القراءة عن العنف أم مشاهدته.. أيهما أشد تأثيرًا؟

تلقيت خلال هذا الأسبوع، العديد من التساؤلات، كان أكثرها أهميةً: ما الفارق بين مشاهدة فيلم عنيف، وقراءة أحداثه في سطور؟

وللرد على مثل هذا التساؤل، عليك التفكير -على سبيل المثال- في أيهما أشد ضراوةً وتأثيرًا في نفسك، أهي مشاهدة إحدى القنوات الإخبارية وهي تعرض واقعة إطلاق كثيف للنار في مكان ما، أم قراءة أحداث هذا الإطلاق الناري عبر صفحات الجرائد؟

وفي هذا السياق، قالت إحدى المتابعات: "أعلم أن هناك الكثير من الأبحاث حول كيفية تأثر الدماغ بمشاهدة أحداث العنف، لكني أبحث -تحديدًا- عن وسيلة معالجة هذا التأثر، من ناحية المشاهدة أسوةً بالقراءة"، واستدركت حديثها طارحةً سؤالًا: لماذا يواجه الدماغ مشكلةً في المعالجة والتمييز عند مشاهدة أحداث فيلم عنيف، وهذا عن تجربة شخصية فعلية، في حين يختلف الأمر، ويكون الدماغ أكثر قدرةً على التفريق عند قراءة حدث مماثل؟

عادةً ما أشير إلى ارتباط العنف التقليدي بمرآة الخلايا العصبية واللوزة الدماغية (تلك المنطقة التي توجد في عمق الدماغ، وهي منطقة بحجم حبة اللوز، وتولّد الخوف)، فحينها يبدو معظم الأشخاص (دون وعي) وكأنهم يرون ويسمعون سلوك الآخرين، حتى أنهم يصبحون أكثر قدرةً على الانعكاس (فعلًا وقولًا)، وهذا هو ما تم رصده وسمعه.

فاختلاف القراءة عن المشاهدة يتمثل في أنك تفكر في سلوك الآخرين بدلًا من النظر إليهم وسماعهم؛ لذلك فهو يحتوي على نوع مختلف من التأثيرات الدماغية، التي لم تشاهد السلوك بصوتٍ ولونٍ كاملين، كما أن التفكير الواعي في القراءة يضيف -عادةً- أفكارًا، في حين نمضي قدمًا، ونستكمل سطرًا بعد سطر (نعم هذه فكرة جيدة، أو عفوًا هذه فكرة سيئة حقًّا)، إلى أن يتلاشى كل ما نلاحظه بمنتهى البساطة في ذلك الوقت.

يبدو أن تعبيرات الوجه، من خوف وغضب، هي الأكثر حساسية وتأثرًا باللوزة الدماغية؛ ما يؤدي إلى الاستجابة لمثل هذه الانفعالات، ومن ناحية أخرى فالقراءة حول أحداثٍ راهنة لا ينتج عنها تشغيل لأي رد فعل في نصف الدماغ الأيسر، ولا توجد ملاحظات فعلية، أو أصوات تُذكر.

لاحظ أهمية كلمة "راقب"، وارتباطها بمرآة الخلايا العصبية، وهي اقتباس لكلمة أجدها مفيدة من أول كتاب قرأته عن مرآة الخلايا العصبية.

إن معظم المناقشات حول العنف التحريضي تميز بين الآثار قصيرة وطويلة المدى؛ لمراقبة العنف الإعلامي وتأثيراته.

ومن الواضح أن مرآة الخلايا العصبية الكلاسيكية، ومرآة الخلايا العصبية الفائقة تنخرطان بصورة معقولة في اثنين من التأثيرات قصيرة الأجل، وهما التقليد الفوري للسلوك العنيف، والإثارة بوجه عام؛ بسبب مراقبة أحداث العنف.

ولقد رأينا الدورَ الحاسم، الذي تلعبه مرآة الخلايا العصبية، في العديد من السياقات الطبيعية المنتشرة للتقليد البشري.

ويمكن للخصائص العصبية لهذه الخلايا أن تشرح بسهولة التقليد الفوري للسلوك العنيف، خصوصًا أعمال العنف البسيطة تمامًا كما تفسر، وسبق أن رأينا هذا في انفعالات متعددة؛ كانعكاس الابتسامة، والاهتزاز بالقدَم، وفَرك الوجه.. إلخ.

والآن، دعونا نتطرق إلى الآثار طويلة المدى للعنف الإعلامي، فعلى الجانب الكلاسيكي، تُعزَى تلك الآثار إلى أشكال معقدة من التقليد، فلا يكتسب الأفراد سلوكًا عدوانيًّا حاسمًا، أو متناسقًا، أو معقدًا، يجعلهم عدوانيين وعنيفين فحسب، بل يصبحون أيضًا مقتنعين بأن هذه العملية -بطريقة غير واعية- ومثل هذا السلوك هما طريقة جيدة لحل المشاكل الاجتماعية.

ارجع بذاكرتك -فحسب- إلى أحداث ١١ سبتمبر، هل تتذكر القراءة عن ذلك؟ أم هل تتذكر الصور المروّعة للمباني وهي تقع، والناس يصرخون ويهربون، وإطلاق النار الكثيف، وصافرات سيارات الشرطة؟

إن هذه ذكرياتي، فنحن لا نستيقظ من الكوابيس التي تصورها جريدة أو كتاب، إنما هي الصور والأصوات التي رأيناها وسمعناها حينئذ.

يجب أن تضع في حسبانك أنه من السهل أن نرى كيفية طباعة الأخبار المرئية والصوتية هذا الأسبوع (مع صافرات الإنذار الخاصة بالشرطة، وحشود الأشخاص الذين يركضون ويهرولون في الشوارع، وفئة منهم يصرخون ويمسكون بمَن حولهم متلطخين بالدماء، فضلًا عن صور لمَن أطلق وابل النيران، وصور أخرى لأسلحته العديدة)، إلا أن ما سبق سيضيف إلى تفكير البعض الآخر محاولة تقليد مثل هذا السلوك بأنفسهم يومًا ما، عاجلًا أو آجلًا، وهناك الكثير من المعلومات عن هؤلاء الجناة؛ مثل: كيف يشاهدون الأخبار المتعلقة بعمليات إطلاق النار السابقة؟ وكيف كانوا يحتفظون أيضًا بقصاصات الصحف (كان لدى رامي أطفال مدرسة الرماية في "ساندي هوك" مجموعة من هذه القصاصات)؟ ويبدو أن الذكريات المرئية والصوتية هي التي تعلّم الناس مستقبلًا كيف يصبحون عنيفين (ويبدو أن أشرطة الفيديو العنيفة عبر الإنترنت هي ما شاهده الرماة في مدرسة "كولومبين" لأسابيع، أو أشهر قبل ذلك الحادث المأساوي).

طالَما تطرح الشرطة ووسائل الإعلام الإخبارية السؤال الخطأ عندما يبحثون عن الدافع لحادثة إطلاق نار جماعي، إلا أنه يتعين عليهم، بدلًا من ذلك، أن يسألوا عمّا شاهده هؤلاء الجناة في السنوات التي سبقت مثل هذه الأعمال الإجرامية: كيف كانوا يتدربون لفعل مثل هذه الأمور؟ ينبغي لهم تفعيل الإعلانات الإرشادية المعنية بتعديل السلوك، وإسداء النصيحة، والتوعية، فهذا هو سبب دفع الشركات ملايين الدولارات؛ لإيصال رسالتها المرئية عبر وسائل الإعلام المرئي، وفي الوقت الحالي، إذا ما كنت ترغب في توصيل رسالتك، ليس عليك سوى إنشاء مقطع فيديو، ووضعه على موقع "يوتيوب"، فالشركات تستخدم مقاطع الفيديو؛ لدعم تدريب الأشخاص، وتعليمهم كيفية أداء وظائفهم.

يجب علينا أن ندرك أن صور الوجوه والأصوات في الماضي تسجَّل من خلال مرآة الخلايا العصبية لدينا، واللوزة الدماغية، حتى دون التفكير في الأمر.

فهل هذا هو ما نُعلّمه للجناة ومطلقي النار القادمين؟!

إذا كنا حقًّا نرغب في وقف إطلاق النار الجماعي، أو الحد منه، فعلينا إقصاء تلك القصص من التليفزيون، وقصر تداولها على صفحات الجرائد، أو نشرها في إحدى الصفحات المهمّشة؛ لذا ينبغي لك أن تهمل صورة هؤلاء الجناة وأسماءهم، وألّا تُقبل على نشر أخبارهم؛ فهذا هو السبيل الأمثل لاندثارهم.