د. رانيا يحيى تكتب: المرأة السعودية جوهرة في عين حراسها

يقول سقراط إن المرأة هي مصدر كل شيء وتلك حقيقة، فحينما نتحدث عن المرأة فإننا نتحدث عن الحياة بأكملها، الأنثى حياة والمرأة هي صانعة الأجيال ولم تكن كما يتصور البعض نصف المجتمع فقط بل هي المجتمع بأسره. فالمرأة تحتل مكانة عظيمة. وربما يحاول أصحاب العقول الرجعية التقليل من شأنها بوضعها في مرتبة أقل من الرجال في مخالفة للثوابت؛ حيث بنيت الحياة على الشراكة ما بين الذكر والأنثى وعاشا معًا كنواة لأي تجمع بشري في كل بقعة من بقاع الأرض. وأثبتت المرأة بما لديها من إرادة وقوة وصمود أنها لا تقل عن الرجل في تأدية المهام الوظيفية بشتى مناحي الحياة.

وخلال السنوات الأخيرة، تعَول الحكومات على المرأة للنهوض بالمجتمعات، والارتقاء بها، فما يشهده ملف المرأة من اهتمام ملحوظ خلال تلك الآونة، خاصة في بلداننا العربية، لهو حقًا أمر جدير بالتقدير. وبات تمكين المرأة وتغليب الإرادة السياسية للتغيير نحو الأفضل انطلاقة تحظى بتأمل وتدقيق يتبعها إشادة مستحقة ممن أحرز تقدمًا لهذا الملف.

وتأكيدًا لهذا الدور المنوط بالمرأة، يقول نابليون: "إذا أردت أن تعرف رقي أمة فانظر إلى نسائها". ويرجع ذلك لأنها عصب الحياة والعمود الفقري داخل أسرتها؛ تعلّم وتربي فهي صانعة الأجيال وصانعة المستقبل القريب والبعيد؛ لذا تبذل الكثير من الدول العربية جهودًا حثيثة في الآونة الأخيرة من أجل رعاية المرأة ودمجها في المجتمع والعمل على تمكينها بكل المجالات، خاصة بعد تبني أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر والتي تسعى كثير من الدول لتنفيذها

تمكين المرأة السعودية

وما تشهده المملكة العربية السعودية من تقدم يستحق الإشادة، فالمرأة السعودية تتعافى من التحديات التي كانت معوقًا لطموحها وتقدمها، وفي هذا الإطار ترى المؤرخة السعودية "هاتون الفاسي" أن حقوق المرأة العربية تضرب بجذورها في عمق التاريخ، وتستعين بذلك بأدلة من الحضارات القديمة الموجودة في الجزيرة العربية، والتي تمتعت فيها المرأة بشخصية قانونية مستقلة. لكنها فقدت الكثير من هذه الحقوق في ظل القانون اليوناني والروماني قبل دخول الإسلام، وللأسف تم الإبقاء على هذه المعوقات كأعراف وتقاليد حتى بعد ظهور الإسلام.

ولكن تعمل المملكة خلال السنوات الماضية على تحسين أحوال المرأة والمضي قدمًا نحو تقدمها وإعلاء شأنها، كما كان للقرارات الأخيرة للعاهل السعودي دور في تغيير النظرة الرجعية للمرأة السعودية؛ ومن ضمنها السماح للمرأة بالقيادة، وإتاحة دخول المرأة الملاعب لتشجيع المباريات. وإحقاقًا للحق ينبغى أن نذكر شراكة المرأة السعودية في مجالات العمل المختلفة بالمستشفيات والبنوك وشغلها لمناصب عليا في الوظائف العامة، وكونها أصبحت شريكًا مهمًا في العديد من الهيئات والجمعيات الأهلية كالغرف التجارية، والأندية الأدبية، وجمعيات الخدمات الاجتماعية وغيرها.

ورغم هذا، يتبقى لدينا الإصرار على نزول المرأة في مجالات أخرى لم يكن لها نصيب في خوضها وتوليها مناصب قيادية تليق بمكانتها وهو ما نثق في القيادة الحاكمة أن تضعه في الاعتبار، خاصة لاتفاق هذا التوجه مع مسيرة النهوض بالمرأة العربية ككل. وذلك استكمالًا لمسيرة الإصلاح التي بدأت منذ عام 2005، وتطورت بشكل ملحوظ في خطوة غير مسبوقة حين صدر الأمر الملكي في أواخر عام 2014 والذي ينص على مشاركة المرأة بكامل حقوق العضوية في مجلس الشورى السعودي. وأن تشغل نسبة 20% من مقاعد العضوية كحدٍ أدنى. وبالفعل شاركت المرأة السعودية بعدد ثلاثين عضوة من جملة مائة وخمسين عضوًا يضمهم المجلس، وإلى جانب ذلك الإقرار بمشاركة المرأة في الترشح والانتخاب لعضوية المجالس البلدية.

قد بهمك: تمكين المرأة قولًا وفعلًا.. محمد بن سلمان.. 6 سنوات من القرارات الشجاعة

كما اقتحمت المرأة السعودية السلك الدبلوماسي لتلعب دورها الأيقوني على المستوى الدولي. وذلك حين تولت السيدة السفيرة ريما بنت بندر منصب سفير السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية كأول سيدة تشغل هذا المنصب الحساس كممثلة لدولتها في السفارة بواشنطن عام 2019. وأعقبها السيدة السفيرة آمال المعلمي سفيرة في النرويج. والسيدة السفيرة إيناس الشهواني سفيرة في السويد.

قرارات عديدة تؤكد انحياز القيادة نحو تمكين المرأة، كما نجد أسماء تبرق في سماء المملكة بعطاءات وإنجازات غير مسبوقة. فنسمع في مجال البيئة والمحافظة عليها اسم ماجدة أبو راس الذي يتلألأ بحصولها على جوائز عديدة ومهمة ومكانة مرموقة باعتبارها خبيرة للتوقعات البيئية العالمية. كما تغدو غادة المطيري إحدى الرائدات في مجال صعب ولم تقتحمه نساء كثيرات، لكن هذه السيدة لم تخشه، وأثبتت تفوقًا واستطاعت أن تبرهن على قدرة المرأة السعودية على الولوج للأبحاث الكيميائية كأحد مجالات البحث العلمى اعتمادًا على النانو تكنولوجي. وحققت الباحثة عددًا من براءات الاختراع، وأثبتت ذاتها بعبقريتها وكفاءتها كواحدة من أعضاء هيئة التدريس بجامعة كاليفورنيا.

ومن الكيمياء إلى الطب وجراحة الأعصاب، تألقت وأبدعت في مجالها الدكتورة سامية الميماني ببراءات اختراع للكشف عن الأمراض الخبيثة والأورام في وقت مبكر، وكذلك التحكم في الخلايا العصبية؛ من خلال أحد الأجهزة التي يرجع لها اكتشافها، فتؤكد مهارتها الطبية وذكاءها في ذلك المجال شديد الدقة.

[caption id="attachment_59790" align="alignnone" width="300"]د. رانيا يحيى تكتب: ما أهمية النقد؟ د. رانيا يحيى[/caption]

أيضًا في المجالات العلمية الدقيقة وتحديدًا اقتحام مجال الصواريخ وإطلاق الأقمار الصناعية، والالتحاق بوكالة ناسا العالمية؛ حيث تعمل في هندسة الطائرات والمراكب الفضائية، فلم تقيد نفسها بالمجالات النمطية أو الأكثر شيوعًا بل اخترقت المرأة السعودية المجالات كافة، في تحد وإرادة ذاتية للمرأة. لكن في الواقع لم تتحقق تلك الإرادة لو لم تتوافر إرادة أكثر قوة وأكثر قبولًا لتلك التحديات، ولديها الرغبة في إزاحة العراقيل كلها لتوفير رؤى مستقبلية ترتكن للمرأة ككيان صادق في العطاء معنٍ بكل تفصيلاته، ويواجه جميع الحواجز بعبور طامح نحو المزيد بفكر إبداعي تقدمي أكثر تحررًا دون قيد أو شرط، ودون وقوعه في براثن الأفكار الرجعية المتزمتة، وهو ما دعا المرأة لأن تبحث عن ذاتها برؤية إبداعية غير تقليدية وغير مألوفة انبثقت عن إيمانها بطرق أي مجال ترغب في اقتحامه بصبر وثبات وإيثار.

لذلك نجد المرأة أبدعت بكل هذه المجالات تفصيلًا؛ فالإبداع لا يقتصر على المجالات الفنية فقط؛ إذ إن مفهوم الإبداع أوسع وأرحب وأعمق من هذه النظرة السطحية، فدائمًا ما تكون المرأة رمزًا للإبداع في شتى مناحى الحياة، فهي في ذاتها إبداع لا متناهٍ، وأيقونة العطاء والنجاح، ومن ثم الإبداع الذي تتوافر فيه هذه القيم الإنسانية النبيلة. وحين تبدع المرأة في أي من مجالات الإبداع بارتسامها لوحة تجسد مدينتها الفاضلة ومشاعرها المتدفقة وأحاسيسها المتوغلة فهي خير من يبدع من منظور معاناتها التي تحتدم في كثير من الأحيان بواقع أليم قائم لسنوات على تهميشها وإقصائها؛ ليكن هذا الإبداع وسيلة من وسائل البوح غير التقليدي. فإبداع المرأة هو أحد التجليات الجمالية للحياة الرحبة، هذه الحياة التي تسجل فيها المرأة حضورها اللافت باستمرار. وجميع المجالات الإبداعية التي تطرقت إليها المرأة قديمًا وحديثًا هي فضاءات هائلة واسعة يمكن الوقوف عندها بتمحيص وتأنٍ لمعرفة دقائقها وتفاصيلها.

وهناك خطوات جادة تخطوها المملكة نحو المشاركة والتمكين السياسي للمرأة السعودية. تحديات كبيرة واجهتها المملكة حتى لا تقبع المرأة بين جدران المنازل بادعاء المحافظة على التقاليد البالية التى لا تحترم عقلها أو حقها في الإرادة والحياة، وربما هذا التأخر الذي عانت منه المرأة السعودية صنع لديها تحديًا لكسر الحاجز الأسمنتي الصلب، وتوليد رغبة جامحة نحو تعزيز فرصها للنجاح بقوة وعنفوان في محاولة للحاق بمن سبقوها خلال مدة زمنية قصيرة تعتبر قياسية لتحقيق المرجو، وقد كان. كذلك يسير الوضع الإقليمى والعربى بخطى ثابتة نحو أهداف التنمية المستدامة التي لا ولن تتحقق بدون تمثيل مشرف وحضور بارز للمرأة الشريك الفاعل والحقيقي في أي مجتمع.

فتحية لكل امرأة تعي دورها وتحافظ عليه دون إهمال أدوارها الأخرى. وتحية من القلب لمن أرادوا تحقيق النهضة والتنمية التي لا ولن تحدث إلا بمشاركة حقيقية وتعزيز لدور نصف المجتمع.

دكتورة رانيا يحيى رئيس قسم فلسفة الفن بأكاديمية الفنون عضو المجلس القومي للمرأة بمصر

اقرأ أيضًا: د. رانيا يحيى تكتب: المرأة بين التمكين والقضاء على العنف