حوار| أرملة الزعيم الجزائري هواري بومدين: زوجي عاش ومات شريفا.. وأعيش على تقاعده في شقة للإيجار

ـ قدمني لأهله قائلاً :هذه سكرتيرتي الخاصة وستعيش معي إلى الأبد ـ نسجت خيوط النصر حرب أكتوبر في بيتنا بالجزائر وأنهت حداد نكسة الشعب العربي

أجرى الحوار في باريس: خالد سعد زغلول

من منا لا يعرف الزعيم الجزائري هواري بومدين؟.. ذلك الرجل القوي والقائد الرشيد من الزمن الجميل. هو الأب الشرعي للجيش الجزائري؛ أرسى بنيان الدولة الجزائرية المعاصرة ورفع هامتها، يقاسم بالزعماء فيصل بن عبد العزيز وجمال عبد الناصر والحبيب بورقيبة؛ فهو من الشخصيات الفذة المشتهر عنهم الشهامة والمروءة والمبادئ الوطنية والنضال والإيمان العميق بالقومية والوحدة العربية؛ فبقيت ذكراهم ترمز إلى العصر الذهبي وأيام العزة والكرامة، والكبرياء.. يعتبر من أبرز رجالات السياسة في الجزائر والوطن العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، وأحد رموز حركة عدم الانحياز.

كما لعب بومدين دورًا هامًا على الساحة الإفريقية والعربية، وكان أول رئيس من العالم الثالث تحدث في الأمم المتحدة عن نظام دولي جديد. وله الفضل أيضًا في إدخال اللغة العربية في الأمم المتحدة ضمن اللغات الخمسة الرسمية.

جمعتني لقاءات وزارة الخارجية الفرنسية بأرملة الزعيم الجزائري التي تعتبر أجمل أسراره؛ الدكتورة أنيسة محمد المنصالي، فما زالت سيدة الجزائر الأولى خلال السبعينيات امرأة رائعة الحسن والأناقة رغم العمر ومتاعب الحياة؛ تتمتع بثقافة موسوعية راقية.. فهي مؤرخة وأديبة وشاعرة وكانت وكيلة نيابة وقاضية ومحامية؛ لها عدة مؤلفات ودراسات بالفرنسية في التاريخ والأدب العربي. لكن ما لفت انتباهي وإعجابي معا؛ أنها مازالت تعيش على ذكرى حبها للزعيم الجزائري بومدين؛ وكنت أعرف أن الحب أملُ لكن يبدو بأن أملها أبعد من الحياة؛ فهي تعيش على ذكرى حبه بعد 41 عامًا من وفاته وأخلصت له فرفضت الزواج بعده، وقالت لي: "لو لم أكن زوجة لبومدين لضحيت بحياتي من أجله فهو أعظم وأشرف من حكم في تاريخ الجزائر".

[caption id="attachment_222366" align="alignnone" width="997"]أرملة الزعيم الجزائري هواري بومدين: زوجي عاش ومات شريفا الدكتورة أنيسة محمد المنصالي خلال جوارها مع الزميل خالد سعد[/caption]

وعلى الفور دار الحديث عن زوجها الراحل وما قدمه للجزائر وللأمة العربية والاسلامية في حرب أكتوبر؛ فكان هذا الحوار الشامل:

كنتِ سيدة الجزائر الأولى في عصرها الذهبي وعلى ما أظن كنت وكيلة نيابة.. فمن هي أنيسة بومدين؟

التحقت بكلية الحقوق بجامعة «السوربون» بباريس لنيل شهادة الليسانس في الحقوق، قمت بالخدمة المدنية في شئون القضاء وبومدين، وكنت نائبة وكيل العصمة في إطار المدني، كما شغلت منصب نائب وكيل الجمهورية، لكن الرئيس بومدين أدخلني القضاء؛ فكان يريد أن تتولى النساء القضاء في الجزائر، وكان يدافع عن حقوق المرأة، ويحب الارتقاء بالمناصب للنساء ولكن بترقيات محسوبة وليست بفوضوية.

كما عملت كمحامية، فلما امتلأ المكتب بالموكلين تركت المحاماة، وحينما تزوجت عدت إلى الجامعة كطالبة بسيطة لا تتمتع بأي فضل. ونلت شهادة الليسانس في الأدب العربي؛ لكوني كنت أشعر بمركب نقص تجاه زوجي حيث كان يتقن اللغة العربية لدراسته في الأزهر الشريف، فلم نكن قد درسنا العربية في زمن الاستعمار الفرنسي.

هل كان الزعيم الجزائري ضليعًا في اللغة العربية؟

نعم، وبشدة كان - رحمه الله - يعشق اللغة العربية ويعتز بها؛ ولهذا عرّب جميع المؤسسات الجزائرية، واستقدم مدرسين من عدة دول عربية خاصة مصر. كما يعود له الفضل في إدخال لغتنا رسميا إلى الأمم المتحدة لتكون خامس لغة رسمية؛ فاكتشفت من خلاله الثقافة العربية وتاريخ الحضارة الإسلامية.. (تضحك) أتذكر أنه كان يمازحني بسرد أبيات من الشعر العربي ويتباهى بأنه يحفظها منذ الابتدائية.

ماذا تعملي حاليًا؟

أعمل كمؤرخة، ونشرت دواوين شعر بالفرنسية ثم ترجمت ألف بيت للخنساء للفرنسية، وألفت رواية تاريخية للبطلة ليلى الأخيلية الشاعرة المنافسة للخنساء؛ فهي ولدت في نجد وعاشت قصة حب جميلة مع الشاعر توبة بن الحمير. وكانت شخصيتها قوية؛ قضت على التقاليد الأدبية؛ إذ كان الرثاء مقصورا على الأقارب بينما رثت من تحب رغم أنها لم تتزوجه. ثم كتبت عن الفتنة الكبرى.

هل اِسْتَعَنْتِ بكتاب طه حسين عن الفتنة الكبرى؟

لقد قدمت في كتابي أكثر مما قدمه طه حسين، ومحمد حسنين هيكل من معلومات تاريخية وتحليلات مهمة لم يتطرق إليها أحد من قبل.

كيف تغير وضعك بعدما أصبحتِ سيدة الجزائر الأولى وحياة الفخامة؟

لقد تغيرت تماما، ولكن ليس كما تتصور؛ فرغم أني أنحدر من عائلة قديمة ثرية ومشهورة في الجزائر، إلا أني تعلمت التقشف من بومدين؛ لأنه كان رجلًا متواضعًا جدًا، ذو ثقافة واسعة وأدب جم لا يحب البذخ والتبذير.

وكان - رحمه اللهَّ - يعشق البساطة، تعلم الزهد وأصول الدين واللغة العربية في الأزهر بمصر.

كيف تعيشين في باريس؟

أعيش على تقاعد زوجي من الجيش الجزائري في شقة للإيجار، وحتى حينما أرجع لبلدي الجزائري فإن الدولة تستضيفني دائمًا في فيلا تابعة للرئاسة فلا نملك عقارًا ولا أملاكًا.

لكن هناك صحيفة جزائرية ادّعت بأنكِ تعيشين عيشة الملكات في القصور، وتتمتعين في عز كبير عبر ثروة زوجك.. ما ردك؟

يشهد الله أن زوجي عاش شريفًا ومات شريفا، لقد كنت مصدومة بالفعل بتصرف وموقف جريدة جزائرية على النت، ليس لديها أي ثقل في الجزائر لا تمثل إلا مجموعة معارضة انفصالية صغيرة من القبائل، حاولت تشويه ذكرى وشرف الرئيس هواري بومدين وتلطيخ سمعتي أيضًا.

حيث نشرت أكاذيب بأن الرئيس بومدين كانت لديه حسابات في بنك يهودي في نيويورك، وبأن لدينا قصور وورثت هذه الأموال عن زوجي وأعيش عيشة الأميرات ولدي آلاف العقارات في العالم.

ويعلم أغلب الشعب الجزائري - والله فوق الجميع - يعلم جيدًا بأن زوجي كان من أشرف الرجال، ولم يمتلك أية أموال ولا عقارات ولم يترك لي شيئا؛ بل علمني التقشف، فكان زاهدًا في الحياة ومتدينا جدًا ويعرف الله ودرس بالأزهر الشريف.

كما يعلم الناس جيدًا شرفه ونقاء يده حتى أعدائه الذين يهاجمون سياساته، لم يجرؤوا أبدًا على مهاجمته في نزاهته لأنه نزيه بالفعل.

وأحيطكم علمًا بأنه منذ 40 عامًا، تمت تحقيقات حتى من أشد أعدائه السياسيين لمعرفة هل كان فاسدًا؟ فلم يتمكنوا من إثبات شيء؛ لأنه بالفعل لا يوجد شيء واعترفوا بشرفه ونقائه ونزاهته.

هل لجأتِ للقضاء باعتبار ذلك سب وقذف وتشويه؟

نعم، قررت اللجوء للقضاء الفرنسي؛ إذ أعيش في باريس لكون الجريدة التي تدعي على زوجي المرحوم بالباطل لم تنشر تكذيبا. ولكني للأسف الشديد اخترت محاميا جزائريا، ورفعت عبره قضية ضد هذه الصحيفة التي تبث أخبارًا كاذبة وتضليل وتشويه لتاريخ زعيم لأسباب سياسية وأردت أن يطالبهم بتقديم دليل واحد على ما يزعمون، فليأتوا عبر القضاء ببرهانهم إن كانوا صادقين، لكنهم لم ولن يقدروا؛ لأنه لا يوجد شيء.

لماذا لم يحكم القضاء الفرنسي في القضية المرفوعة؟ هل تحرج القاضي لكون الملف سياسي فلم يحكم لكِ ولا لهم بشيء؟

للأسف الشديد، لم يتمكن المحامي من تسليم ملف الدعوى في الوقت المناسب ولم يطبق الإجراءات وفق البند الـ53 من القانون الفرنسي الصادر في 29 يوليو 1981؛ فرفض القاضي الفرنسي القضية لخطأ في الإجراءات القانونية، وليس كما يدّعون بأنني خسرت القضية بسبب مضمون الدعوى.

فكان يجب أن يقدم المحامي الدعوى للأطراف المدنية وللمدعي العام للجمهورية قبل أول جلسة وفق تاريخ محدد. وللأسف لم يصل للنائب العام الفرنسي الإخطار القانوني اللازم قبل أول جلسات القضية فرفض القضاة القضية. ولم يحكم فيها بسبب سوء أداء المحامي، وبإمكان الجميع التحقق من ذلك عبر الاستفسار من المحكمة الفرنسية بباريس.

لقد أتت الجريدة المزعومة بكذب وبهتانًا عظيمًا ولن اسكت عليهم ولن أسمح لمخلوق بتشويه تاريخ زوجي المرحوم الرئيس هواري بومدين. فالله شاهد، والشعب الجزائري يشهد بأن زوجي - رحمه الله -، عاش ومات شريفا نقي اليد طاهر القلب؛ فشرف زوجي خط أحمر.

قصة حبي بالزعيم كانت خفية على المخابرات الجزائرية

اسمحي لنا أن نتعرف على قصة حياتك مع الزعيم هواري بومدين ولكن من زاوية لم يتم التطرق لها من قبل.. هل تزوجتم عن حب أم كان زواج الصالونات التقليدي؟

في الحقيقة تزوجت الرئيس الهواري بومدين عن حب وإعجاب متبادل، فأنا أنتمي إلى المدرسة الفرنسية بحكم الظروف التي عاشتها الجزائر خلال فترة الاستعمار، وهو ينتمي إلى المدرسة العربية ودرس في الأزهر بمصر.

كان الرجل منعكفًا على بناء جيش قوي ودولة مؤسسات راسخة، وكان يعيش في وسط رجالي ينهض وينام على مشاكل الدولة ولم يجد وقتا لبناء بيتا وأسرة حتى جاء اليوم الذي بث فيه التلفزيون الجزائري برنامجاً عن أبنائنا الخريجين القادمين من فرنسا ليعملوا في سلك القضاء وكنت منهم. وكما قيل لي فيما بعد ما ظهرت على التلفزيون أعجب بي وقال إن وكيلة النيابة العامة للدولة جميل.

لقد تم ترتيب لقاء مع رئاسة الجمهورية في يوم ما لكوني كنت أبحث عن حل مشكلة قضائية استعصت على الوزارة؛ فدخلت مقر الرئاسة وكلي ثقة أن أحلها وإذا بالباب يفتح ويستقبلني الرئيس بومدين.

كان مهيبا ذلك الرجل الطويل القامة النحيف الحاد النظرات (تضحك) كانوا يسمونه في الجزائر «الشنبات»، وببساطة وتواضع استدعاني للجلوس في زاوية في مكتبه؛ وهو يستمع إليّ، وكنت شديدة الفخر بلقائه فأحببته.

وبعد فترة أسرّ إلي بأنه كان يبادلني الحب ومعجبا بملامح القاضية الشابة الجميلة التي جلبت اهتمامه منذ مروري بالتلفزيون، ثم تأكد الإعجاب خلال جلسة افتتاح السنة القضائية.

وزاد إعجابه بي حينما عرف أنني كنت صاحبة المقالات التي نشرتها بصحيفة المجاهد والتي أثارت انتباهه.

ومنذ ذلك اللقاء، لم نفترق أبدا وتوطدت العالقة. وتحول الإعجاب إلى حب خالد عبر الدهر.

تواصل سيدة الجزائر الأولى في عصرها الذهبي حوارها معنا بعد فترة صمت رحلت بخاطرها إلى حيث المكان والزمان لتستحضر الحدث وذكرياته الجميلة وعادت لنا لتقول:

كانت العلاقة بيننا خفية على أقرب الناس له حتى لم يخترقها جهاز المخابرات؛ فقد أخفى عن الجميع حتى يوم عقد القران علي؛ فلما سألته عن السبب قال لكون ذلك تزامن مع انعقاد قمة عدم الانحياز في الجزائر؛ حتى لا يستقطب هذا الحدث الأنظار. لكن بعد انعقاد القمة تم الإعلان أمام الجميع ونظم حفلا بسيطا، دعي إليه والدته وأفراد أسرته والمقربين. وبخفة ظله المعهودة قدمني إلى العائلة وأمام دهشتهم قال: «هذه كاتبتي الخاصة وستعيش معي إلى الأبد».

وكانت هذه طريقته في الإعلان عن وضعه حدا نهائيًا لعزوبيته. ثم أقام حفلاً لتقدم السيدة الأولى حضرها بعض المقربين منه من أعضاء مجلس الثورة والحكومة. واندهش الكثيرون ومن بينهم مدير المخابرات العقيد قاصدي مرباح الذي غاب عنه سر علاقة الرئيس بي طيلة أربع سنوات.

وكانت هذه شخصية الرئيس، كانت العلاقة بيننا خفية على أقرب الناس له حتى لم يخترقها جهاز المخابرات (تضحك). حدثني أحد أفراد الحراسة أن مرباح غضب بشدة من الحرس وسألهم كيف لم يبلغوه بدخول شخصية أجنبية إلى مقر الرئاسة على مدار مدة طويلة، المفارقة أن الحرس الجمهوري نفسه لم يكتشف ذلك إلا من غضب مدير المخابرات.

أرملة الزعيم الجزائري هواري بومدين هل لديك أولاد من بومدين؟

لم أكن عاقرًا؛ فقد كان بإمكاني الإنجاب لو استمر في الحياة، ولكن لم يشأ الله.

حبكِ لزوجك وإخلاصك له محط إعجاب الجميع.. كأنه مازال يعيش معك!

أصارحكم القول بأنني لو لم أكن زوجة لبومدين لضحيت بحياتي من أجل أن يمتد به العمر وبكل سرور، وكانت لديه شخصية فذة فوق العادة. هذا رأيي ولا أتكلم بصفتي كزوجة بل كمؤرخة عليمة بأسرار التاريخ، وتحب السياسة الجميلة الحقيقية وليست الكاذبة.

وقد اكتشفت جانبًا مشرقًا لشخصية الرئيس، وحينما درست وثائق الأرشيف للثورة الجزائرية الكبرى، فهمت أنه خُلقَ بنضج، كان إنسانًا بعيد النظر.

ويمكنني أن أؤكد أن بومدين أعظم من حكم الجزائر في التاريخ؛ لقد كان يعتقد أن منصب الرئيس مسخر لخدمة الشعب وليس للتمتع بملذات السلطة وهي أصعب مهمة فلا توجد جامعة لتكوين الرئيس، وإنما مسؤولية كبرى أمام الله وأمام الشعب وأمام التاريخ. لم تكن لديه رغبة في البقاء رئيسا مدى الحياة، لقد أخبرني دائما أنه سيترك السلطة في سن الخمسين (توفي عن عمر 46عاما)؛ لأنه كان ينوي الراحة، فهو مثل الزعماء العرب الكبار لم يستمتع بيوم كامل من الراحة، بسبب انشغالاته، فلما كنت أنصحه بالراحة كان يقول أن موقف الجزائر مطلوبا بين دول العامل الثالث.

وكنت شاهدة على قيامه بالعديد من التحليلات وتوقعاته للمستقبل وتحققت فيما بعد وقد توفي - رحمه الله - ولم يرها.

ممكن أمثلة؟

هي كثيرة؛ فكان على علم بالمخطط الصهيوني لتقسيم العالم العربي بتحييد مراكز القوى فيه، عبر الفتن والطائفية، في العراق وتجزئته والسودان وزعزعة استقرار وأمن سوريا وليبيا ومصر عبر مخططات خارجية.

وكان يقول: "إن العرب سيواجهون المشاكل الكبرى إذا ما لم يغتنموا فرصة ما، وقد يتم تدميرهم اقتصاديا لو مشوا في هذا الاتجاه ولو اعتمدوا على أمريكا سيحصل لهم ما تأمله إسرائيل".

من أطلق على زوجك لقب أبو الجيش الجزائري؟

الرئيس زروال؛ جنرال وكان من تلاميذ زوجي وتحت قيادته وكلما تحييني القيادات العسكرية الجزائرية تؤكد هذا اللقب؛ فكما ذكرت لك هو الذي نظم الجيش، وكان كل رؤساء الجزائر يحبونه ويحترمونه كثيرا خصوصًا الرئيس المرحوم بوتفليقة فهو الذي اختاره ليكون وقتها أصغر وزير خارجية في العالم (25 سنة)، كان يشجع الشباب وطاقاتهم وحتى الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، يكن له كل الحب والاحترام.

هل قتلوه كما قتلوا عبدالناصر بالسم أم مات بشكل طبيعي؟

في الحقيقة أمام الله، لا أعرف فالتقرير الطبي كشف لنا أنه مات بنفس طريقة موت الرئيس بومبيدو ولا أحب الحديث إلا عن معلومات دقيقة ومبررة. لكن ما أعلمه أن الأطباء الروس أخفوا عنه حقيقة مرضه، وأخبروه بأن الأمر يتعلق بمغص كلوي، إنني مقتنعة بأنه لو كان مطلع على حقيقة مرضه لاستقال حتى يعتني بصحته و يتعالج.

لماذا رفض العلاج في بلاد الغرب المتقدمة طبيًا؟

رفض أن يعالج في أمريكا وفي فرنسا وفضّل روسيا لكونها أكبر حلفائنا. ا هل كان يتكلم معكِ عن شؤون أو أسرار الدولة أو يشتكي لك من هموم الناس أم كنت فقط ربة بيت؟ نعم، كانت لديه روح الديمقراطية وكانت من عادته أن يشاور كل الناس قبل اتخاذ قرارات «تضحك» كان يقول لي انت مواطنة ككل المواطنين ومن حقك التحدث والتعبير بحرية.

كيف كان دور بومدين في العالم العربي؟

لقد خدمه بقوة؛ لأن الجزائر أول بلد في القارة الأفريقية، تمكنت من تأميم المحروقات بشجاعته فتبعه الآخرون. ودون ذلك لم يجرؤ أحد على ذلك أما بومدين فلم يحتاج مساعدة أي بلد.

ونجح في ذلك نجاحًا باهرًا، وبعض القادة من ملوك وأمراء في الخليج وفي أفريقيا هنأوا زوجي وحيوه وسلكوا نهجه حينما وجدوه قد فتح الطريق لهم، فهو فتح لهم الطريق مبكرًا، لا يجب أن ينسى الشباب ذلك اليوم.

بكل صراحة، من هو البطل الحقيقي للثورة الجزائرية "بن بلة أم بومدين"؟ وهل صحيح أن بومدين انقلب على بن بلة؟ ولماذا لم يحكم بومدين في البداية ما دام بن بلة قضى أغلب سنوات النضال في سجن الفرنسيين بعد أن اعتقلوه في حادثة اختطافه الشهيرة ومعه 4 من الثوار؟

بومدين هو البطل الشرعي للثورة ضمن رفاقه، وكان قبل أن يوقع اتفاقيات ايفيان يقول بأنه لن يفرح في يوم الاستقلال؛ لأنه كان يعتقد أن الاستقلال الحقيقي لم يتحقق بعد، فبالنسبة له يتلخص في الاستقلال الاقتصادي، وليس بعودة الأرض والتغني بالنشيد الوطني ورفع العلم، فكان عنده يقين في ذلك.

كما كان لديه قبل توقيع الاتفاقية مع ديجول، مشروع لبناء الجيش وهو يصف في أوراقه ضرورة تأميم النفط وتأميم المناجم والبنوك لأنه في الحقيقة لم تشأ البنوك وقتها تمويل المشاريع الصناعية الضخمة. وكان يحدد دور الجيش لكونه ينتمي للشعب وعليه مسؤولية خدمة مصالح الشعب. ولهذا عليه بناء الطرق والمدارس والجامعات إلخ. وهكذا كان يتصور مستقبل الجزائر فاطلع بن بلة على هذا البرنامج لكن المؤسف لبن بلة أنه لو طبق البرنامج لاحتفظ بمنصبه الرئاسي، فبومدين لم يشأ تكرار قصة عبد الناصر ومحمد نجيب.

ولكن بن بلة - رحمه الله - سعى إلى تأميم المؤسسات والمتاجر الصغيرة كمحلات الجزارة ودكاكين البقالة وصالونات الحلاقة والحمامات، مما أثار تذمر الطبقات الوسطى التي تعرضت إلى ظلم بعض القرارات الجائرة. كما أنه لم يكن في الجزائر أمن ولا أمان، وكانت الاختطافات في مناطق عديدة.

كما كانت هناك أحداث تمرد القبائل وكانت الإضرابات كثيرة في وهران، فعمت فوضى كبيرة. وكان هناك تدهور اقتصادي وانخفاض في قيمة العملة المحلية وبومدين.

وكان رجل نظام ويكره الفوضى، وكان قبل أن يضع قدما ينظر أولًا فيما لو كان تحتها لغم، فقد كان شديد الحذر، وقد نظم الجيش فكما تعلم كان معظم الثوار فلاحين ومدنيين فعمل على التحاق الكوادر بالمدارس العسكرية الكبرى في العالم الغربي وأنشأ المدارس والمعاهد والكليات لتهيئة الكوادر الشابة؛ فكان على عهده جيش منظم وعصري والأمن مستتب في البلاد وعاد الاستقرار السياسي.

هل لديكِ صلات أو صداقات بأسر زعماء وأمراء العرب؟

أتمتع بصداقة هدى عبدالناصر التي جاءتني إلى الجزائر، وكانت مع نائلة الحريري ونبيه بري ـ في اجتماع المجالس النيابية، ونحن على اتصال.

وأعرف كاميليا ابنة الرئيس الراحل أنور السادات كذلك التقيت بالسيدة جيهان السادات، وأتمنى حينما تحين الفرصة لقاء السيدات أرامل وبنات الزعماء فيصل والقذافي للأسف مازلت لا أعرف أميرات من دول الخليج ولكني أتابع علو ثقافتهن ومستواهم العلمي والاجتماعي المحمود وسعيدة؛ لأن المرأة العربية بدأت تحجز مكانة راقية لها في المجتمع وينظر لها بكل احترام في دول الغرب فالتعليم أساس رقي الفكر والبشر. حرب أكتوبر

لقد اختلطت الدماء المصرية بالجزائرية في المحن التي واجهت الدولتين وتقاسم الشعبان الآلام والأفراح وفي الحروب والانتصارات.. ماذا تقولي؟

هذا صحيح؛ العرب دائما كانوا كتلة متراصة في كل المحن التي مرت على أمتنا العربية فمثلا كان هناك تلاحم عربي كبير مع مصر ضد العدوان الثلاثي عام 56 منهم المملكة السعودية. حيث شارك في الحرب ضد إسرائيل (كمتطوعين) اثنان من ملوك السعودية هم الملك سلمان والملك فهد (عندما كانوا أمراء آنذاك) ومن كل قطر عربي.

أما خلال الاستعمار الفرنسي على الجزائر، فحينما كان الفرنسيون يقصفون شعبنا وقرانا، كانت الدماء تنزف من الشعب المصري.

فقد كانت القومية العربية تسري في دماء المصريين والجزائريين وكل العرب شعبا وحكومة؛ ومازلنا نذكر لمصر وقفتها المجيدة معنا في حرب الاستقلال ضد الاستعمار الفرنسي وتبنيها لقضيتنا العادلة على جميع المستويات الشعبية والرسمية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية.

ولا ينسى الجزائريون إذاعة «صوت العرب» ونداءاتها للثوار لمحاربة فرنسا تزامنا مع دعم الزعيم عبد الناصر بالسلاح والمال وبالتدريب. ولهذا اعتدت فرنسا على مصر عام 56 لمساندتها لنا.

لا يستطيع جزائري نسيان التاريخ، فقد قدمت مصر المساعدات الجليلة إلى جبهة التحرير، وعقد المؤتمر الثاني للثورة الجزائرية في أغسطس عام 1957 بالقاهرة فنحن شعب واحد.

ما الذي جعل العلاقة بين عبدالناصر وبومدين قوية؟

كان الرئيس بومدين يؤمن بالوحدة العربية وبأطروحات الرئيس جمال عبد الناصر الخاصة بالوحدة العربية وكان يقول دائمًا، بأن عدو الأمة العربية يستميت لزرع التفرقة والكراهية تحت مبدأ فرق تسد وكان الرجلان زعيمان حقيقيان.

وكان يحب مصر التي درس فيها خلال شبابه، ويقول إن قلب الشعب المصري نابض بالإسلام والعروبة وهو صاحب حضارة عظيمة.

كيف وقعت النكسة على الزعيم هواري بومدين؟

كان يوم 5 يونيو 1967 حداد شخصي للرئيس بومدين، وكانت الجزائر كلها شعبا وحكومة في حداد فقد شاطرنا العرب أحزانهم وتقاسمنا المحنة. حيث مست النكسة كل الشعب العربي.

چوكان بومدين يدافع عن فكرة الوحدة العربية والتضامن مع كل الشعب العربي؛ وبعد ضرب المطارات المصرية أرسل بومدين الى عبد الناصر يبلغه بأن جميع المطارات والطائرات الجزائرية تحت أمر وتصرف القيادة المصرية.

كيف استعد بومدين مع السادات محي الهزيمة والتجهيز لحرب 73؟

في الواقع لقد شاركت جميع الدول العربية تقريبا في حرب 1973 طبقا لاتفاقية الدفاع العربي المشترك، خصوصًا سوريا والعراق والجزائر التي شارك جنودها بالفعل مع المصريين بقوة على جبهة القتال.

لكن ما لا يعرفه الناس إنه حينما نسجت خيوط حرب 73؛ كانت نهايات صياغتها في فيلا بومدين بالعاصمة الجزائرية. حيث كان لقاء سري بعيدا عن القاهرة التي كانت مراقبة عبر أقمار التجسس الأمريكية والإسرائيلية وذلك في بيتنا. جمع بين الرؤساء أنور السادات وهواري بومدين ومعمر القذافي؛ كان ذلك في رمضان 73 قال الرئيس بومدين للسادات إنه يضع كل إمكانيات الجزائر تحت تصرف القيادة المصرية وطلب منه أن يخبره فورا باحتياجات مصر من الرجال ونوع السلاح وأبلغه بأنه يجب أن يحتاط من خطأ عام 67 فلديه معلومات من استخباراته الجزائرية في أوروبا بأن إسرائيل تنوي الهجوم على مصر في أكتوبر، فقال له السادات بأنه سيفاجأ الإسرائيليين والعالم كله بعظمة المقاتل المصري، وبأنه قرر كسر جمود حالة اللا حرب واللا سلام وبأنه سيرد لهم الصفعة بأعنف منها في 6 أكتوبر. ومن أجل هذا يحتاج الجيش المصري إلى المزيد من الدبابات والطائرات ولكن السوفييت يرفضون تزويده بها.

وعلى الفور توجه الرئيس بومدين إلى الاتحاد السوفييتي وبذل كل ما في وسعه، بما في ذلك فتح حساب بنكي بالدولار، في موسكو لإقناع السوفييت بالتعجيل بإرسال السلاح إلى الجيشين المصري والسوري. والتقى برجنيف الذي كان غاضبا بشدة على المصريين لكون السادات طرد الخبراء السوفييت.

وقائع شراء بومدين للسلاح الروسي

وقال له برجنيف: «إن السادات طلب أسلحة ورفضنا طلبه والآن يتصرف كما يحب من رأسه»، فقال له بومدين غاضبا: «أنتم تزعمون أنكم أصدقاء العرب وحينما نأتي لكم لطلب مساعدتكم ترفضونها وسوف تتحملون مسئولية كبرى أمام التاريخ وهدد القيادة السوفيتية»، قائلًا: "إن رفضتم بيعنا السلاح فسأعود إلى بلدي وسأوجه خطابا للرأي العام العربي أقول فيه بأن السوفييت يرفضون الوقوف إلى جانب الحق العربي وأنهم رفضوا بيعنا السالح في وقت تخوض فيه الجيوش العربية حربها المصيرية ضد العدوان الإسرائيلي المدعوم من طرف الإمبريالية الأمريكية".

وسأل بومدين برجنيف: «ما حدود الوفاق بينكم وبين الأمريكيين؟ فأنتم تتصرفون بأقصى درجات الضعف عرب التنديد بالبيانات والصحف وهم يتصرفون بأقصى درجات القوة»، فقاطعه رئيس، وهم الوزراء كوسيجني: قائلاً: «نحن لا نتصرف بضعف»، فرد بومدين: «إذا كنتم تتصورون أننى جئت إلى هنا كي أجاملكم لكونكم دولة عظمى فإني لن أفعل ذلك، فتدخل بريجينف».

وقال: «نحن لم نكتف بالبيانات والمقالات، وإنما قدمنا لأصدقائنا العرب ما يحتاجون إليه لكنهم لم يحسنوا استعماله».

وهنا فقد زوجي أعصابه، وقال: "الحقيقة أننا لسنا وحدنا الذين هزمنا، وإنما أنتم هزمتم معنا في نفس الوقت، فليكن نحن لا نحسن غير سياقة الجمال ولا نعرف كيف نقود الطائرات الحديثة فتعالوا أنتم وأرونا ما تستطيعون عمله، معلوماتي أن السلاح الإسرائيلي الأمريكي كان متفوقا على سلاحنا السوفيتي».

وهذا الكلام زعزع برجنيف لكونه لمس كبريائه وقال: «موافق على بيع الأسلحة المطلوبة ولكن بشرط أن يدفع السادات كاش»، فقدم بومدين له شيكا على بياض وملأه برجنيف بمائتي مليون دولار، (بما يعادل حاليا 2 مليار دولار) ولم يغادر بومدين موسكو حتى تأكد من أن الشحنات الأولى من الدبابات والطائرات قد توجهت فعلا إلى مصر.

كذلك منح مليوني طن بترول لمصر ومثلهم لسوريا، كما أرسل نحو 2500 جنديًا وضابطًا وخطب فيهم قائلاً: "إن جزء من أمتنا يقع عليه عدوان فاذهبوا ودافعوا عنه وليس أمامكم إلا خيارين النصر أو الشهادة".

اقرأ أيضًا: مصممة الأحجار الكريمة سنية الفقي: السوق السعودي بيئة جاذبة.. والمملكة محطتي التالية