي على علم بأن الأب لا يمكن تعويضه.

واختتم المستشار الأسري تصريحاته، قائلاً: «إن الأسرة السليمة تتأسس على نطاق كامل من المودة، الرحمة، والتواصل باستمرار؛ وهو الأمر الذي يجب أن يحرص عليه كل الأطراف، والسعي لمشاركة تفاصيل الحياة، التي لا تعتمد على المال فقط، فكل الأمور المادية، والبقاء لعاطفة المحبة، والانتماء للأسرة».

اقرأ أيضًا: “شجرة الزيتون”.. عندما تتولى شجرة ترميم العلاقات الهشة!