د. رانيا يحيى تكتب: المرأة بين التمكين والقضاء على العنف

حظي ملف المرأة باهتمام ملحوظ منذ سنوات عديدة، ولكن السنوات الأخيرة شهدت طفرة غير مسبوقة لذلك باتت كثير من الدول العربية تحرص على صورة المرأة وتمكينها، وفي مصر كان الاهتمام لافتًا وملهمًا من أجل الوصول بهذا الملف إلى ما نصبو إليه بدعم الرئيس عبد الفتاح السيسى.

وحصلت المرأة المصرية على مكتسبات واستحقاقات واحدًا تلو الآخر، تعبر عن إرادة حقيقية تعكس رؤية القيادة السياسية ورغبتها في تمكين المرأة.

وهناك عدد لا يستهان به من الوزيرات، وتقلدت المرأة أيضًا منصب محافظ، ويوجد عدد من نائبات المحافظين والوزراء، ونسبة 15% نساء تحت قبة البرلمان في برلمان 2015، ثم قفزت النسبة لتصل إلى 28% فى الغرفة الأولى عام 2020 و14% فى الغرفة الثانية متمثلة في مجلس الشيوخ، وتم اعتبار عام 2017 عامًا للمرأة المصرية والإعلان عن استراتيجية النهوض بالمرأة، وهي لها أربعة محاور تتمثل في التمكين السياسي والاجتماعي والاقتصادي والحماية الثقافية والتشريعية.

لذا، نعتبر أنفسنا في العصر الذهبي للمرأة المصرية، وأنها بحق خطوة للأمام لتوجيه كل مؤسسات الدولة وهيئاتها لدور المرأة وأهميته.

كذلك، لعب المجلس القومي للمرأة دورًا مؤثرًا في تمكين المرأة؛ من خلال إطلاق عدد من المبادرات والحملات التي تدحض الثقافة الذكورية الخاطئة القائمة على تهميش المرأة وإقصائها، وتدعم دورها كشريك حقيقي؛ منها: حملات "التاء المربوطة" و"طرق الأبواب" و"لأني رجل" و"حياتك محطات" وغيرها.

كما تولى المجلس دعم ومساعدة السيدات الأكثر احتياجًا بتوفير فرص عمل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، وأيضًا الحرص على إصدار بطاقات رقم قومي للسيدات -ليصل لـ 500 ألف مستفيدة- حتى تستطيع الحصول على كل أشكال الدعم والتكافل التي تقدمها الدولة، وفتح حسابات بنكية وإصدار 50 ألف شهادة أمان للمرأة المعيلة بتكلفة 25 مليون جنيه، وتم تنفيذ عدة مشروعات للادخار والإقراض استفاد منها 18 ألف سيدة.

ووصلت نسبة السيدات المستفيدات من قروض المشروعات متناهية الصغر إلى 3 ملايين سيدة بنسبة 70%، وتم تطوير منتجات مصرفية تلبي احتياجات المرأة من خلال مقترح منتج بنكي جديد للإقراض متناهي الصغر للسيدات تحت مسمى "مشروعي".

وأطلق المجلس مبادرة الشمول المالي مع البنك المركزي لنشر التوعية بالخدمات البنكية ومحو الأمية الوطنية والمالية، وتعد هي المبادرة الأولى من نوعها على مستوى العالم.

هذا بجانب التوعية البيئية والصحية ومبادرات 100 مليون صحة، وتوثيق الزواج القبلي، والعمل على توعية المرأة بدورها كشريك أساسي في صناعة مستقبل بلدها.

[caption id="attachment_59790" align="alignnone" width="1184"]د. رانيا يحيى تكتب: ما أهمية النقد؟ د. رانيا يحيى[/caption]

أما عن التشريعات فقد بذل المجلس جهودًا مضنية في هذا الملف وبعد إصدار عدة تشريعات سعدنا مؤخرًا بخروج قانون المجلس القومي للمرأة، وقانون ذوي الاحتياجات الخاصة، وقانون مكافحة العنف ضد المرأة، وآملين في إصدار القانون الجديد للأحوال الشخصية.

ولم يقتصر دور المجلس على هذا الحد، وإنما كان هناك الاهتمام البارز بملف ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال لجنة ذوي الإعاقة التي عملت على فكرة الإتاحة ودمج الإعاقات المختلفة في كل أوجه المشاركة.

ورغم كل هذا، فللمرأة دور رئيسي ومحوري لم تبخل به على وطنها في مساندة الجيش والشرطة، لدحض الإرهاب والأفكار الظلامية والمتطرفة.

ويعمل المجلس بقوة لمنع العنف ضد المرأة بجميع أشكاله، وقد صدر قانون تجريم منع الميراث لأول مرة، وتغليظ عقوبة التحرش، وكذلك تغليظ عقوبة ختان الإناث، وسعت الدولة إلى القضاء على هذه الظاهرة من خلال اللجنة الوطنية لمناهضة ختان الإناث بالتعاون بين المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للأمومة والطفولة.

وللأسف، يعتقد الكثيرون أن قضية العنف ضد المرأة تقتصر على المجتمعات النامية والمجتمعات التي تغلب عليها الثقافة الذكورية، وهذا اعتقاد خاطئ؛ حيث إن المرأة ما زالت حتى في المجتمعات الديمقراطية والدول العظمى لا تعامل كالرجال في كل الأمور والمجالات، ولكن بالطبع النسب تتفاوت بين هذه الشعوب وغيرها.

لذا، نجد المجتمع الدولي يهتم بجميع قضايا المرأة ويوليها اهتمامًا واضحًا؛ لهذا السبب تم إصدار تسعة قرارات من مجلس الأمن تتعلق بأجندة المرأة والسلم والأمن، خاصة مع صدور القرار رقم 1325 لعام 2000 وما تلاه من قرارات في هذا السياق.

كما تم وضع الركائز الأربع لهذه الأجندة والتى تضم: المنع والوقاية، المشاركة، الحماية، بناء السلام وإعادة التأهيل، والتي ساعدت المنظمات الدولية والإقليمية في وضع استراتيجيات ترعى حقوق المرأة وتكفل حمايتها من العنف والتمييز وعدم المساواة.

وما زلنا في مصر ودولنا العربية نعاني من أضرار العنف الواقع على المرأة، وكانت نتائج آخر بحث أجراه المجلس القومي للمرأة بالتعاون مع جهاز التعبئة العامة والإحصاء وصندوق الأمم المتحدة للسكان عام 2015 على عينة بحث تضم 21 ألف أسرة من معظم محافظات مصر؛ حيث وصلت أعداد الأطفال المتضررين من العنف ضد المرأة داخل الأسرة إلى مائة وثلاثة عشر طفلًا يفقدون تعليمهم بسبب تشريد الأسر وتغيير محل السكن واضطرار بعضهم إلى العمل لكسب مورد رزق لإعالة الأسرة أو مساعدة الأم في توفير أساسيات الحياة وهم في عمر الزهور.

د. رانيا يحيى تكتب: المرأة بين التمكين والقضاء على العنف

كما وصل أعداد الأطفال الذين يعانون الاضطرابات النفسية والاكتئاب والخوف إلى ثلاثمائة ألف طفل وهي نسبة تعكس تأثير ما تتعرض له المرأة المعنفة من سلبيات تطال أبناءها بخلاف آلامها النفسية والجسدية، وبطبيعة الحال هذا مجرد شكل من أشكال العنف ولكنه قد يكون الأسوأ تأثيرًا في حياة الأسرة وبالتالي يعود على مجتمعنا بالسلب.

وإن كنا نعيش العصر الذهبي للمرأة المصرية في العصر الحديث لما يؤكده الرئيس السيسي من وضع ومكانة المرأة وتصحيح كل أوضاعها وضرورة مشاركتها في جميع ميادين العمل وتمكينها اقتصاديًا وسياسيًا، فعلينا أن نعمل جميعًا لتمكينها اجتماعيًا أولًا داخل أسرتها، وأن يخرج مشروع قانون للقضاء على العنف ضد المرأة بعد إقراره من البرلمان؛ لضمان انحسار هذه الظاهرة واستعادة حقوق عظيمات مصر.

دكتورة رانيا يحيى رئيس قسم فلسفة الفن بأكاديمية الفنون عضو المجلس القومي للمرأة بمصر

اقرا أيضًا: د. رانيا يحيى تكتب: «توسكا».. مشاعر إنسانية متأججة