دكتورة رانيا يحيى تكتب: بالموسيقى والغناء.. تعلم واستمتع

الموسيقى والغناء من أكثر الوسائل الترفيهية المحببة للأطفال؛ وتعمل كذلك على زيادة الاستيعاب والتعلم لديهم؛ من خلال الألحان الرقيقة للأغنيات، والتي تساعد على ارتباطهم بالمادة أو المحتوى واستجابتهم لها. وبالموسيقى يسهل تعليم الصغار؛ لأن حكمة الله أن خلق بداخل كل فرد منا فنانًا صغيرًا بالفطرة، وبالتالي يمكن أن ننمي هذه الموهبة الفطرية أو أن نغفلها ونتركها.. لكن الحب الغريزي من الأطفال تجاه الموسيقى منذ أن كان جنينًا في بطن أمه، يحقق الهدف منها؛ وهو التعلم المصحوب بالاستمتاع، ومن خلال الغناء يستطيع الطفل المحاكاة والنطق السليم، وهي تضاعف رغبته في الاستذكار والتعلم، كما تُشكل وعيه وشخصيته وسلوكه. وهناك بعض الأغنيات التي ترتبط بأذهان الأطفال حينما تكون هي اللبنة الأولى لتعليمهم الأساسي، فمهما يمتد العمر بالإنسان يظل مُتعلقًا ببعض الألحان والكلمات المميزة التي شكلت وعيه في المراحل الأساسية من التكوين، كالأغنيات التعليمية والتربوية التي ندندن نحن بها ونعود معها بذاكرتنا للوراء؛ لأيامنا الأولى في المدرسة، ومنها أغنية "أ ب ت" للفنان محمد ضياء، والتي تربى عليها أجيال وأجيال، وكانت تعتمد على ألحان بسيطة وجمل لحنية قصيرة، واستُخدم فيها آلات الإكسليفون وبعض الآلات الإيقاعية؛ لتوحى بالحالة الطفولية، بجانب الاعتماد الأساسي على الوتريات واستخدام آلات النفخ الخشبية، خاصة الفلوت والبيكولو بأصواتهما الحادة الرقيقة والبراقة؛ لأداء بعض المصاحبات ذات "الموتيفات" القصيرة اللامعة لتتناسب مع تلك الحالة الطفولية لأداء كورال الأطفال والصوت الناعم المحبب لمحمد ضياء. وهناك كذلك إبداعات محمد فوزي للأطفال، والتي سمعوها خلال مراحل التعلم المبكرة، ومنها "ماما زمانها جاية"، و"ذهب الليل"، وأيضًا أغنية "أبجد هوز" غناء ليلى مراد ونجيب الريحاني في فيلم "غزل البنات"، كلمات حسين السيد وألحان محمد عبد الوهاب، والتي تعتمد على الوتريات والإيقاعات المتنوعة، خاصة الغربية منها، مع الجيتارات والماندولين بإيقاع غربي في البداية، ويتضح فيها استخدام عبد الوهاب التقنية العالية للآلات الوترية وإمكانياتها ببراعة، والأغنية احتلت جزءًا كبيرًا من وجدان المصريين حتى اليوم. ومن أكثر الأغنيات التي تعلق بها الأطفال ويتغنون بها داخل مدارسهم؛ لتطابقها مع الحالة الواقعية والنفسية لهم، أغنية "جرس الفسحة" للفنانة الشاملة الراحلة سعاد حسني؛ من مسلسل "هو وهي" كلمات العبقري صلاح جاهين وألحان الملحن الكبير كمال الطويل، ويبدأ لحن الأغنية باستخدام الأجراس الأنبوبية؛ لتوحي وكأنها جرس المدرسة ولحن الأغنية في مجمله بسيط يعتمد على الوتريات في أداء خلفية موسيقية للغناء، أما اللحن الأساسي فيقوم بأدائه الاكسليفون النحاسي المستخدم في المدارس بصوته البراق؛ ليوحي بوجود هؤلاء الأطفال داخل المدرسة ويطبع صورة سمعية ذهنية واقعية مطابقة للحقيقة، وكان أداء الصولو بآلة الإكسليفون شديد التعبير وغاية في التقنية الأدائية، وكانت المصاحبات في كثير من الأحيان بالتباين بين كورال الأطفال والإكسليفون، وحدث تغيير في المقامات والإيقاع عدة مرات للانتقال لحالة نفسية أخرى، عبرت عنها الكلمات في كوبليهات الأغنية؛ ما ميزها بالبساطة والروح الشرقية المصرية باستخدام آلات الإيقاع الشرقي.

وكان استخدام كورال الأطفال المؤدين للأغنية بأصواتهم الرقيقة، بما تحمله من براءة وصدق في التعبير، أهم الأسباب للتعايش داخل الحدث الدرامي، بالإضافة للزي المدرسي الذي جعل الصورة الذهنية متوحدة باستخدام حاستي العين والأذن؛ لتعبر عن سعادة أولياء الأمور بأبنائهم أثناء الحفلات المدرسية، وما يغمرهم من فخر وعزة بأطفالهم الذين استطاعوا أن يحققوا إمتاعًا لعامة الجمهور من أهالي الطلاب، وكانت الرقصات الاستعراضية التي صممها كمال نعيم واقعية ومتناسبة مع وضع الأطفال، كما ساعدت كلمات الأغنية بلغتها العامية المعبرة جدًا عن ترجمة هذه الحالة الشعورية التي عشنا فيها جميعًا داخل المدارس؛ ما جعل هذه الأغنية شديدة القرب من الأطفال، وما زالت تحيا في مقدمة أغنيات المدارس إلى اليوم. وكان للمطرب الفنان محمد ثروت؛ تجربة غنائية في مجال التعليم بخلاف أغنياته العديدة للأطفال، وتحمل عنوان "بسم الله أحلى كلام اتعلمناه" كلمات عمر بطيشة وألحان محمد سلطان، وتم تصويرها في "لوكيشن" عبارة عن فصل مدرسي، وثروت أستاذ يقوم بتعليم طلابه أهمية البدء بالتسمية بسم الله قبل كل شيء والردود الغنائية من الكورال تلاميذ الفصل، وتتسم الأغنية بأنها خفيفة هادفة تتميز بألحان بسيطة ذات جمل قصيرة وإيقاعات متكررة بُني عليها اللحن، وكانت الآلات الأساسية المشاركة هي الوتريات والإيقاعات الشرقية، مع استخدام الكي بورد والناي والإكسليفون بما لها من ملمح طفولي. وكان لأوبريت "رحلة مدرسية" للفنانة ليلى نظمي، كلمات عبد السلام أمين، وألحان طه العجيل وتوزيع ميشيل المصري، وشمل الأوبريت عددًا من الأغنيات التربوية الهادفة؛ منها "الله على مدرستنا، وجوائز للشطار"، والتي كان لها أثر في الأطفال خلال مرحلة ما قبل المدرسة؛ لتشجيعهم على الالتحاق بها، ويبدأ الأوبريت بأجراس المدرسة وقت الفسحة المدرسية للصف الأول الابتدائي، واستخدم "المصري"؛ في التوزيع، الأكورديون والوتريات والعود مع الآلات الإيقاعية شرقية وغربية، كما اُستخدم الإكسليفون للتعبير عن الجو الطفولي في المدرسة، وتم وضع أصوات العصافير والسيارات كمؤثر صوتي طبيعي، واعتمد بشكل كبير على الصوت البشري، سواء للمطرب في أداء اللحن أو في الردود من خلال كورال الأطفال، وتميز لحن "العجيل"؛ بالبساطة والخفة والكلمات العامية التي توحي بالتوجيه غير المباشر، وهو لحن سريع نشط مليء بالمرح استمر لعقود، وربى أجيالاً بصوت ليلى نظمي، وما يحمله من بساطة وتعبي. وينبغي أن نذكر هنا تجربة الفنانة صفاء أبو السعود، ودورها الهادف في مجال الطفل؛ حيث قدمت أوبريتات أعياد الطفولة التي ظلت لسنوات إحدى أدوات التوجيه الثقافي للأجيال الجديدة، ومن ضمن ما قدمت أغنية "في الكتب قرينا في الكتب رأينا.. الكلمة جنب الكلمة كلها زي الياسمينا"، والتي تؤكد أهمية الكتاب والعلم، ودائمًا ما تُستخدم أصوات الأطفال المشاركين في الأوبريت ككورال طفولي؛ ما يجعلها أكثر صدقًا لنفاذها إلى عقول وقلوب الأطفال عند مخاطباتهم. وفى الآونة الأخيرة ظهرت بعض الأغنيات التي توجه نصائح وتعليمًا بشكل غير مباشر للأطفال؛ منها أغنيتا "شاطر شاطر" و"شخبط شخابيط" للفنانة اللبنانية نانسي عجرم، وهما من أكثر الأغنيات التعليمية والإرشادية المحببة جدًا للأطفال؛ نظرًا لبساطة كلماتها ورقة ألحانها المميزة المبهجة، والتي حققت نجاحًا وانتشارًا جماهيريًا كبيرًا. وللأغنيات الوطنية باع طويل في المدارس المصرية؛ لما لها من تأثير مباشر في وعي الأطفال وشعورهم بالانتماء، وهو ما جعل الفنان عمرو مصطفى يقدم مؤخرًا أغنية "علمونا في مدرستنا إزاي نحب مصر" كلمات تامر حسين؛ لتعزيز الروح القومية. ويمتد تأثير هذه الأعمال الإبداعية لدولنا العربية نتيجة دور مصر الرائد في الفنون على مدار عقود طويلة.. حقًا إنها متعة التعلم بالموسيقى والغناء.

[email protected]