صبحة بغورة تكتب: فوبيا أول يـوم مدرسـة

الذهاب إلى المدرسة لأول مرة حدث تاريخي بالنسبة للأطفال في جميع أنحاء العالم، ولا يخلو اليوم الأول من المشاعر المختلطة، والمواقف الصعبة، والطرائف المبكية.

وهناك مشاهد أخرى يمكن وصفها بالـ"مأساوية" لأطفال مذعورين يبدؤون حياتهم الدراسية متعلقين بذويهم، طفل يبكي وهو يرى أمه متأثرة تغادره لأول مرة لتدعه في مكان يجهله وفي عالم أكبر منه، فيترك دخول المدرسة لأول مرة شعورًا بالتيه لدي الطفل وبالانسلاخ لدى الأم، والقاسم المشترك بينهما الدموع الغزيرة.

تعيش كل أسرة تحضر أحد أبنائها لدخول المدرسة أجواءً مشحونة بحالة استنفار استثنائية، خاصة مساء اليوم السابق على الموعد المحدد الذي غالبًا ما يكون حافلا بكل أشكال "الأخطاء" التي ستكون سببا في تضخيم المسائل البسيطة والهامشية، لتصير مشاكل سيعاني منها الطفل في سنته الأولى بالمدرسة.

فهو بالإضافة إلى شعوره الطبيعي بالضيق وببعض الرهبة سيعاني من تسلل قليل من الوحشة وشيء من الخوف بالرغم من أنه يحتل مكانة مميزة وسط أسرته التي ستنهال عليه بالتحذيرات المتتابعة والإرشادات المتتالية والنصائح المتعاقبة والتنبيهات المتوالية من كل صوب وحدب، لتتوج بالتوصيات المشددة لضبط سلوكه وانضباطه وتهذيب سلوكه وإظهار أدبه الجم.

ولا شيء يبدو من طبيعة رد فعله أنه استوعب الموقف أو على الأقل سيتذكر ما قيل له، كل ما ستتركه كلماتهم في نفسه المزيد من المشاعر السلبية أشبه بالهجر، فهو صار متأكدًا أن اليوم التالي سيبتعد عن أهله وبأن أمه ستتخلى عنه، وبأنه مقبل على الخروج من الدفء العائلي؛ حيث الطمأنينة والأمان إلى عالم جديد سيفقد فيه خصوصيته ومكانته، وهو عامل آخر يزيد من حجم المشكلة، لأن الطفل أصبح لديه استعداد للخوف خاصة عندما يصبح فردًا من مجموعة كبيرة من الأطفال في عالم يشعر فيه كل طفل بالغربة.

ومن أفضل الوسائل التي يمكن أن تخفف عن الطفل ضغط وحشة الانتقال وراحته نفسيا، حسن استقباله في اليوم الأول الموصوف "بأصعب الأيام" باحتضانهم وتقبيلهم، وإعادة تنظيم هندامهم ثم بتنظيم ألعاب حركية مرحة ومنشطة للدورة الدموية، وتخصيص أوقات للرسم والتلوين، ومشاهدة أفلام فيديو.

هذا بالإضافة إلى مهارة المعلمات ذات المؤهلات التربوية والأساليب المتنوعة، التي يحبها الأطفال كرواية قصة عن طريق القراءة التمثيلية التعبيرية بطريقة مشوقة واختبار متابعتهم لها بأسئلة ذكية.

وهناك رأي يقترح مرافقة الأم لإبنها في اليوم الأول إلى الساعة التي يبلغ فيها تعلقه بالمكان إبعاده يد أمه عنه، للبقاء مدة أطول وهو مؤشر قوي على استئناسه للمكان واتباعه سلوكًا جديدًا يوحي بتأكده من أن أمه لن تتخلى عنه، وستعود في آخر اليوم الدراسي لتأخذه إلى منزله. ما يزيد الأمر سوءًا، أن نرى البكاء من الطرفين ، بمعنى أن وجود رفض الانفصال بين الأهل والأبناء ليس من الأطفال وحدهم بل إن كلا من الطرفين قد يجهش بالبكاء ويرفض ترك الآخ.

عندها قد تسمح الإدارة للأهل بالبقاء لفترة أطول، أو قد تطلب منهم أخذ الطفل معهم إلى المنزل كي لا تجبره على فعل شيء لا يرغب به في المرحلة الأولى، وكي لا يكره المدرسة في أول الطريق. لاشك أن ثمة خطوات توصف بـ التمهيدية، تتطلب من الأب والأم أن يقوما بها قبل اليوم الأول للمدرسة، كالابتعاد عنه قليلا ووضعه في أجواء شبيهة بأجواء المدرسة، وتركه يلهو مع أقرانه في الحي أو النادي، وتعويده على الاتكال على نفسه وسط مجموعة أصدقائه في أجواء شبيهة بالحضانة، مثلا بما يساعده على الانسجام مع مقتضيات هذه المرحلة المهمة والأساسية في حياته خاصة بالنسبة للذين لم يفارقوا أهلهم طوال السنوات الثلاث.

إذن لا مناص من تعويد الطفل على الانفصال التدريجي عن المنزل والبعد عن الأم وتكوين علاقات اجتماعية مع الآخرين، وذلك بتكثيف أيام مبيته بمنزل الجد أو مع الجدة مثلا.

كذلك، زياراته منفردًا للجيران المقربين جدًا والمجاورين لمنزله وللأهل واللعب معهم، مع تفادي ذكر أي تعليقات أو أوصاف تسيء للمدرسة، لأنها يمكن أن تنفر الطفل منها، وتعمد الاستمرار في غرس حب المدرسة في نفس الطفل وتحسين صورتها وذكرها.

عود الطفل على ترديد أناشيد صغيرة وآيات قرآنية قبل النوم، وفي صباح اليوم الأول من المدرسة يجب إيقاظه في الوقت المناسب الكافي لارتداء ملابسه وتناول الفطور في جو أسري جميل ومشجع، مع إشعاره بالهدوء والطمأنينة واحتوائه بالحب والحنان.

وعند العودة من المدرسة يُحبذ إظهار الإعجاب مباشرة بتحقيق إنجاز دخوله المدرسة وعمل حفلة صغيرة بهذه المناسبة، وإهدائه أدوات مدرسية جديدة جميلة ومبتكرة؛ لإضافة المتعة إلى التعلم في نفس الطفل، والبهجة إلى قلبه في أداء الواجبات.

الثابت أن ثمة علاقة وثيقة بين طبيعة الوسط الأسري المتفتح والجو العائلي المستقر الذي يسوده التفهم والرعاية الكاملة والحنان، وبين إقبال الطفل على المدرسة بكل سعادة ودون إثارة المشاكل.

والعكس صحيح، فالأسرة التي لا تعيش أيامها إلا في أجواء صاخبة وقلق واضطراب؛ لن يكون الطفل متأكدًا أن المدرسة أفضل حالًا، بل قد يظن أنها مثل أسرته أو أشر بما أنها عالم مجهول لديه، لذلك يبدي رفضًا شديدًا للالتحاق بها، وهي حالة لا تنطبق بالطبع على كل الأطفال الذين لا يرغبون في الابتعاد عن أسرهم حبًا وتعلقًا.

ومن هنا تبدو أهمية توفير أجواء أسرية آمنة، بعيدة عن أسباب التوتر والإزعاج، وضرورة منح الأطفال كل مشاعر الحنان والحب والعناية الفائقة؛ ليشبوا مشبعين عاطفيًا، ومتوازنين نفسيًا، ومنسجمين مع محيطهم ومع أنفسهم أولًا.

صبحة بغورة متخصصة في كتابة المقالات السياسية والقضايا التربوية

اقرأ أيضًا: صبحة بغورة تكتب: موقع المعلم في المنظومة التربوية والمجتمع